سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا بخدمة إيران
بسام بربندي
دبلوماسي سابق
ستكون سوريا من القضايا المهمة والمعقدة التي ستواجه وزير الخارجية الجديد السيد بومبيو.
رغم أنه كتب الكثير عن الأزمة السورية إلا أنني سأحاول شرح ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، وكيف تعاملت الإدارة الأمريكية في عهدي أوباما وترامب مع الأزمة السورية، من وجهة نظري الشخصية.
اعتبرت إدارة أوباما أن الاتفاق النووي مع إيران هو جوهر سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، وعملت بكل جهدها أن تبقى إيران في التفاوض، حتى بدا أن إيران هي الدولة العظمى وأمريكا الدولة الأضعف.
ورغم تأكيد المسؤولين الأمريكيين أنه لم يتم مناقشة الموضوع السوري مع الإيرانيين وأن الملفين مفصولان، فهم الإيرانيون نقطة الضعف الأمريكية وتصرفوا على أساسها في المنطقة. فحرص الإدارة على التفاوض جعلها تغض النظر عن تزايد النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي الإيراني في سوريا، ورغم التصريحات الأمريكية ضد التصرفات الإيرانية، كيفت الإدارة عمليًا سياستها في سوريا لتتماشى مع الواقع الجديد على الأرض. وكان هدف المسؤولين الأمريكيين المعنيين بالملف السوري تخدير كل المعارضة (السياسية والإعلامية والمجتمع المدني والمجالس المحلية) وإلهاءها بأمور عبثية بحيث لا تكون هناك مواجهة عسكرية بين المعارضة العسكرية السورية والقوات الإيرانية،
وأصبح التركيز أكثر على محاربة النصرة وتم نسيان الأسد وجرائمه وإحالة هذا الموضوع إلى جنيف، وبنفس الوقت تعهد أوباما للإيرانيين أنه لن يعمل على تغيير النظام في سوريا.
وكرر المسؤولون الأمريكيون المعنيون بالملف السوري والمؤيدون للاتفاق النووي أن الحل بيد روسيا، وأن الولايات المتحدة ليس لديها أي أدوات ضغط لعمل أي شيء لوقف الحرب أو لإيقاف النظام عن قتل المدنيين، بل تعاملت الإدارة مع منظمات سلفية جهادية أسسها مقربون من تنظيم القاعدة مثل أحرار الشام، واعتبروها تمثل التيار المعتدل وقطعوا المساعدات والدعم عن المعتدلين الحقيقيين الذين يطالبون بالوقوف ضد إيران والنظام.
وبنفس الوقت فهم الأسد القلق الأمريكي والإسرائيلي والغربي من سيطرة إيران في سوريا، واعتبر ذلك فرصته ليحصل على الشرعية الدولية لحكمه بعد أن دمر سوريا وجلب إيران وميليشياتها بطريقة تجعل من الصعب عليه أن يدعي أنه من يحكم سوريا الآن، وبدأ بإرسال رسائل إلى الدول الإقليمية والأوروبية ومنها إلى الولايات المتحدة -عبر القنوات الأمنية التي لم تنقطع- مفادها أن تقويته هي الضامن للحد من النفوذ الإيراني في سوريا ومن ثم لبنان، وأعطى أمثلة عن الخطط والمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، وطالب بدعم من هذه الدول وخاصة في المجال السياسي والمالي، وأضافت رسائل الأسد أن إيران هي من تقف بوجه أي حل سياسي في جنيف.
ورث الرئيس ترامب نفس فريق أوباما الذي تعامل مع الأزمة السورية، ورغم مواقف الرئيس الواضحة من إيران، لم ينعكس ذلك على السياسة الأمريكية تجاه سوريا، بل زادت سيطرة الميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية خلال فترة رئاسة ترامب.
قام هذا الفريق بتطوير سياسة جديدة لا تزعج إيران وتحقق ما يريده الرئيس بشكل عام وتعمل على تقوية النظام، معتقدين أنه بمساعدة روسيا يمكن فصل الأسد عن إيران مع بقاء الأسد ضعيفًا.
فمثلًا الرئيس ترامب كان واضحًا أن سياسة الولايات المتحدة تقوم على: أن الولايات المتحدة لن تقوم بإعادة إعمار لأي بلد، وأن ليس من سياسة أمريكا تغيير الأنظمة، بل من أولويتها سحب القوات الأمريكية وتخفيض المساعدات والتعامل الإيجابي مع روسيا لحل الأزمات العالمية.
