عنب بلدي – نور عبد النور
“اسمي علي، عمري 18 عامًا، وأنا في الصف التاسع الإعدادي”. قصّة قصيرة جدًا حبكتها الحرب على عجل، وجعلت من ملايين الطلاب السوريين أبطالها وضحاياها الذين يتعثّرون في الأحداث والتفاصيل الكثيفة، ولا ينجو أكثرهم من مؤشرات النهاية الكارثية.
كان علي العادل، وهو أحد أبناء ريف حلب الشمالي، قد أنهى لتوّه مرحلة التعليم الابتدائي حين انطلقت الثورة، وكان الوقت مبكرًا جدًا بالنسبة له لتتغيّر حياته بشكل كامل، وتتعطل أولى خطواته نحو المستقبل، في ظلّ السلطتين العسكريتين اللتين ستتعاقبان على منطقته خلال الأعوام التالية.
يقول علي في سيرته الدراسية التي سردها لعنب بلدي، “قبل انطلاق الثورة كان التعليم في المرحلة الابتدائية يتضمن تعليم اللغتين العربية والإنكليزية وباقي المواد، مثل العلوم والرياضيات، وكان مستواي متوسطًا، وكان التعليم متوفرًا من حيث المناهج والكادر التدريسي”.
لكن هذا الوضع لم يستمرر بعد احتدام الصراع، إذ تضرر قطاع التعليم بشكل مباشر في أغلب المناطق السورية، في ظلّ تدهور الوضع الأمني وتسرّب المعلمين وانقطاع الطلّاب عن المدارس.
وتشير إحصائيات نشرتها منظمة “يونيسيف”، التابعة للأمم المتحدة، أن عامي الثورة الأولين شهدا مقتل 222 معلمًا ومعلمةً في مختلف أنحاء سوريا، إضافة إلى تدمير نحو ثلاثة آلاف مدرسة، لكن هذا العدد تضاعف مرات عدّة منذ ذلك الوقت.
حتى عام 2014، كانت العملية التعليمية قد شهدت تخبطًا في مناطق سيطرة النظام، وانهيارًا شبه كاملٍ في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، ومع تشكيل “الحكومة المؤقتة” التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أخذت وزارة التربية والتعليم تعمل بصعوبة على تحريك عملية التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، عبر توفير مدارس ومناهج معدّلة وبدائل تعليمية وفق الإمكانات المتاحة.
وشهد العام الثالث للثورة إعلان تشكيل “الإدارة الذاتية” في الجزيرة السورية، وتمدد تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق سورية عدّة، لتأخذ السلطتان العسكريتان الجديدتان موقعهما في الجغرافيا، وتفرضان نفسيهما بالقوة على المجتمع، عبر مؤسسات مرتبطة بهما، تولّت إدارة القطاعات المختلفة، ومن بينها قطاع التعليم.
وعلى اعتبار أن القوتين الوليدتين كانتا بحاجة لفرض أيديولوجياتهما على السكان، توجّهتا بشكل أساسي إلى فئة الأطفال، فأنتجتا منظومتين تعليميتين مختلفتين بشكل جذري عن المنظومتين التعليميتين في مناطق المعارضة والنظام.
عن تلك الفترة يقول الطالب علي، “بعد تشكيل (الحكومة المؤقتة)، بدأت بإعادة توفير فرص التعليم، لكن هذا الأمر لم يستمر على حاله حين استولت داعش على منطقتنا”.
اضطر علي للتوقف عن الدراسة لمدة عام في ظل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ثم قرر أن يلتحق بأحد المعاهد الشرعية التي كانت بمثابة “كتاتيب” لتعليم القرآن والأحاديث، إضافة إلى زرع أفكار التنظيم والحث على الفكر “الجهادي”.
“عندما حضرت الدرس الأول في المعهد، كان المدرّس مغربيًّا، وكان التعليم يقوم كله على نفي بعض الأحاديث الشريفة، ويرتكز على المنهاج الشرعي”، يقول علي، مضيفًا “لم يستمرّ الحال طويلًا، إذ سافرت إلى تركيا بعد مدة”.
إلى جانب المعاهد الشرعية، عمل التنظيم في بعض مناطقه على إنتاج مناهج لتسع مراحل مدرسية، وتأسيس منظومة تعليمية مدرسية تستند إلى كتب ألّفها لتتناسب مع أفكاره “المتطرفة”، وتهدف إلى زرع “الفكر الجهادي” ومفهوم “الدولة الإسلامية”.
وتنشط مدارس التنظيم اليوم، في مناطق سيطرة “جيش خالد بن الوليد” في محافظة درعا بشكل أساسي، المحافظة التي تنقسم مدارسها بين ثلاث قوى، إذ يدرس الطلاب في مناطق سيطرة فصائل المعارضة مناهج النظام القديمة مع التعديلات التي أجرتها “الحكومة المؤقتة”، أما في مدينة درعا وبعض القرى التي يسيطر عليها النظام، تعتمد المدارس على المناهج “المطوّرة” التي أقرها النظام للعام الدراسي 2017-2018، وتم تعميمها على مديريات التربية التابعة لحكومته.
وتمثّل هذه المناهج المدرسية الثلاثة صورة عن تباين المشاريع السياسية في كامل سوريا، ويضاف إليها المناهج التي يتم تدريسها في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في الجزيرة السورية، وتُدرّس غالبًا باللغة الكردية، وتتناسب مع فكر “حزب الاتحاد الديمقراطي”.
ورغم سوداوية الصورة تحت ظل التشرذم التعليمي الكبير، إلا أن الأسوأ من ذلك هو وجود ثلاثة ملايين طفل سوري في سن المدرسة خارج العملية التعليمية، وفق تقديرات منظمة “يونيسيف”، ما ينذر بجيل يغلب عليه طابع الجهل.
التحق علي العادل بعد عودته إلى سوريا بمدارس تديرها وزارة التعليم التركية، ويسعى إلى نيل الشهادة الإعدادية، رغم أنه في سن الثامنة عشرة، ويصف الوضع التعليمي في منطقته بأنه بات جيدًا، مقارنة مع ما تلقاه خلال خمسة أعوام مضت.
استجابة للمشهد القاتم الذي رسمته قصّة علي العادل حول العملية التعليمية في سوريا، عمدت جريدة عنب بلدي إلى إجراء مسح كامل لمضامين المناهج المدرسية المختلفة التي عُدّلت أو أُنتجت بناء على اعتبارات بدت علمية في بعض الأحيان، وغلب عليها الطابع السياسي والأيديولوجي للسلطات المختلفة في أحيان أخرى، والبحث عن حلول مناسبة لتدارك الخلل وتعويض النقص التعليمي في سوريا.
تدجين سياسي في مناهج النظام
لم تختلف مناهج النظام السوري، وفق طبعات عامي 2017 و2018، كثيرًا عن المناهج السابقة، إذ ركّزت لجنة تطوير المناهج التابعة لوزارة التربية في حكومة النظام على تطوير بعض المواد العلمية كالرياضيات.
أما فيما يخص المواد النظرية، فلا يبدو التغيير الذي تمّ إحداثه “فجًا” للغاية، على الرغم مما يحمله من مدلولات سياسية، ترتبط بتوجّهات النظام السوري، فيما يخصّ الإيحاء بعدم تغير الوضع في سوريا خلال الأعوام السبعة الماضية.
ويتضح هذا التعديل في المواد النظرية كالتاريخ والجغرافيا والقومية، لما تحتويه من مضامين ذات ارتباطات سياسية مختلفة، يمكن أن تخدم وجهة نظر السلطة القائمة في دمشق، وتساعدها في تنشئة جيل مشبع بأفكارها ومؤمن بالتاريخ الذي تكتبه، والجغرافيا التي ترسمها، والنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي المناسب لمصالحها.
وكانت كل من وسائل إعلام المعارضة والنظام، على السواء، انشغلت خلال العام الماضي بتفاصيل المناهج التي عدّلها النظام السوري عام 2017، إذ كان المثير للجدل أن النظام عدّل 50 كتابًا دفعة واحدة، ما حرّك تساؤلات حول أهلية اللجان التربوية التي عدّلتها خلال وقت قصير، والسبب وراء إلحاح هذه التعديلات الشاملة وضرورتها ومضمونها.
ويتأثر بهذه التعديلات نحو أربعة ملايين طالب وطالبة، سوريين يتوزعون على مرحلتي التعليم الأساسي (الحلقة الأولى والحلقة الثانية)، والتعليم الثانوي، وفق تصريحات لوزير التربية في حكومة النظام، هزوان الوز، مع بداية العام الدراسي الماضي.
وفي قراءة لمضامين عينات من مناهج النظام، استطاعت عنب بلدي أن تحصر بعض التعديلات ذات الدلالات السياسية، في محاولة لمعرفة مدى تأثيرها في جيل الأطفال والشباب.
تجاهل أحداث سبع سنوات
تعتمد كتب مادة الجغرافيا في مناهج النظام السوري على إحصائيات تعود للعام 2008 أو أقدم، خلال الحديث عن الموارد الاقتصادية أو النسب السكانية، والتوزع الديموغرافي والهجرات من سوريا وغيرها، مع العلم أن هذه الكتب تمت طباعتها للعام الدراسي 2017-2018.
جميع المؤشرات الرقمية المتعلقة بالسكان والاقتصاد اختلفت بشكل جذري بعد اندلاع الثورة وحتى وقتنا الحالي، وبغض النظر عن ذلك، فإن استخدام أي إحصائيات يزيد عمرها على 10 أعوام يقلل من واقعيتها، وبالتالي من إمكانية الاعتماد عليها في الاستدلال وبناء المعرفة.
على سبيل المثال، يذكر كتاب الجغرافيا للصف التاسع الإعدادي أن حركة هجرة الشباب من الوطن العربي تراجعت نتيجة “تحسن الأوضاع الداخلية”، ويشير إلى أن عدد المهاجرين السوريين يصل إلى مليون شخص، بالاعتماد على إحصائية رسمية صادرة عام 2008، مغفلًا أن أعداد اللاجئين السوريين تجاوزت سبعة ملايين عقب الثورة، فضلًا عن هجرة مئات آلاف العرب من دول عربية مختلفة إثر الثورات والحروب والصراعات الداخلية العديدة التي نشبت في المنطقة منذ عام 2011.
هذا التغييب المتعمد للأحداث في سوريا، لا يمكن أن ينطلي على المتلقين من الطلاب السوريين في المرحلة الإعدادية الذين عايشوا أحداث البلاد منذ سبعة أعوام، الأمر الذي يعزز حالة الإنكار التي يسعى النظام إلى ترسيخها، بدءًا من وسائل الإعلام وحتى المناهج المدرسية.
تركز مناهج حكومة النظام السوري الحديث عن لواء اسكندرون، الذي ضمته تركيا منذ عام 1939، والجولان السوري المحتل منذ عام 1967، ويتكرر ذكرهما في مناهج التاريخ والجغرافيا والقومية، كما تعرض تلك الكتب خريطة سوريا ككتلة تشمل المنطقتين.
ويسعى النظام إلى إيصال رسائل من خلال الخريطة التي يرسمها في المناهج ضدّ تركيا، معتبرًا إياها “دولة احتلال”، الأمر المتعلّق بالخلاف السياسي الحاد عقب دعم الأخيرة للثورة السورية.
وتتجلّى تلك الرسائل في التعديلات التي أجريت العام الماضي بناء على طلب حكومي في كتاب التاريخ للصف الثامن الإعدادي، والقائمة على استبدال مصطلح “فتح القسطنطينية” بـ “الاستيلاء على القسطنطينية”، و”محمد الفاتح” بـ “محمد الثاني”، في محاولة لترسيخ فكرة “الاحتلال العثماني” في أذهان الطلاب.
“الديانة لله والوطنية للجميع”
أعلن وزير التربية في حكومة النظام السوري، هزوان الوز، العام الماضي أن وزارته تعمل على تعديل منهاج التربية الدينية في المراحل التعليمية، في خطوة للتوعية و”الابتعاد عن الجهل والتطرف”، على أن يتم هذا التعديل “من المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية ومن بعدها الثانوية، وذلك على مدار أربع سنوات”.
وبرر الوز هذا التعديل بأنه يأتي في سياق تطوير مادة التربية الدينية وليس لإلغائها، معتبرًا أن “التطرف لا ينشأ من الدين بل من الجهل به، وسيتم تطوير المناهج بشكل مستمر بما يتناسب مع المراحل التعليمية”.
وأتت غالبية هذه التعديلات بناء على دعوات من مجلس الشعب اعتمدت وسم سوريا بـ “العلمانية” في المناهج، وإلغاء مادة التربية الدينية، واستبدالها بمادة “الأخلاق”.
عنب بلدي اطلعت على أول كتاب ديانة تم تعديله، وهو كتاب للصف الأول الابتدائي، ولا تبدو التعديلات جذرية، إذ يحتوي الكتاب على آيات قرآنية للحفظ وأحاديث نبوية، ويحكي عن سيرة النبي محمد (ص)، وهو ما يتم تعليمه عادة بالنسبة لأطفال بعمر ست سنوات.
ومن المستبعد أن يكون التغيير خلال الأعوام المقبلة في مادة التربية الدينية كبيرًا، تجنبًا لمخالفة العقيدة الغالبة في المجتمع، وقد يركز على جوانب معينة لها علاقة بـ “الجهاد”، في محاولة للابتعاد عن أفكار يسعى النظام لربطها بـ “التطرف”، ويبرر لأجلها قمع الثورة السورية وقصف المدنيين، بحجة وجود “جهاديين متطرفين” في المناطق التي يستهدفها.
من ناحية أخرى انتشرت دعوات في أوساط الموالين لإلغاء مادة التربية القومية، واستبدالها بالتربية الوطنية، وقد تمّ استبدال الاسم فعلًا، لكن النظام من خلال مناهجه الجديدة يستمر بالتركيز على مفاهيم العروبة والقومية، كما يستمر باستثمارها في إطار إبراز موقع سوريا “المحوري” في الوطن العربي.
وتتضمن مناهج التربية القومية للصفين التاسع والثاني عشر مغالطات عدة، إذ لا يزال يركز المنهاج الجديد على فكرة الجامعة العربية ودور سوريا فيها، على الرغم من تجميد مشاركة دمشق ضمنها منذ عام 2011.
اللافت للنظر في كتب القومية، أن النظام بدأ تبديل محتواها ليبعده نسبيًا عن “تمجيد” آل الأسد أو “حزب البعث العربي الاشتراكي”، وراح يروج من خلالها لمفاهيم التعددية والديمقراطية، في محاولة لترويج صورة النظام السياسي المنفتح، وهو ما يحاول أن يبدو عليه منذ عام 2011 مع إصدار قانون الأحزاب، وإلغاء المادة 8 في الدستور، والتي تقول بقيادة حزب البعث للمجتمع والدولة.
فيما يتجلّى التوجّه السياسي بأوضح صوره، من خلال التركيز على مفهوم “المقاومة” الذي يروّج له النظام، إذ يفرد كتاب الوطنية للصف التاسع الإعدادي فصلًا كاملًا يتحدّث فيه عن “ثقافة المقاومة”، وإعلام المقاومة، و”دورهما في مكافحة الإرهاب”.
الروسي صديق
يصل عدد الطلاب السوريين الذين يدرسون اللغة الروسية في المدارس السورية إلى 7533، وفق تصريحات وزير التربية في حكومة النظام السوري، هزوان الوز، إذ تمنح الوزارة الطلاب بدءًا من الصف السابع إمكانية اختيار لغة أجنبية أخرى إلى جانب الإنكليزية (روسية أو فرنسية).
ورغم أن الوز برر هذا التوجه بكون اللغة الروسية ضرورية لتوسيع مصادر المعرفة والاطلاع على ثقافة الآخرين، بدأ هذا التوجه مع التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، في إطار دعم النظام السوري.
ويعد الروس أبرز حلفاء النظام السوري، الأمر الذي يبرر اهتمام الأخير بتعليم اللغة الروسية في المدارس، وسعيه لتقديم الروسي كصديق، وتبرير استمرار وجوده حتى في حال الوصول إلى انتقال سياسي في سوريا.
ويقابل تعليم اللغة الروسية في مناطق سيطرة النظام، تعليم اللغة التركية في بعض مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها فصائل عسكرية مقربة من تركيا.
إذ تعد اللغة من أكثر الوسائل التي يساعد تعلمها على تأثر الفرد بشخصية الدولة التي تتحدث بها، ويمكن أن يُعوّل عليها سياسيًا لحصد ولاءات فردية وجماعية لصالح دولة ما.
إلى جانب تأثير التدخل الروسي على التعليم والمناهج السورية، أدى التوجه الكبير إلى العسكرة في المجتمع السوري إلى تأثر جزء كبير من موالي النظام بالحالة العامة، فدعوا لنقلها إلى المدارس عبر إعادة إحياء مادة التربية العسكرية.
وكان الأمين القطري المساعد في حزب “البعث العربي الاشتراكي”، هلال الهلال، قال العام الماضي إن الحزب يناقش مسألة إعادة مادة التربية العسكرية إلى المنهاج الدراسي بطريقة “تتناسب مع الوضع الراهن والتطور الحضاري”.
وقد لا تعني إعادة مادة العسكرية شيئًا في ظل العشوائية الكبيرة في حالة العسكرة، وانضمام الآلاف من اليافعين والشباب إلى ميليشيات الدفاع الوطني، التي تعنى بتدريب عناصرها على حمل السلاح، بحجة حماية أمن مناطقهم والدفاع عن النفس.
مبادرات ذاتية لعملية تعليمية موالية
قد لا تكون التعديلات التي تم تطبيقها على بعض مناهج حكومة النظام السوري ذات دلالات سياسية مباشرة، لكن ما يلفت النظر في الحالة التعليمية ضمن مناطق النظم هو التوجه الشعبي لتحويل هذه الدلالات إلى أشكال مباشرة وفجّة عبر بعض الممارسات التي رصدتها وسائل الإعلام في المدارس وخلال الاجتماعات الحزبية وجلسات مجلس الشعب.
خلال العام الماضي، أصدرت وزارة التربية في حكومة النظام السوري قرارًا يقضي بإلغاء قصيدة من كتاب الصف الأول للشاعر المعارض ياسر الأطرش، واستبدالها بقصيدة عنوانها “وطني” للشاعر سائر ابراهيم.
هذا التعديل جاء بضغط من موالين للنظام السوري الذين انتقدوا اعتماد قصيدة لشاعر معارض، وأثار الأمر جدلًا كبيرًا على صفحات “فيس بوك”، إذ اتهم الإعلامي الموالي للنظام، وحيد يزبك، وزارة التربية بتمرير قصائد لمن وصفهم بمتطرفين، كما طالب بطردهم من المناهج التعليمية.
وفيما يخصّ الحديث عن إلغاء مادة التربية الدينية، فإن الاقتراح جاء على لسان بعض أعضاء مجلس الشعب، أيدهم في ذلك موالون للنظام من فنانين وإعلاميين، فعلى سبيل المثال، اعتبر الممثل دريد لحام، أن التربية الدينية في المدارس سببًا لما تعيشه سوريا من حالة طائفية في الوقت الحالي، كما اعترض على تسمية التربية الدينية، مقترحًا تسميتها بـ “التربية الإيمانية”.
إلى جانب ذلك، تحولت بعض الصفوف المدرسية إلى أماكن لتبجيل ومديح شخصيات عسكرية وسياسية مرتبطة بالنظام، فعقب مقتل القائد العسكري في قوات الأسد، عصام زهر الدين، انتشرت صور لدرس إعراب في إحدى مدارس منطقة مصياف بريف حماة، يتخذ مدرسه من زهر الدين مثالًا على “البطولة”، عبر عرض جُمل من قبيل “لم يكن مجاهدًا، كان جنديًا وقائدًا وفيًا”، والطلب من الأطفال أن يقوموا بإعرابها.
ولعل ذلك التوجّه يحمل مخاطر كبيرة، إذ يساعد موالو الأسد من المعلمين على تعويض ما عجزت المناهج المدرسية عن تلقينه للطلاب، من أفكار تساعد على تدعيم النظام.
وقد يعجز الكثير من أهالي الطلاب عن تقليل أثر هذه الأفكار بداعي الخوف، وعدم الرغبة في تعريض أبنائهم لمواقف تتضمن جدالًا يخرجهم عن دائرة “الوطنية والولاء”، ويعرضهم لمشاكل أمنية.
لجنة تطوير المناهج: لم تتحكم جهات أمنية بعملنا
نفى مصدر في لجنة تطوير المناهج التابعة لحكومة النظام السوري أن تكون جهات أمنية قد فرضت على العاملين أي محتوى علمي أو نظري في المناهج المدرسية المحدثة.
وقال المصدر (رفض نشر اسمه لأسباب أمنية) لعنب بلدي، إن مراكز تطوير المناهج لم تشهد أي حضور أمني، مؤكدّا أن “مختصين من جميع الطوائف شاركوا في العملية”.
وأشار المصدر إلى أن منظمتي “يونيسكو” و”يونيسيف” أجرتا دورات وورش تدريبية لأفراد لجنة تطوير المناهج، بهدف رفع مستوى المحتوى والأنشطة الموازية، بما يتناسب مع التطور العلمي.
ووفق المصدر فإن المنهاج الجديد اعتمد على معايير أوروبية وكندية مترجمة، لافتًا إلى أن منهاج الرياضيات الجديد صُنّف كأفضل منهاج في الوطن العربي.
مناهج “الحكومة المؤقتة”
توليف التاريخ والحدود على الموجة التركية
بينما كانت فصائل المعارضة تقاتل قوات الأسد خلال العام 2012، كان الطلاب في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام يدرسون كتبًا تتضمن صورًا للأسد، وأقوالًا لـ “القائد الخالد”.
استمرّت هذه الحال حتى عام 2013، حين تمّت طباعة ثلاثة ملايين كتاب مدرسي خالية من الإشارة إلى شخصيات مرتبطة بالنظام أو حزب البعث، وفي العام التالي، تشكلت وزارة التربية التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة” المعارضة، والتي قامت بدورها بتعديل المناهج وفق متطلبات المرحلة الجديدة، وبعيدًا عن رموز سياسية غلّفت المناهج المدرسية، وتسرّبت إلى مضامينها مدة 40 عامًا.
ويشير تقرير حول تعديل المناهج في مديريات التربية التابعة للحومة المؤقتة، حصلت عنب بلدي على نسخة منه، إلى ضرورة “مغايرة النظام فكريًا للقضاء على منظومة الجهل والإفساد التي خلفتها مناهج النظام، تلك المناهج التي تمت صياغتها وقولبتها سياسيًا لتخدم هدفًا واحدًا ووحيدًا، وهو تقديس وتخليد القائد الملهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، دون الاهتمام بتنمية الفرد وتحسين مستوى وعيه رغم وجود
عناصر فكرية إيجابية في المناهج لم يكن بمقدور النظام العبث بها، لذلك كان لا بد من العمل على مراجعة المناهج وتطوير بعض جوانبها، لتواكب التطور الفكري الذي حدث نتيجة الثورة”.
إلا أن تحليلًا لمضمون التعديلات في كتب “الحكومة المؤقتة” أجرته عنب بلدي، أظهر أن هذه التعديلات لم تكن “تطويرًا” بمعنى التطوير، بل مخالفة لمضامين سياسية ووجهات نظر من التاريخ والجغرافيا والقومية وحسب.
وتتبع لوزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” نحو 2000 مدرسة في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، يحضر الصفوف المدرسية فيها نحو 600 ألف طالب وطالبة، فيما لم تحافظ العملية التعليمية على جودتها بسبب عدم استقرار المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أمنيًا، وعدم التزام الكثير من الطلاب بالدوام المدرسي خاصّة في المخيمات أو مناطق النزوح، الأمر الذي يخلق مشاكل عدّة في المدارس، كالتفاوت في مستويات الطلاب، وتأخر الآلاف عن صفوفهم النظامية، فضلًا عن تسرب قسم كبير من المدرسين، ومشاركة غير ذوي خبرة في العملية التعليمية.
ورغم ذلك تمكّنت “الحكومة المؤقتة” من انتزاع اعتراف رسمي من منظمات عدّة، ودول كبريطانيا وأمريكا وبريطانيا.
عين تركيا على المنهاج
يشير تقرير المناهج المعتمدة في مديريات وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” أن التعديلات التي أجريت على المناهج تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل (الفيزياء، الرياضيات، العلوم الطبيعية، الكيمياء، اللغتان الإنكليزية والفرنسية).
وطالت هذه التعديلات مواد التاريخ والجغرافيا والقومية، إذ ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتمّ تنقيح منهاج التاريخ، “لأنه يحتوي على الكثير من المغالطات والتزوير والتزييف بما يخالف الحقائق التاريخية”، وفق التقرير ذاته.
وأظهر تحليل المضمون الذي أجرته عنب بلدي أن هذه “المغالطات” تتركز حول فترة وجود العثمانيين في الوطن العربي، إذ تم، على سبيل المثال، إزالة أي كلمات تشير إلى “احتلال عثماني” واستبدالها بـ “حكم” عثماني.
رغم ذلك، لم تبالغ هذه التعديلات في نفي الطابع الاستعماري للسلطنة العثمانية المشار إليه في المناهج الأصلية (مناهج النظام القديمة)، وهو ما يخلق تناقضًا في وجهة النظر هذه في مواضع عدّة.
إضافة إلى ذلك، لا تحتوي خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة على لواء اسكندرون، الذي ضمته تركيا في ثلاثينيات القرن الماضي، بينما توضع كجزء من سوريا في كتب النظام.
ويرتبط هذا التوجّه بكون تركيا هي المقرّ الأساسي لـ “الحكومة المؤقتة” ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج “الحكومة المؤقتة” في بعض المدارس السورية ضمن تركيا، فيما تبسط الأخيرة سلطة عسكرية في بعض مناطق الشمال السوري، وتعد المنفذ الدولي الوحيد لفصائل المعارضة في محافظات إدلب وحماة وحلب واللاذقية.
ثغرات الأرقام وغياب التحديث
إضافة إلى “التنقيح والتصحيح”، لم تقم وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” بعملية “تحديث أو تطوير”.
على سبيل المثال، استخدمت كتب الجغرافيا للحكومة المؤقتة شرحًا مماثلًا لشرح كتب حكومة النظام عن أسباب الهجرة، كالبحث عن فرص عمل وما شابه، دون التطرّق إلى أزمة “اللجوء” كإحدى أكبر أزمات الشعب السوري في الوقت الحالي، ومن المفترض أنها أزمة تمسّ المعارضة السورية بشكل أكبر من حاضنة النظام.
كما لم يتم بذل جهد في إطار تحديث بعض الأرقام المرتبطة بالإحصائيات والتوزّع الديموغرافي للسكان، والزراعة والصناعة، وبقي الاعتماد على إحصائيات وأرقام قديمة، تمامًا كما هي الحال بالنسبة لمناهج حكومة النظام.
وقد يرتبط ذلك بمعوقات لوجستية كتحديد الميزانيات والتمويلات وصعوبة إجراء عمليات مسح وتوظيف كوادر تطوير مناهج مؤهلة، لكن رغم ذلك لم يتم الإعلان عن خطط مستقبلية أو توجهات معينة في هذا الإطار، ما يترك الباب مفتوحًا أمام النقد في ظل وجود تعديلات ذات طابع سياسي، وغياب تعديلات ذات طابع علمي.
وتقوم مديريات التربية التابعة للحكومة المؤقتة بشكل دوري بنشر تعميمات على المدارس بشأن المطلوب والمحذوف من المناهج، وتتخلّص بذلك من “الحشو أو الفقرات غير الملائمة للوقت الحالي”، دون تعويضها أو استبدالها بمعارف أخرى.
كتاب واحد وسلطتان
تتحكم تركيا بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، والتي تسمى مناطق “درع الفرات”، أي في جرابلس وأعزاز شمالي محافظة حلب، وعلى الرغم من تدريس مناهج “الحكومة المؤقتة” ذاتها في مدارس هذه المناطق، تغيرت بعض المضامين والإشارات السياسية ضمن هذه المناهج.
وتحاول تركيا تطبيق نظامها التعليمي في هذه المناطق، الأمر الذي أكّده علي رضا ألتون إل، مدير برنامج “التعلم مدى الحياة” في وزارة التعليم التركية، في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” في أيلول الماضي، إذ قال إن “الوزارة تعمل على نقل تجربة التعليم في تركيا، وبخاصة نظام التعليم الإلكتروني إلى مناطق درع الفرات خلال فترة قصيرة”.
وتضم هذه المناطق نحو 500 مدرسة، يدرس فيها نحو 150 ألف طالب، وفق تصريحات وزارة التعليم التركية.
وأصدرت المكاتب التعليمية في مجلس محافظة حلب الحرة العام الماضي قرارًا يقضي بإدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية.
إضافة إلى ذلك، تسمّى العديد من المدارس بأسماء تركية، نسبة إلى قتلى في بعض المعارك خلال عملية درع الفرات، فضلًا عن الجمع بين علَمي الثورة وتركيا على أغلفة “الجلاءات” المدرسية.
تحوّل العملية التعليمية إلى هذا الشكل يعني أن المناهج المدرسية لم تسلم من تحكّم السلطات المتعددة حتى في مناطق سيطرة جهة عسكرية معينة، إذ لا تتدخل “الحكومة المؤقتة” في التعليم ضمن مناطق “درع الفرات” على الرغم من أن سلطتها من المفترض أن تشمل هذه المناطق فعليًا.
ويترك هذه الانفتاح الكبير لمناطق سورية دون أخرى على تركيا آثارًا يمكن أن تكون سلبية على مستقبل العملية التعليمية الموحّدة في مرحلة ما بعد الصرع.
وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة”
نقف في وجه تسييس التعليم
للتعليق على التعديلات التي رصدتها عنب بلدي، تم التواصل مع وزير التربية والتعليم في “الحكومة المؤقتة”، عماد برق، الذي أكّد بدوره القيام بعملية “فلترة” للمناهج السورية التي كانت تدرّس في مناطق النظام قبل التعديلات الأخيرة، وطباعتها وتوزيعها في المدارس التي تتبع للوزارة.
وفيما يخصّ التعديلات باتجاه إزالة عبارة “الاحتلال العثماني”، وكتابة “الحكم العثماني”، قال برق إنها حُذقت لأنها لا تتوافق مع سياسة الحكومة التركية.
ويشير برق إلى أنّ التعديلات على مناهج النظام لم تطل المادة العلمية، بل ما يتعلّق منها بالناحية العقائدية، وهذا “تطوّر” من وجهة نظره.
ويضيف برق “بما أن مناهج الدولة السورية معتمدة عالميًا ولها تصنيف وفق معايير دولية، فكان اعتمادها ضرورة”، ويضيف “النظام أجرى بعض التعديلات على مادة الرياضيات، وكانت هذه التعديلات جيدة، فلم يكن هناك مانع استخدامها، والمهم بالنسبة لدينا أن نزيل الفكر العقائدي أو ما يتعلق بتسييس التعليم”.
ويؤكّد وزير التربية المساعي لتطوير المناهج رغم صعوبته في الوقت الحالي، ويقول “نحن بحاجة لكادر متدرب وخبراء يستطيعون تطوير المناهج، الخبرات الموجودة قد لا تتناسب مع الظروف الحالية من حيث التطوير العلمي”.
أيديولوجيا “العمال الكردستاني” في كتب طلاب الحسكة
استعجلت “الإدارة الذاتية” منذ تأسيسها تحريك جميع مديرياتها لممارسة سلطة إدارية على المجتمع، وتوجيهه لصالح أيديولوجيا ضيقة، وسلطة سياسية وليدة، تنشد التشبث بالأرض.
وبدا العمل الذي وقع على عاتق مديرية التربية الأكثر صعوبة، إذ كان لا بد من مناهج دراسية تحدث فرقًا تعليميًا يتماشى مع تغير السلطة، ويحدث نقلة على مستوى اللغة والفكر المتضمن في هذه المناهج.
بدأت “الإدارة الذاتية” منذ عام 2015 إدخال المناهج الجديدة باللغة الكردية إلى الصفوف الابتدائية الأولى، ثم انتقلت بالتدريج إلى تعميم المناهج الجديدة على الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة، إلى أن وصلت إلى الصف التاسع الإعدادي، الأمر الذي أنذر بوصول الأمر إلى مرحلة مربكة للأهالي الذين يرغبون أن يحصل أولادهم على شهادة تعليم أساسي نظامية ومعترف بها.
وعلى الرغم من كون اللغة الكردية هي الأعم في مناطق “الإدارة الذاتية”، أكدت المسؤولة في الرئاسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، سميرة الحاج علي، أن “المكونات الأخرى تدرّس المناهج ذاتها ولكن بلغتها”، أي أن الطلاب العرب يدرسون باللغة العربية والطلاب السريان يدرسون بالسريانية.
ومن المفترض أن تواصل مديرية التربية خطتها لتصبح المناهج الجديدة معممة على جميع المراحل الدراسية، في المدارس الخاضعة لسلطة “الإدارة الذاتية”.
لجنة “التدريب للمجتمع الديمقراطي” تولّت منذ العام 2015 تدريب “آلاف المدرّسين والمدرّسات لتتماشى خبراتهم مع المناهج الجديدة”، حسب ما صرّحت به لوسائل إعلام سوريا، ويتوزع اليوم مئات المعلمين والمعلمات على عشرات المدارس في مناطق “الإدارة الذاتية”.
ذلك الخطر، إلى جانب أخطار أخرى متمثلة بضعف المناهج المقدمة، وعدم وجود اعتراف بها إلا على مستوى ضيّق، ولّد غضبًا شعبيًا ترجمته عشرات المظاهرات التي انطلقت في مناطق الإدارة الذاتية احتجاجًا على عملية “التكريد”.
لكن قوات الأمن “أسايش” واجهت تلك المظاهرات بحملات أمنية واسعة اعتقلت على إثرها العشرات من العرب والكرد، بينهم معلمون وأهالي طلّاب.
وبحسب مصادر محليّة في الحسكة، فإن الكثير من الأهالي فضّلوا النزوح من مناطق “الإدارة الذاتية” والتوجّه إلى مناطق النظام، لضمان “مستقبل أبنائهم”، وهربًا من تضييق “الإدارة الذاتية”، فيما تحاول الأخيرة ربط قبول المناهج الكردية بقوّة الشعور القومي، وتروّج لذلك إعلاميًا.
وكانت جهات إعلامية وحقوقية انتقدت مضامين هذه المناهج، وأشارت إلى ثغرات وأخطاء فيها.
بينما أجرت عنب بلدي مسحًا لمناهج التاريخ والجغرافيا التي يدرسها الطلاب في المرحلة الإعدادية للوقوف على أبرز التغييرات التي تضمنتها الكتب المدرسية، ومدلولاتها السياسية، وكمؤشر على نوع الأثر الذي يمكن أن تتركه على التلاميذ.
وطن قومي ودين فلسفي
تغيب سوريا كدولة عن كتب “الإدارة الذاتية”، وتحضر “روج آفا” بمقاطعاتها الثلاث، كجزء من كردستان الكبرى، إذ “يحدّ روج آفا (غرب كردستان) من الشمال كردستان الشمالية، ومن الشرق كردستان الجنوبية”، وفق منهاج الجغرافيا، في مسعى لتغيير وجهة نظر اليافعين من الوطن والدولة، وغرس فكر كردستان الكبرى، دون اعتبارات لأي دول قائمة وحقيقية.
ويدرس هذه الكتب طلّاب أعمارهم بين 12 و15 عامًا، أي طلاب المرحلة الإعدادية، الذين درسوا قبل عامين أو ثلاثة، على أبعد تقدير، مناهج مختلفة تصور سوريا بحدودها الطبيعية القائمة، ما يعني أن عملية تغيير المفاهيم هذه مفاجئة وغير ممهد لها، وهو ما يمكن أن ينعكس بآثار سلبية على هؤلاء المتلقين، على اعتبارهم في سنّ تؤهلهم للمقارنة وإدراك التغييرات.
ووفق ذلك، فإن “الإدارة الذاتية” تسعى إلى “فرض” فكرة “كردستان الكبرى” على الطلاب، وهو ما يمكن أن يحمل مخاطر كبيرة في المستقبل، عبر تعزيز الرغبة بانفصال مناطق الكرد سوريا لأجيال قادمة.
ويستند كتاب التاريخ للصف السابع الإعدادي على الخريطة ذاتها، للحديث عن الحضارات التي نشأت في منطقتهم، على اعتبارها “حضارات في المنطقة الكردية”، كما يتم التركيز على الحضارة “الميدية”، التي يُقال إنّ مؤسسيها هم أسلاف الكرد الحاليين.
إلى جانب محاولة تثبيت فكرة الدولة من وجهة نظر قومية، تحارب مناهج “الإدارة الذاتية” الدين كعقيدة، وتحاول أن تروّج للأديان على أنها فلسفات، جاء بها الأنبياء.
وتتم هذه العملية من خلال كتب التاريخ، إذ تختفي كتب الديانة من مناهج “الإدارة الذاتية”، على الرغم من كون 95٪ من كرد سوريا يدينون بالإسلام.
يتحدّث كتاب التاريخ للصف الثامن عن الفلسفة المحمدية والإسلام، بعد الحديث عن “فلسفات” الرسولين عيسى وموسى، ويقول هذا الكتاب بنبّوة “زرادشت” ويشرح فلسفته في معرض الحديث عن الأديان والرسل والأنبياء.
يتعامل منهاج التاريخ مع فترة ظهور الإسلام وانتشاره على أنه “ثورة امتدت إلى مناطق واسعة”، وليس دعوة أو فتوحات، ثم يتحدّث عن دخول الإسلام “إلى المناطق الكردية”، إضافة إلى شرح “إيجابيات وسلبيات” هذا الدخول.
يعتبر منهاج التاريخ في كتب “الإدارة الذاتية” أن الإسلام، على الرغم من إيجابياته، أسهم في إضعاف الشعور القومي لدى الكرد، ويأتي طرح هذه الأفكار كترجمة لتوجهات “الإدارة الذاتية”، ومن خلفها حزب “الاتحاد الديمقراطي” في محاولة تغليب الفكر القومي على الفكر الديني، إذ يعد الإسلام من عوامل إدماج الكرد بالعرب عبر خلط روابط عقائدية بينهم.
تترجم مناهج “الإدارة الذاتية” نفَسًا انفصاليًا واضحًا ينفيه السياسيون، ورغم عدم مباشرة المناهج بذكر فكرة الانفصال، لكن تفاصيلها تساعد على تربية نفَس الانفصال في الأطفال واليافعين، وهنا تكمن خطورة المناهج، التي يبدو أنها وضعت خدمةً لأيديولوجيا السلطة القائمة.
تركيا والشرخ الكردي- الكردي
تصوّر الكتب الدراسية في مناهج “الإدارة الذاتية” تركيا كعدو للشعب الكردي، وتحاول ترسيخ هذه الفكرة عبر التذكير بالمجازر التي ارتكبت بحق الكرد في عهد الدولة العثمانية.
وتشير إلى أن تركيا والدول المجاورة لها من الشرق سببٌ في إخماد الكثير من الثورات الكردية، في إيران وأذربيجان.
ولعلّ من الطبيعي أن تحمل المناهج الكردية هذه الإشارة، نظرًا إلى الخلاف التاريخي بين الكرد والأتراك والتوترات الأخيرة إثر تأسيس “الإدارة الذاتية” في سوريا وتشكيل “وحدات حماية الشعب” كقوة عسكرية كردية شمال سوريا، لكن الغريب أن هذه المناهج تروّج بالتوازي مع عداء تركيا لشرخ كردي- كردي، عبر إظهار البرزانيين كـ “خونة وانهزاميين”.
إذ يشنّ المنهاج هجومًا على مصطفى البرزاني ومسعود البرزاني، ويصورهما كقادة مجموعات عشائرية تحفظ مصالحها على حساب باقي الكرد، إضافة إلى اتهام الفكر البرزاني بالتبعية لشاه إيران، وإضاعة فرص كثيرة على الكرد، ويفسّر ذلك تبعية حزب “الاتحاد الديمقراطي” لحزب “العمال الكردستاني”، المعادي للبرزانيين.
لا تحمل كتب التاريخ والجغرافيا باللغة الكردية أي إشارة إلى حالة عداء مع النظام السوري أو المعارضة السورية، وقد يكون الأمر عائدًا لعدم اكتمال هذه المناهج كسلسلة من المفترض أن تصل لتغطي صفوف المرحلة الثانوية.
“آبو القائد”
تجعل مناهج “الإدارة الذاتية” من زعيم حزب “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان قائدًا ورمزًا، وتقوم على تعظيمه واقتباس أقواله، وزرعها في جميع الكتب انطلاقًا من المرحلة الابتدائية.
ورصدت عنب بلدي في كتب “الإدارة الذاتية” صورًا لأوجلان وأقوال منسوبة له في مواضع مختلفة من هذه الكتب.
كما تركز المناهج على تعميم فلسفته وأفكاره لتكون أساسًا فكريًا للطلاب، ويشابه ذلك إلى حدّ كبير ما كان يكتب في مناهج القومية في سوريا قبل أن يعدّلها النظام مؤخرًا ليقلل من فكرة تمجيد القائد.
وكان موقع “مدارات كرد” الموالي لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، نشر عام 2015 تقريرًا أشار فيه إلى مبالغة في الرموز الأيديولوجية المحملة لكتب المرحلة الابتدائية، عبر التركيز على صور أوجلان وأعلام حزب “العمال الكردستاني”.
ونتيجة ذلك، فإن هذه المناهج تكرّس الشرخ بين الأطياف السياسية للكرد من جهة، وبين الشعب والسلطة السياسية من جهة أخرى، من خلال منع نمو أي رأي مخالف لآراء حزب “الاتحاد الديمقراطي”.
ويمكن القول إن الطلاب هم الخاسرون الأوائل من فرض هذه المناهج، سواءً لناحية ضعف مضمونها وقيمتها التعليمية، إضافة إلى احتمال اضطرارهم لإعادة صفوف مدرسية كاملة في حال تراجع قوات سوريا الديمقراطية عن بعض مناق سيطرتها، كما حدث مع طلاب مدينة عفرين الذين سيضطرون إلى الخضوع لعملية سبر معلومات وتحديد مستوى للدخول إلى المدارس في مناطق النظام أو المعارضة.
هيئة التربية في “الإدارة الذاتية”: مناهجنا تتناسب مع مبادئ “الأمة الديمقراطية”
تواصلت جريدة عنب بلدي مع الرئاسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، للوقوف على أسباب التغييرات العميقة في المناهج المدرسية وآثارها على الطلاب، خاصة في ظل الدراسة بأكثر من لغة، وبالتالي عزل أبناء المنطقة الواحدة عن بعضهم داخل المدارس.
سميرة الحاج علي، المسؤولة في هذه الهيئة، أكّدت أن مناهج النظام “تنشد الفكر الواحد، اللغة الواحدة، والعلم الواحد”، وهو ما استدعى “التغيير ووضع مناهج تتناسب مع الأمة الديمقراطية ومبادئ العيش المشترك، ولكل طالب أن يدرس بلغته ويعرف تاريخه”.
وحول نوع التغيير أشارت الحاج علي إلى أنها تغييرات من الناحية العلمية والفكرية والاجتماعية، وأضافت “من الطبيعي أن تتناسب المناهج مع السياسة، ولكل بلد أو وطن سياسة تدريس”.
وترى الحاج علي أن الواجب يستدعي كتابة “التاريخ الصحيح” للمكونات المختلفة في منطقة الجزيرة، على أمل “أن يكون الأطفال مفيدين لمجتمعهم ووطنهم، تغيير المناهج ضرورة”، متسائلةً “كيف سنتعايش معًا في حال كنا ندرس لغة واحدة؟”.
وردًا على سؤال حول الأثر السلبي لهذا الأسلوب في التعليم على الوحدة الوطنية، قالت الحاج علي “نحن لا نفرق بين المكونات لأنهم في مدرسة واحدة، ولكن في صفوف مختلفة، ويجتمعون في الفرص، وهم يدرسون لغات بعضهم ابتداءً من الصف الرابع”.
التعليم في مناطق التنظيم..
إعداد جهادي بصورة مناهج مدرسية
تكاد المناهج التي يتم تدريسها في مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، تكون خالية من أي بعد معرفي حقيقي، سواء من النواحي العلمية التطبيقية أو النظرية، بينما تدور جميعها حول تدعيم أفكار “الدولة الإسلامية” و”الخلافة” و”النهج الإسلامي”.
فمنذ بدء انتشار تنظيم “الدولة” في سوريا، قام المسؤولون عن العملية التعليمية ضمن التنظيم بنسف جميع المناهج التي يتم تدرسيها في مناطق النظام ومناطق المعارضة، على اعتبار أنها تسهم في نشر “الفكر البعثي التكفيري”، وخلال تسجيلات مصورة بثّها المكتب الإعلامي لـ “جيش خالد بن الوليد” التابع للتنظيم، ظهر أطفال بعمر العشر سنوات يضرمون النيران في الكتب المدرسية التي قالوا إنها “من إعداد النظام النصيري التكفيري”.
جريدة عنب بلدي اطلعت على المناهج التي يتم تدريسها في مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأجرت تحليلًا لمضامينها، في محاولة لتسليط الضوء على قيمتها العلمية، وأبعادها الفكرية والسياسية.
مراحل دراسية محورها “الإعداد البدني”
يتم تقسيم المراحل المدرسية لتنظيم الدولة الإسلامية إلى ثلاث، الأولى هي المرحلة الابتدائية، وتتألف من خمسة صفوف، تليها المرحلة المتوسطة التي تتألف من الصف الأول المتوسط والصف الثاني المتوسط، أي ما يوازي الصفين السادس والسابع في الترتيب المعتمد في مدارس النظام والمدارس التابعة للحكومة المؤقتة في مناطق المعارضة، والمرحلة المدرسية الأخيرة هي المرحلة الإعدادية المؤلفة من صفين، الأول والثاني الإعدادي، وهو ما يعادل الصفين الثامن والتاسع.
إلى جانب مواد القرآن الكريم والعقيدة واللغة العربية، يدرس الطلاب في مناطق التنظيم منهاج “الإعداد البدني” خلال جميع المراحل المدرسية، الذي يتضمن كيفية التحضير الجسماني للعمليات القتالية.
ويتدرج “الإعداد البدني” من الحركات الرياضية إلى استخدام السلاح الخفيف في الصف الخامس المتوسّط، أي في عمر 13 عامًا، كما تأتي المناهج على ذكر تفاصيل متعلقة بأنواع الأسلحة وكيفية إصلاحها وتنظيفها.
ويرتبط ذلك الاهتمام الكبير بالإعداد البدني بفكرة “الجهاد لنشر الدعوة الإسلامية”، و”ضرورة تنشئة جيل مستعد للقتال من أجل أفكار التنظيم”.
من تنزانيا إلى كازخستان
تتسع خريطة تنظيم “الدولة الإسلامية” وفق المناهج التي تُدرّس في مناطقه لمساحة واسعة من الكرة الأرضية، تمتد من وسط قارة إفريقيا (حدود دولة تنزانيا)، إلى أواسط قارة آسيا (حدود دولة كازخستان).
وتركز فكرة كتب مادة الجغرافيا في مناهج التنظيم على الشمول الجغرافي للدولة الإسلامية، أكثر من التفصيل في التضاريس المكونة لهذه المنطقة.
وفي رسم الخريطة المذكورة تغيب جميع الحدود بين الدول على الأرض، ويتم التمييز فقط بين “مساحات تقطنها غالبية مسلمة ومساحات تقطنها غالبية من الكفار”.
المعلومات الجغرافية العلمية تُذكر كسياقات سطحية، فعلى سبيل المثال، في معرض الحديث عن “جبال الدولة الإسلامية”، يوضع اسم الجبل وموقعه (جبال طوروس: تركيا) فقط، دون تفاصيل أكثر، وهو ما يجعل معرفة الطالب سطحية.
وعلى الرغم من كون التوجيه الفكري موجودًا في مناهج الجغرافيا التي تصدرها “الحكومة المؤقتة” أو حكومة النظام من خلال التركيز على أمور وإغفال أخرى وتغيير أشكال الخرائط، يتعدى الأمر التوجيه في مناهج التنظيم إلى التغييب شبه الكامل.
التاريخ يبدأ مع ظهور الإسلام
يبدأ تدريس مادة التاريخ في الصف الرابع الابتدائي، ويركز على السيرة النبوية الشريفة، وعلى بدايات الإسلام، على اعتبار أنه “تاريخ الدولة الإسلامية في العراق والشام”، دون أن يتحدث عن أحداث تاريخية خارج سياق نشوء الإسلام.
في تمهيد كتاب التاريخ للصف الرابع يتم تحديد أهداف الكتاب بـ “تنقية التاريخ من الأباطيل التي أُقحمت فيه، وترسيخ القيم الجهادية في نفوس أبناء الأمة”.
وخلال الحديث عن السيرة النبوية وظهور الإسلام، يركز منهاج التاريخ على الغزوات الإسلامية، أكثر من تركيزه على الأحداث والتفاصيل الأخرى، الأمر المرتبط بالفكر الجهادي والعقيدة القتالية التي يرغب التنظيم في تنمية الأطفال على أساسها.
وعلى الرغم من أن السيرة النبوية تدرّس في كتب الديانة الإسلامية ضمن مناهج النظام و”الحكومة المؤقتة”، لكنها تذكر في سياق ديني في أقسام العقيدة، ولا يتم حصرها كبعد تاريخي للحاضر.
يختفي المعنى الحقيقي لعلم التاريخ ضمن مناهج التنظيم، وهو ما يسعى التنظيم من خلال مناهجه إلى الوصول إليه، عبر إفراغ كل العلوم من مضامينها، وتحويلها إلى علوم شرعية بمسميات عامة.
أنشطة وأدوات على شكل أسلحة
يتضح من خلال مناهج الفيزياء والكيمياء التي وضعها تنظيم “الدولة الإسلامية” أنه لم يخرج كثيرًا عن سياق المضمون الذي يتم تدريسه في مناهج النظام و”الحكومة المؤقتة”، وهو ما يتعلق بصعوبة إمكانية التدخل في المضامين العلمية لارتباطها بقواعد ثابتة.
ولعل التدخل الوحيد يتجلّى في ربط مواضيع الفقرات بآيات من القرآن الكريم، للإشارة إلى ارتباط المضمون بالسياق الديني وخدمته.
في مناهج الرياضيات أيضًا لم يغيّر التنظيم كثيرًا من المضامين العلمية، إنما التغيير يتجلّى في أدوات إيصال المضامين عبر التدريبات والأنشطة، ففي المراحل الدراسية الأولى يتم تعليم الحساب من خلال عدّ الأسلحة أو الجنود، وإجراء العمليات الرياضية عليها.
وتكثر هذه الأنشطة في كتب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عامًا، وهم الفئة التي يكون التركيز عليها أكبر، لسهولة التأثير فيها، وإمكانية استمرار الأثر المطلوب.
ويتم تدريس اللغة الإنكليزية في المراحل المدرسية المختلفة، على اعتبار أنها لغة عالمية يتحدث بها “جميع أبناء الدولة الإسلامية”، لكن تعليمها يتم من خلال نصوص تحكي عن “الخلافة والخليفة”، وتشير إلى مدن جعلها التنظيم مراكز له سابقًا، كالرقة والموصل، فيما تحتوي الصور التوضيحية على رجال ملتحين دون إظهار تفاصيل وجوههم، لاعتبارات أمنية.
نظرة مستقبلية: العملية التعليمية إلى أين
يتسع المشهد التدريسي في سوريا لأكثر من المناهج الأربعة الأبرز في مناطق النظام والمعارضة وتنظيم “الدولة الإسلامية” و”الإدارة الذاتية”، إذ تضاف إليها بعض “المناهج المنتجة ذاتيًا” لتلبية الحد الأدنى من احتياجات العملية التعليمية في مناطق لا يصلها أي نوع من أنواع الكتب، والمناهج المكثفة التي تدرّس في المدارس التي تشرف عليها منظمات دولية مع “يونيسيف”.
أما بالنسبة للأطفال السوريين في دول اللجوء، فإن أقل من نصفهم يخضعون لنظم تعليمية مختلفة بحسب كل دولة مضيفة، فيما يبقى 53٪ دون تعليم، وفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة “يونيسيف”.
ومع هذا الواقع، فإن مؤشرات نشوء جيل سوري يغلب عليه طابع الجهل تتزايد باستمرار، كما ستتسبب المناهج المتباينة التي تلقّاها ويتلقاها ملايين الطلاب السورين بحالة من التفاوت العلمي والمعرفي، إضافة إلى التضارب الفكري نتيجة التعرّض لمناهج مشبعة بأيديولوجيات مختلفة.
وعلى الرغم من قساوة الصورة العامّة، لا يستبعد تربويون ومختصّون في علم نفس الأطفال، وجود بعض الحلول التي يمكن أن تردم هذه الفجوة على المستوى البعيد.
التعليم المنزلي
وفّرت جهات سوريّة وعربية عدّة منصّات تعليم إلكتروني، معتمدة على مواقع الإنترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة، وانتهجت هذا المنصات أساليب تعليمية مختلفة عما ألفه الطلاب السوريون منذ عقود، عبر عرضها مواد بصرية ومقاطع فيديو تشرح بشكل مفصل جميع مواد المنهاج المدرسي السوري وتغطي جميع المراحل الدراسية تقريبًا، لكنها تركز بشكل عام على الشهادتين الإعدادية والثانوية.
ومن هذه المنصّات مشروع “المدرسة السورية”، الذي انطلق عام 2014 مستهدفًا الطلاب السوريين في الخارج، والمحاصرين داخل سوريا، ونُفذ بإشراف الهيئة السورية للتربية والتعليم “علم”، ومقرها في تركيا.
أنتجت المدرسة السورية حتى الآن 2605 مقاطع فيديو موجودة على موقعها الإلكتروني وقناتها في “يوتيوب”، يتم من خلالها شرح مواد المنهاج السوري المعدّل من قبل هيئة “علم” بشكل حلقات مرئية، مخصصة للمراحل الدراسية من صف الخامس إلى البكالوريا.
“مدرسة سورية الإلكترونية”، أيضًا وفرت تجربة مختلفة للطلاب السوريين، حين أنشئت داخل سوريا عام 2010، على يد التربوي السوري سعد الدين المحاميد، بهدف تخفيف أعباء “الدروس الخصوصية” على أهالي الطلاب.
وبعد تدهور الوضع التعليمي في سوريا، عام 2012، غيّرت المدرسة شعارها، فأصبح “من أجل طلابنا الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المدارس”، مشيرة إلى أن هدفها هو الوصول إلى الطلاب في المناطق التي لم تعد المناهج الرسمية تغطيها، وسط انتشار النسخ المعدلة من قبل هيئات المعارضة السورية.
كما يوفّر “المركز الوطني للمتميزين” في جامعة “تشرين”، التي تتخذ من مدينة اللاذقية مقرًا لها موقعًا إلكترونيًا يوفّر مواد تعليمية وتدريبات عملية، بهدف “تنمية المهارات القادرة على الإبداع والتميز، وخلق كوادر محترفة عالية الأداء ضمن بيئة ترعى التميز وتعزز المستوى العلمي”، بحسب رؤية المركز المنشورة عبر موقعه.
ويمكن أن يستفيد ذوو الطلّاب من هذه المواقع التعليمية في تعويض ما يفتقده أبناؤهم من مضامين علمية سواء كانوا منتسبين إلى مدارس ذات مناهج محدثة داخل سوريا أو إلى مدارس مختلفة في دول اللجوء، كما تتجاوز هذه المنصّات غالبًا الفكر الأيديولوجي وتركّز على المحتوى العلمي، وتعتمد غالبًا على المناهج السورية المتشابهة من حيث المحتوى، سواء مناهج وزارة التربية في حكومة النظام، أو مناهج وزارة التربية والتعليم في “الحكومة المؤقتة”، وهو ما يساعد على تقليل الفوارق العلمية بين الطلاب.
تطوير المناهج
في حال وفّرت منصّات التعليم المنزلي حلًا جيدًا لتجاوز أزمات غياب التعليم، يمكن أن يفلح هذا البديل كحلّ آني، وهنا تبرز ضرورة العمل على إنتاج مناهج جديدة جامعة يمكن أن تكون معتمدة على المدى البعيد، ومناسبة لمرحلة ما بعد الصراع.
عزّام خانجي، رئيس مجلس الأمناء في منظمة “تعليم بلا حدود”، يرى بوجوب المحافظة على المنهاج الحالي المعتمد لدى وزارتي التربية في حكومتي النظام والمعارضة في الوقت الحالي، ريثما تتشكل لجان يمكن أن تكون مفيدة ومعاصرة تواكب التغييرات العلمية على المستوى الدولي.
ويضيف خانجي في لقاء مع عنب بلدي، “الأمر يحتاج إلى دعم مادي كبير، ولجان علمية، وخبرات وكفاءات، وهذا غير متوفر في الوقت الحالي، الكثير من الكفاءات هاجرت، وإن كانت هناك كفاءات فهي غير مجمّعة، لذلك الحفاظ على المنهاج الحالي المتشابه بين مناطق النظام والمعارضة هو إنجاز، كونه وسيلة لتقليل الشرخ بين الطلاب في المناطق السورية”.
ويشير خانجي إلى أن “الأمر يحتاج الكثير من الجهود، فالدعم المقدم للتعليم اليوم لا يزال منخفضًا جدًا، والتعليم ليس على رأس الأولويات، إذ تتوجه العديد من المنظمات إلى الإغاثة وليس إلى دعم التعليم، هل هم غير مقدرين أهمية الموضوع وخطورته على الأجيال؟”.
ويحتاج التحرك في هذا الاتجاه، وفق خانجي، إلى إنشاء مراكز دراسات سورية مختصة بالتعليم، يمكن أن تحل هذا الأمر، مضيفًا “في حال استقرت الأوضاع في سوريا، سيكون الملايين من الطلاب في عداد المتضررين إثر نقص التعليم، لذا يجب أن تتوفر جهات تقوم بحلول إبداعية”.
منهاج المستقبل
يبدو أن التحدّي الأكبر في سوريا خلال المرحلة المقبلة، في حال اتجهت الأوضاع السياسية والعسكرية إلى الحل، هو العمل على إعادة إدماج الأطفال في عملية تعليمية ذات أسس قوية وموحّدة تعتمد على مناهج مدرسية جامعة، الأمر الذي يستوجب تحرّك جهات محلية ودولية لتدارك الأمر.
ويشير رئيس مجلس الأمناء في منظمة “تعليم بلا حدود”، عزّام خانجي، إلى ضرورة أن يكون القائمون على تعديل المناهج سوريين، مع إمكانية الاستفادة من خبرات أخرى.
وعن طبيعة المناهج التي يجب أن تُعتمد في سوريا مستقبلًا يقول خانجي “نحن أحوج ما نكون لمنهاج يحمل القيم الإنسانية، يتعلم الطفل السوري من خلاله العمل بشكل جماعي، فأكبر عيوبنا أننا متفوقون فرديًا وغير متفوقين في العمل الجماعي”.
ويدعو خانجي إلى أن تركز المناهج على “موضوع التطرف، وضرورة محاربته من خلال الحجة والبرهان، وتربية الطفل على ألا يكون ضحية تطرف وانحراف وجريمة”.
استطلاع: مع وجود أربعة مناهج تعليمية في سوريا.. هل هناك فرصة لتوحيد هذه المناهج مستقبلًا؟