آثار البارة.. ساحة للحظائر والتدريب على السلاح
إدلب – يوسف غريبي
غدت آثار محافظة إدلب “ذاكرة منسية” بعد سبع سنوات من الحرب، فلم تسلم المعالم والأماكن التاريخية من قصف الطيران الحربي، وزادت مأساتها عمليات التنقيب والحفر، التي امتهنتها جماعات وأفراد يرتبط معظمهم بالفصائل العسكرية.
تحوي إدلب، التي تمتد على مساحة واسعة في الشمال السوري، العديد من الآثار المدرجة على لائحة التراث العالمي، أهمها تجمع “شنشراح” في جبل الزاوية وباريشا، بالإضافة إلى ثماني قرى أثرية أخرى أبرزها البارة في جبل الزاوية.
لكن “الإرث التاريخي” لم يبق منه شيء، ولم تقتصر الأضرار على القصف والتنقيب، بل وصلت إلى تحويل القرى الأثرية إلى مناطق لسكن المهجرين، بعد عمليات النزوح الأخيرة التي طالت الخاصرة الشرقية والجنوبية لإدلب.
تجريب سلاح وحظائر للماشية
البارة، إحدى المناطق التي انقلبت بشكل جذري عما كانت عليه سابقًا، رغم رصيدها الأثري الذي يعود إلى العهود الرومانية والبيزنطية القديمة ومن بعدها العربية.
ومن أبرز أسماء المواقع المحيطة بالبارة، قلعة الحصن ومنطقة تحت البرج والكفر ودار الضباط ومجليا وسرجيلا، وتشكل مدينة كاملة من الآثار، تشمل مدافن وصوامع ومقالع ولوحة تراثية ومعمارية جميلة وتحاط بأشجار الزيتون.
طوال ثلاثة أعوام مضت، قصد القرية الأثرية عشرات النازحين، وأسسوا فيها مسكنًا لهم، وألحقوا فيها حظائر للماشية.
بينما دمر جزء كبير من مواقعها إثر عمليات تجريب السلاح من قبل عناصر ينضوون في فصائل عسكرية، وباتت الجدران القديمة مسرحًا للتأكد من مدى صلاحية السلاح والذخيرة وفاعليتها.
ونالت البارة سابقًا أهمية كبيرة لدى السائحين، ومع دخول قوات الأسد إلى مركز المدينة في السنوات الأولى للثورة السورية، اضطر المدنيون للتوجه إلى أماكن تحميهم من المواجهات العسكرية، وكانت المواقع الأثرية المقصد الأساسي لذلك.
أبو خالد الإبراهيم، ابن المنطقة وأحد المطلعين على حال آثار البارة، يشير إلى غياب الجهات المختصة بحماية المواقع الأثرية في إدلب، والتي من شأنها كبح عمليات السرقة والتنقيب التي طالتها في السنوات الماضية.
ويقول لعنب بلدي إن عددًا كبيرًا من أهالي منطقة أبو الظهور نزحوا إلى البارة مؤخرًا، ولم يكن لهم مأوى، الأمر الذي دفعهم للسكن في المواقع الأثرية بعد تخريب جزء كبير منها.
وإلى جانب البارة، اضطر معظم أهالي الريف الجنوبي في محافظة إدلب للجوء إلى المناطق الأثرية، بين عامي 2015 و2016، واستقبلت منطقة شنشراح أكثر من 100 عائلة نزحت من أماكن مختلفة من ريف إدلب الجنوبي بسبب الحرب.
وكسرت العائلات النازحة إلى الموقع الحجارة الضخمة التي بنيت البيوت الأثرية منها بهدف تحويلها إلى حجارة صغيرة تباع أو تستعمل لبناء أكواخ صغيرة بجوار القصور الأثرية.
تحرك دون جدوى
تحتضن إدلب حوالي 760 موقعًا أثريًا، بحسب مدير آثار المحافظة، أيمن النابو، الذي يقول إنها تعود إلى حقب زمنية مختلفة بدءًا من الشرق القديم (الألف التي انتهت قبل الميلاد) وصولًا إلى العصور الإسلامية المتأخرة.
ويضيف النابو لعنب بلدي أن مديرية الآثار في إدلب تعمل على إيجاد سبل الحماية، من خلال نشر التوعية ورفع المستوى الثقافي بأهمية الممتلكات الثقافية لدى شرائح المجتمع كافة، والعمل على توقيع مذكرات تفاهم مع جهات، فيما يخص موضوع الحماية سواء مع مجلس المحافظة أو الشرطة الحرة المجتمعية.
وفي ظل غياب الضوابط في الشمال، يستمر استنزاف البنية الأثرية، ولم تفلح أي جهود للحفاظ على الإرث التاريخي، كما غابت المشاركة العالمية في عملية حفظ وأرشفة الآثار لإضفاء الشرعية على عمليات حفظ الآثار وإمداد المبادرات الفردية بالوسائل والأدوات العلمية لمتابعة عملها.
وبحسب النابو، تعمل المنظمات المختصة بالآثار على دعم الفنيين الموجودين في الداخل السوري، وتدفعهم لتنفيذ مشاريع “الحماية والترميم والحفظ والتوثيق”، وفق صيغة قانونية داخلية.
قضية التنقيب ربطها النابو بأفراد وجماعات عسكرية (لم يسمها) لا يمكن إيقافها إلا بوجود أسس علمية وقانونية بموجب المحاكم والتشبيك ما بين الفنين المختصين والجهات القانونية لتجريم هذه الأعمال.
حكومة الإنقاذ خارج السرب
في خطوة متأخرة بعد سبع سنوات، حذرت “حكومة الإنقاذ السورية” العاملة في إدلب، من القيام بأعمال الحفر والتنقيب عن الآثار في أي مَعلم أثري في المحافظة “تحت طائلة المساءلة القانونية”.
ونشرت “الحكومة”، في نيسان الماضي، بيانًا قالت فيه إن عمليات الحفر والتنقيب الخاصة بالبحث العلمي تستثنى بعد الحصول على موافقة خطية من “مديرية الثقافة” التابعة لها، والمصادقة عليها من “رئاسة مجلس الوزراء”.
وأضافت أن “المعالم والأوابد الأثرية جزء من التراث الإنساني، كما أنها تعبر عن الهوية التاريخية للمنطقة وحضارتها”.
لكن مصادر إعلامية من إدلب قالت لعنب بلدي إن عمليات التنقيب لا تزال مستمرة حتى اليوم، وخاصة في تل سهل الروج وتل دينيت في بلدة قميناس.
وأوضحت المصادر أن المجموعات التي تقوم بعمليات التنقيب يتبع معظمها للفصائل العسكرية، بينها “هيئة تحرير الشام” التي تعمل بالتنسيق مع “حكومة الإنقاذ”، مشيرةً إلى أن البحث يتركز بشكل أساسي على الذهب والفضة، بينما ترحل القطع الأخرى إلى التكسير.
وبحسب المصادر تعتمد مجموعات الحفر والتنقيب على جرف التلال بالتركس، مع وجود أجهزة مختصة بكل طبقة من طبقات الأرض المراد حفرها.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إن منطقة الإسكان العسكري بين مدينة سرمين وإدلب “لم يبق فيها سوى الشجر”، على خلفية عمليات التنقيب والحفر الكبيرة.
وأضافت أن طرق التنقيب تطورت في الأشهر الماضية، لتنتقل من عمليات “فرشاة الأسنان” إلى الحفر بآليات كبيرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :