استجابت تركيا كعادتها لاحتجاجات الشعب الفلسطيني إثر الأحداث الأخيرة في غزة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 60 فلسطينيًا، فطردت السفير الإسرائيلي في أنقرة مؤقتًا، وبطريقة وصفت بأنها “مهينة”، لكن ذلك الطرد لم يوصل العلاقات الدبلوماسية التركية إلى التدهور كما حدث عام 2011، بل قابلها الإسرائيليون بـ “عتاب” وأبدوا حسن نية لتجاوز الخلاف.
نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوطيبيلي، قالت إن إسرائيل معنية بالمحافظة على علاقاتها مع تركيا، ولا تتجه نحو قطع العلاقات مع أنقرة، بل تريد الحفاظ على هذه العلاقات.
ونقلت صحيفة “العربي الجديد” اليوم، الثلاثاء 22 أيار، أن حوطيبيلي، أقرت في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أنّ وزارة الخارجية الإسرائيلية لم تحدد بعد موقفًا من مسألة اقتراحات القوانين الداعية للاعتراف بمذابح الأرمن في القرن الماضي، في إشارة إلى عدم رغبة إسرائيل في استفزاز تركيا.
نائبة وزير الخارجية قالت إن “إعادة القنصل التركي العام في القدس، أضر بتركيا بشكل كبير وقد فهموا الرسالة، ففي نهاية المطاف السؤال الذي يطرح سياسيًا هو هل هدفنا في النهاية تفكيك العلاقات مع أنقرة؟ إذا كان ذلك ما نريده فيمكن اتخاذ خطوات عديدة مثل الاعتراف باستقلال الأكراد”.
وأضافت حوطيبيلي، “يجب أن نفهم أننا نريد المحافظة على علاقاتنا مع تركيا، لأنها دولة مهمة في محيطنا، ونحن نريد المحافظة على قدرتنا في العمل بحرية هناك. هناك ثمن لإغلاق لممثليات دبلوماسية، ونحن لسنا معنيين بذلك”.
وكانت أنقرة أعلنت الأسبوع الماضي طرد السفير الإسرائيلي “بشكل مؤقت”، كما تعمد موظفون أتراك إهانته في المطار، عبر تفتيشه ومنعه من دخول صالة الدبلوماسيين، وهو ما أكسب القضية زخمًا إعلاميًا لدى الأتراك والعرب.
الاعتراف والعلاقات الدبلوماسية
اعترفت تركيا بإسرائيل كدولة منذ عام 1945، وذلك عقب توقيع مصر ولبنان على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
ولم يمضِ عام حتى أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية، وتبادلتا المفوضين، وتعد تركيا أول بلد مسلم يعترف بقيام دولة إسرائيل.
في 1958، وقعت تركيا وإسرائيل اتفاقية تعاون ضد التطرف ونفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط.
وكانت أولى الأزمات بين البلدين بدأت في نهاية ستينيات القرن الماضي، إثر حرب 1967 ونتائجها، وتفاقمت الأزمة مجددًا عام 1980، عقب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في قانون إسرائيلي أساسي، وأفضت إلى إغلاق القنصليتين لفترة مؤقتة.
وفي أواسط الثمانينات، مرورًا بالتسعينات، بدأ ازدهار في العلاقات بين الدولتين، ففي عام 1991 تبادلت الحكومتان السفراء.
الانتقال إلى الاتفاقات العلنية
رأت الاتفاقيات التجارية العلنية بين تركيا وإسرائيل النور في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي للمرة الأولى، وفي عام 1996 وقعت حكومتا البلدين اتفاقيات تعاون عسكري.
وتشير دراسة منشورة في موقع “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط” إلى أن رئيس الأركان التركي آنذاك، شفيق بير، وقع على تشكيل مجموعة أبحاث استراتيجية مشتركة، ومناورات مشتركة، منها تدريب عروس البحر، وهي تدريبات بحرية بدأت في عام 1998.
في عام 2000، بدأ العمل باتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل وتركيا، وترتب على هذه الاتفاقية تعاون اقتصادي وحركة صادرات وواردات كبيرة بين البلدين، وكانت تلك الاتفاقية هي الأكثر أثرًا فيما يخص التبادل التجاري.
وخلال الأعوام الماضية سجلت حركة التجارة بين تركيا وإسرائيل ارتفاعًا كبيرًا، ووصلت عام 2014 إلى أول رقم قياسي لها وهو 4 مليار دولار، بينما تضاعفت واردات تركيا من إسرائيل من 1.1 مليار دولار العام 2009 إلى 2.7 مليار دولار العام الماضي.
الزيارات الرسمية
تدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد عام 2002 ومع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، وانتهاجه سياسة دعم الفلسطينيين.
وشكل عام 2005 تحولًا مؤقتًا فيما يخص العلاقات بين البلدين، إذ زار وزير الخارجية آنذاك، عبد الله غول، إسرائيل للمرة الأولى، تلتها زيارة لرئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان.
ولم تتكرر تلك الزيارات على ذلك المستوى مرة أخرى، إذ شهدت العلاقات بين البلدين عقب حرب تموز في لبنان عام 2006، ثم الأحداث في غزّة عام 2008 فتورًا على المستوى الدبلوماسي.
القطيعة الكاملة
عام 2010، انطلق أسطول “مرمرة” من السواحل التركية باتجاه غزة بهدف كسر الحصار على القطاع ونقل معدات إنسانية إليه، لكن إسرائيل منعت إفراغ حمولة السفن في ميناء غزة، وعرضت على منظمي الأسطول بدل ذلك أن ينقلوا المعدات التي في السفن إلى إسرائيل، ومنها إلى غزة، بعد أن يفحصها ممثلو الأمم المتحدة والصليب الأحمر. رفض المشاركون في الأسطول ذلك، وتابعوا الإبحار نحو القطاع.
عقب ذلك هاجم مقاتلو “السرية 13” السفن التركية، واندلعت مواجهات على متنها، قتل على أثرها تسعة من راكبي السفينة من الأتراك، وأدت الحادثة إلى قطع تركيا علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل بشكل نهائي وجمدت كل الاتفاقات الأمنية وطردت السفير الإسرائيلي.
الاعتذار وعودة العلاقات
في العام 2013 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اعتذارًا رسميًا لنظيره التركي، رجب طيب أردوغان، عن الحادثة خلال مكالمة هاتفية واعترف بحدوث “بعض الأخطاء العملية”، وتعهد بدفع التعويضات لأسر الضحايا، مقابل الاتفاق على عدم ملاحقة أي جهة قد تكون مسؤولة عن الحادث قانونيًا.
وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بعد ذلك وتبادل الطرفان السفراء مجددًا، وعاد العمل بالاتفاقات الأمنية والتجارية مرة أخرى.
ورغم ذلك إلا أن حدة التصريحات المتبادلة بين البلدين لم تتراجع فيما يخص العديد من القضايا الخلافية، وعلى رأسها حصار غزّة وتهويد القدس، ومؤخرًا نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس.