محمد رشدي شربجي
دوائر الظلم والظالمين باقية وتتمدد، المظلوم في مكان، ظالم في آخر، وإذا أردنا التصنيف فإن هناك ظالمًا ومظلومًا عالميًا وإقليميًا ومحليًا. إيران ومن خلفها النظام السوري تعرضا الأسبوع الماضي لمرارة الإهانة من ظالم إقليمي يحظى بدلال ورعاية ظالم دولي أكبر. إسرائيل الكيان الذي تعرض سكانه لظلم بشع في الهولوكوست في أثناء الحرب العالمية الثانية ذهب ضحيته عدة ملايين، باتت ظالمًا كونيًا يرجو رضاه الظلام الصغار.
وتتنافس الدول والفاعلون على الانتقال من دائرة الظالم المحلي لدائرة الإقليمي ومنه إلى العالمي، والقدرة على الظلم دون مخافة العقاب يسمونها أحيانًا نفوذًا.
على مدى سنوات الثورة السورية الطوال، وقبلها منذ احتلال العراق، عاثت إيران فسادًا في المشرق العربي، رعت ولا تزال اتفاقيات تهجير للعرب السنة في عدة دول، وكانت طرفًا دائم الحضور في حروب أهلية سعت إيران فيها بخبث لتمزيق المجتمعات العربية، من خلال عسكرة المجتمعات الشيعية وتقويتها على حساب محيطها العربي، لقد انتصر شيعة المشرق العربي على سنته، لتبدأ دورة تاريخية جديدة يستعد فيها السنة للانقضاض على الشيعة بطبيعة الحال.
قد يجادل البعض بأن سلوك الولايات المتحدة العدواني تجاه إيران بعد ثورة مصدق والإطاحة به من خلال انقلاب عسكري مدبر أمريكيًا أو بريطانيًا، ومن ثم دفع مجرم كصدام حسين لغزو إيران الخارجة لتوها من ثورة كبرى، كل هذا ربى وغذى سلوكها العدواني تجاه جيرانها، وفي سياق تاريخي قريب وبعيد لا يمكن إنكار المظلمة الشيعية واضطهادهم من قبل الأغلبية السنية الحاكمة تاريخيًا.
وبحجة المظلمة هذه، أعمل الشيعة السيوف في رقاب جيرانهم السنة، وسرقوا ديارهم وافتتحوا أسواقًا للمسروقات على أنقاض كل مدينة سنية، ووزعوا الحلوى غير ذات مرة احتفالًا بتهجير المدن السورية، لقد حولت إيران الشيعة العرب لمصاصي دماء، حولتهم لظالمين محليين.
المظلومون الصغار المحليون الذين تكالبت الدنيا على حربهم كفصائل الجيش الحر والسلفية الجهادية كانوا أسرع المظلومين تحولًا لظالمين، ومن جبهة النصرة وداعش التي أذاقت مجتمعاتها ونفسها نار العذاب، إلى فصائل الجيش الحر التي عاثت في عفرين الفساد، يُفاجَأ المرء بقدرة الإنسان هذه على إظهار كل هذا الشر.
لقد كان لإيران نصيب الأسد في الظلم بالمشرق العربي خلال السنوات الماضية، واستطاعت بناء مملكة ظلم إقليمي لها حدود على البحرين الأبيض والأحمر، ولكن ما لم تحسب حسابه أن هناك ظلامًا آخرين أقوى وأدهى في المنطقة، فالحمد لله على نعمة العدو الغاشم.