تسربت في بداية العام الماضي أفكار حول سياسة جديدة تجاه سوريا، مبنية على المبادئ التي ذكرها الرئيس، وهي تتلخص بما يلي: تجنب انهيار الدولة السورية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع وجود أماكن لجماعات إرهابية، تجنب تكرار ما حدث في اليمن وليبيا، وكان الحل برأيهم هو قيام جيش النظام بإعادة الاستيلاء على كل سوريا، ما عدا مناطق محددة مثل منطقة الجزيرة وبعض المناطق الجنوبية (مع علمهم أن إيران هي من يملك القوة على الأرض وليس النظام).
ويقوم النظام بتقديم الخدمات الأساسية للمناطق المستولى عليها وسيكون لهذه المناطق نوع من الاستقلال الإداري.
كما طور هذا الفريق فكرة منطقة خفض التصعيد بالجنوب مع الروس، وسمحوا للقوات الحليفة لإيران أن تكون قريبة من الحدود الإسرائيلية والأردنية. ورأينا نتائجها من قصف الاحتلال الإسرائيلي لمواقع لقوات الاحتلال الإيراني على الجولان المحتل، وكان هذا صعب الحدوث قبل إيقاف الدعم لفصائل الجيش الحر الموجودة هناك، والتي كانت تقف بوجه التمدد العسكري الإيراني.
وكان هناك تفكير بالسماح للنظام بالوصول إلى المعبر الجمركي مع الأردن والسماح بحركة الترانزيت بين البلدين، ما سيوفر للنظام مدخولًا ماليًا، وسيكون حافزًا للنظام ليحد من تعاونه مع إيران.
كما رفضت الإدارة (ترامب وأوباما) إدراج فصائل عراقية إرهابية تدعم المشروع الإيراني في المنطقة مثل أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق على القوائم السوداء الأمريكية.
وأخيرًا وافقت الإدارة على الاقتراح الروسي الإيراني، بأن محادثات جنيف يجب أن تبحث في موضوعي الدستور والانتخابات الرئاسية بدلًا من الانتقال السياسي والعدالة الانتقالية. وتم جلب معارضة سورية تقبل طريقة المقاربة الجديدة للحل بمباركة أمريكية، أي أنهم وافقوا على مبدأ الانتخابات وتغيير الدستور والبدء في مفاوضات مع النظام دون شروط مسبقة، ودون أي ضمانة أو تعهد أمريكي .
بدا ذلك وكأنه تكرار للأخطاء التي قامت بها الإدارات الأمريكية حول الموافقة على تعديل دستور وإجراء انتخابات حققت أهداف إيران في السيطرة على لبنان والعراق وغزة (ولاحقًا سوريا) سياسيًا وعسكريًا بطريقة “شرعية”، وتحققت أهداف إيران أكثر مما تطمح إيران نفسها، وهم يعتقدون (الأمريكيون) أن هذه السياسة ستضعفها.
كما حاول البنك الدولي أن يسوق سياسة السلام من خلال الإعمار للحل -كما يريد النظام السوري- وعلى مبدأ أن تزويد النظام بالمال سيسهم في تحفيز النظام على الابتعاد عن إيران، واصطدمت هذه السياسة المالية التي تساعد وتسهل بقاء إيران في سوريا بمواقف رافضة لها من الرئيس ترامب ومن الكونغرس.
يعتقد البعض في الإدارة أنه يمكن احتواء نفوذ إيران بالعراق ولبنان وسوريا، عن طريق تقديم حوافز مالية وسياسية لحكومات هذه الدول وتقوية الحكومة المركزية والجيش، بحيث تطغى المصالح الاقتصادية والهوية الوطنية على النفوذ والتيار الإيراني في بلادهم.
ويستخدم هؤلاء مفردات الرئيس ترامب مثل “الاستقرار ومنع انهيار الدول”، كأساس لسياستهم، وينسون أو يتناسون أن هذه الدول محكومة من إيران وأن من هم في الحكم بشكل حقيقي مرتبطون عقائديًا بإيران ومشروعها، وأن أي مساعدة تقدم لهذه الدول (مثل دعم الجيش اللبناني، وإيقاف قوانين عقوبات ضد القطاع المصرفي الذي يتعامل مع حزب الله وحركة أمل، والتخلي عن الأكراد في العراق لصالح بغداد) لن يخدم إلا إيران ومشروعها للسيطرة على المنطقة، وقد أكدت نتائج الانتخابات اللبنانية الأخيرة هذا الأمر.
وإذا لم تتغير طريقة التفكير لدى الإدارة الأمريكية لتكون أكثر واقعية وأكثر تحديًا لإيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن، فلن يتحقق إلا المشروع الإيراني بالسيطرة على الشرق الأوسط خلال عهد ترامب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :