في يوم واحد، غارتان أميركية واسرائيلية وإعلان حكومي استفزازي اسرائيلي يجمعون بين التصعيد العسكري والسياسي، ويرفعون احتمالات المواجهة الميدانية مع إيران وحلفائها على الأراضي السورية، وربما أبعد من ذلك. بخلاف المرات الماضية، اجتمعت عناصر التصعيد كلها في يوم واحد.
بداية، استهدفت طائرات تابعة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة، وفقاً لمصادر النظام السوري و”حزب الله”، قاعدة عسكرية يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حليفة له في شرق سوريا، وتحديداً بين البوكمال وحميمية. وزارة الدفاع الأميركية نفت تنفيذ الغارة، لكن مصادر متقاطعة أكدت دورها فيها. وبحسب المرصد السوري، سقط 12 قتيلاً أجنبياً (غير سوري) في الغارة الأميركية، من المحتمل أن يكون بينهم إيرانيون. واستهداف إيرانيين بغارة أميركية في سوريا، يُمثّل تصعيداً من نوع جديد.
ثانياً، وفي وقت لاحق من يوم أمس، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي منطقة مطار الضبعة العسكري الذي يبعد حوالى 10 كيلومترات فقط عن الحدود اللبنانية، وبالتالي ضرب مواقع انتشار “حزب الله”. والهجوم أيضاً جاء اثر اختراق المقاتلات الاسرائيلية الأجواء اللبنانية لإطلاق الصواريخ التي سقط أحدها على الحدود بين لبنان وسوريا، وأشعل حرائق في المنطقة. لم تتضح حصيلة الاعتداء حتى الآن. لكن المرصد السوري أشار في تصريحات أولية إلى أن مقاتلين من “حزب الله” وميليشيات موالية للنظام يتخذون من المطار مقراً لهم، وثم تحدث عن استهداف مخازن أسلحة للحزب قرب المطار بـ6 صواريخ اسرائيلية. بكل الأحوال، استهداف موقع للحزب في هذه المنطقة الحدودية، وتكثيف التحليق في الأجواء اللبنانية، رسالة جديدة حُبلى بالمخاطر، وتفتح باباً للتصعيد قرب الساحة اللبنانية.
الرسالة الثالثة في هذا اليوم، كانت سياسية. وزير الإستخبارات الاسرائيلي يسرائيل كاتس كشف النقاب عن قنبلة دبلوماسية ثانية تُخطط لها سلطات الاحتلال الاسرائيلية، وتقضي بإقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بضم اسرائيل للجولان السوري المحتل، باعتباره أرضاً اسرائيلية. بعد نقل السفارة الأميركية الى القدس، واعتراف واشنطن بها عاصمةً لإسرائيل، بات الإسرائيليون قادرين على كتابة القانون الدولي، كما فعلوا في قضية القدس، واعادة رسم الحدود من دون أي رادع.
كاتس تحدث عن دعم كبير للفكرة في الأوساط السياسية الأميركية، و”رسالتنا واضحة في هذا المجال، برأي رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) والحكومة، نريد اعترافاً أميركياً بسيادة اسرائيل في الجولان”. اسرائيل تستغل الدعم الأميركي غير المسبوق لحكومة نتنياهو، وكذلك التصعيد مع إيران، للدفع بهذا الاتجاه. وبالتالي اعتبرت أن الاعتراف الأميركي بالسيادة الاسرائيلية في الجولان، يُمثّل ضربة لطهران، لكن الواقع مُغاير تماماً. يُمثّل ضم الجولان نُقطة تقاطع لإيران وإسرائيل، إذ يمنح الأخيرة أرضاً محتلة بحجة وجود الحرس الثوري على حدوده، والأولى حُجة للبقاء في سوريا بدعوى المقاومة.
ويحمل مثل هذا الاعلان انعكاسات أيضاً على المسعى الروسي ضد إيران. رغم أن اسرائيل ضمت الجولان رسمياً عام 1981، إلا أن لاعتراف الولايات المتحدة تبعات قانونية ودولية، وسيُمثل احراجاً جديداً للنظام. وتحديداً، يُقوّض مثل هذا الاعتراف الجهود الروسية لإقرار انسحاب تدريجي لإيران من سوريا. الموقف الروسي الضاغط باتجاه انسحاب تدريجي للقوات الايرانية والميليشيات الموالية لها، يكتسب زخماً بسبب ارتفاع الأثمان الايرانية للبقاء في سوريا، مادياً لخسارتها ذخيرة ومعدات عسكرية باهظة الثمن، أو بشرياً مع ارتفاع حصيلة قواتها.
لذلك فإن ضم الأراضي السورية المحتلة أو حتى وجود مسعى جدي لذلك، يفتح نافذة جديدة لإيران وحلفائها بالرد للمرة الثانية على الغارات الاسرائيلية، من خلال قصف الجولان. حينها، سيكون مسار التصعيد رهن القرار الاسرائيلي، إما بحصر نطاق الرد بالأراضي السورية، أو التوسّع باتجاه قد لا يُبقي لبنان بمنأى عن دائرة الإشتباك.