رسائل صاروخية
حذام زهور عدي
كانت إيران حكومة وشعبًا تتوقع الانسحاب الترامبي من الاتفاق، وكما صرح حسام الدين آشنا، مستشار روحاني، فإن الحكومة الإيرانية وضعت 12 سيناريو للتعامل مع قرار الانسحاب، لكن من يرصد ردود الفعل الإيرانية يرى كأنها فوجئت أو صُدمت به، فمن إحراق الطلبة الجامعيين لصورة الاتفاقية، إلى مشاركة نواب الشعب إحراقها مع العلم الأمريكي داخل البرلمان، إلى تصريحات عنيفة لكبار المسؤولين، أشبه بالسباب على ترامب وإدارته الأمريكية- الصهيونية، كما قال لاريجاني رئيس البرلمان، وبرجوردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية، إلى تهديدات العسكريين من كبار مسؤولي الجيش والحرس الثوري الذي لم يُعط قائده محمد علي الجعفري أهمية للاتفاق كله وفيلق القدس وسليمانه وحتى الباسيج التنظيم العسكري الشعبي الإيراني.
ضمن هذا الهياج الرسمي وفرش العضلات الكلامية، والهياج الشعبي الخائف من الجوع واشتداد الفقر والموت، كان لا بد للصواريخ أن تتحرك من الأرض السورية المباحة والتي أعدتها إيران عسكريًا وديموغرافيًا لمثل هذه الأوقات، لترسل رسائل موجهة لعناوين متعددة- شأن أي رسائل حربية سياسية- يعلن مرسلوها مسبقًا أنها رسائل تحذيرية، راسمة محدودية خطوطها وارتفاع سقفها.
العنوان الأول.. الداخل الإيراني، إذ إن على نظام الملالي أن يُقنع شعبه بأنه قادر على حمايته، وعلى الشعب أن يصبر ويساعد أولياء أمره على تجاوز المحنة التي يعيشونها، فالأهداف عظيمة تتدرج من تحرير القدس إلى حماية المراقد ومنع سبي زينب للمرة الثانية والثأر للحسين، والصبر يجب أن يتناسب مع عظمتها.
والعنوان الثاني.. إسرائيل هي المتهمة الأولى بتحريض ترامب على الانسحاب، والمنافس الأقوى للهيمنة الإيرانية على شرق المتوسط، وشماعة المقاومة والممانعة، الشعار الذي استطاعت السياسة الإيرانية النفوذ من خلاله إلى قلوب كثير من المسلمين والعرب حكومات وتنظيمات وأفرادًا، ودمرت سوريا وهجرت نصف أهلها وأوقعت المآسي والكوارث بهم، قبل أن تنتقل الأهداف إلى تشييع السوريين.
والعنوان الثالث.. أمريكا والغرب، لتقول حكومة الملالي لهم: نحن باستطاعتنا إزعاجكم من خلال ولدكم المدلل إسرائيل ومن خلال بث الفوضى وإشعال منطقة مصالحكم حتى بصرف النظر عن الإمكانية العسكرية لتحقيق نصر سريع وحاسم، كما نفعل مع حلفائكم الخليجيين الذين استنزفناهم واستفدتم من بعض هذا الاستنزاف، لذا عليكم أن تجدوا حلًا مرضيًا لمصالحنا قبل فوات الأوان، فقد أصبحت إيران دولة إقليمية وتكاد تصبح دولة كبرى تنافس الأقطاب على القطبية نفسها، ولا بد من مراعاة أحلامها التوسعية أيضًا.
أما العنوان الأخير فهو للنظام الأسدي نفسه، لإشعاره بالقوة والرد الذي تأخر كثيرًا عن الوقت المناسب الموعود من جهة، ومن المقلب الآخر لإفهامه وإفهام حلفائه الروس بأن أقدامهما بالفلق سواء، ولن يستطيع أحدهما الغدر بإيران على الأرض السورية.
ربما هناك عناوين أخرى مهمة، فالخليج مطمحها شديد الأهمية، والأجواء مناسبة لتلعب فيه، وغيره مما خفي وابتلعته باطنية الملالي.
أما العناوين الإسرائيلية فهي وإن كانت تتفق مع عناوين الملالي بالمحدودية والسقف، لكن حدودها أوسع وسقفها أعلى، ولذا فإن نوع ردها وقصفها كان أشد ويكاد يكون أكثر مصداقية مع لغة إنذاراتها.
العنوان الإسرائيلي الأول موجه إلى أوروبا المعارِضة لموقف ترامب أو المترددة، من أجل إظهار العدوانية الإيرانية على إسرائيل، وبذلك على أوروبا أن تسمح لها قانونًا وأخلاقًا بالدفاع عن نفسها. أيضًا لإعطاء ترامب ورقة إضافية تبرر موقفه أمام حلفائه، وتدفع الأوروبيين للدخول تحت مظلته.
والعنوان الثاني لحكومة الملالي وللشعب الإيراني، إذ تنص رسالتها على استحالة وصولهم إلى النووي أو أي سلاح أو صاروخ متطور أو موضع قد يسبب أذىً محققًا لإسرائيل، أما المحدودية والسقف فهو في تقبل تقاسم النفوذ خارج الأراضي السورية التي تشكل مصدر خطر على إسرائيل لقربها منها.
والثالث لروسيا نفسها وبوتين تحديدًا، فلا يكفي أن يتجاهل قصفها للسوريين والإيرانيين وتخليصهم من السلاح الكيماوي، بل عليه المساعدة بإخراج حلفائه الإيرانيين من سوريا نهائيًا، وإلا فالإسرائيليون قادرون على قلب الطاولة عليه وحرمانه من المكاسب التي حققها في سوريا، وإذا كان بوتين قد تعهد لنتنياهو في زيارته الأخيرة بعدم التدخل في قصفه للقواعد الإيرانية في سوريا، لكنه طلب بالمقابل عدم العمل على إسقاط الأسد، ولا أظن أن نتنياهو سيلتزم بذلك إذا استمرت المعارك أو توسعت وسببت ضربات موجعة لإسرائيل، حتى لو لم تكن معارك ضخمة.
والرابع، الذي قد لا يكون الأخير، للنظام السوري، الذي يعلن عن شرعية استقدامه للقوة الإيرانية، ولذا فنص الرسالة واضح تمامًا، إنه من يملك الشرعية القانونية لإخراجهم، ولن يبقى جالسًا على الكرسي، الذي دمَّر الوطن والشعب من أجله، إن لم يمارس صلاحية التخلص منهم، فإسرائيل هي التي منعت سقوط آل الأسد وهي بالتالي القادرة على إسقاطهم، وهو وأسرته يعرفون ذلك جيدًا.
لا أظن أن أحدًا يخفى عليه بأن تهديد إسرائيل للنظام الأسدي في هذه الآونة، هو تهديد جدي، بعد أن استكمل مهمته بتدمير البلاد وتسليمها لمحتلين متنوعي المشارب والأهداف، وجعلها شذر مذر بين أيدي الناهبين، وهو بالوقت نفسه تهديد لروسيا وإيران وللوضع الإقليمي كله.
في المحصلة.. لن تقع حرب كبيرة بين إسرائيل وإيران فكلاهما لا يريدانها، ولكن الرسائل الصاروخية قد تستمر بينهما على الأرض السورية ومن خلال الدماء السورية، والرسالة الأهم هي رسالة الشعب السوري -الضحية- إنها معضلة المسألة الأخلاقية والوطنية التي وضعته الحماقة الإيرانية بها، طمعها، أوهامها الإمبراطورية، عنجهيتها وسياسة تصدير الثورة وتوسيع النفوذ ومحاولات التشييع والكوارث التي ألقت السوريين ومجتمعهم ووطنهم وإنسانيتهم بجحيمها، والتي جعلتهم يدفعون أثمانًا غالية جدًا، سياسة الملالي الغبية والقذرة جعلت رسالة الشعب السوري السلمية مختلفة جدًا، إنها رسالة المتفرج أو الشامت أو الفرح للرسائل الإسرائيلية.
أما أكثرية السوريين فدعاؤهم: ربنا اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم، وأعدنا جميعًا لوطننا سالمين ينعم بنا وننعم به، اللهم آمين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :