سباق إلى الأطفال.. من يضبط القنوات

camera iconتعبيرية: طفلة تشاهد قناة أطفال (odyssey)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام الأسعد

منذ بدأ عصر “سبيس تون” وما تلاها من قنوات أحدثت نقلة نوعية في عالم ترفيه الطفل، توالت الدراسات والأبحاث الرامية إلى رصد أثر تلك المنصات، التي اقتحمت عالم الأطفال وواكبت يومياتهم بشكل لصيق، محققة نسب مشاهدة وإقبالًا غير مسبوق من قبل الأطفال وذويهم.

ورغم هذه الدراسات، لا يزال الأهالي يبحثون عن إجابات ترضي مسؤولياتهم تجاه أطفالهم، مستفسرين عن إيجابيات وسلبيات قنوات الأطفال، والأعمار المناسبة للتعرض لمحتواها، خاصة أنها تُبث عبر الفضائيات على مدار الساعة أو متوافرة في منصات التواصل الاجتماعي، خلافًا للسابق، حين كانت تعرض في ساعات محددة خلال النهار يمكن معها التحكم ببرنامج الأطفال.

فضائيات وأجهزة ذكية

بدأت التحولات في عالم الكرتون مع انطلاق قنوات عربية فضائية متخصصة بالأطفال، منذ بداية العام 2000، تلتها مواكبة ملحوظة للتطور التكنولوجي، حين راجت الأجهزة الذكية بين أيدي الأطفال وانتشرت معها ما عرف بـ “قنوات اليوتيوب” عبر الإنترنت، حتى أصبحت متاحة على مدار الساعة وبشكل يسير.

الاستشارية التربوية نورا نحاس، ترى أن الأثر السلبي لتلك القنوات غلب على أثرها الإيجابي، خاصة مع غياب رقابة بعض الأهالي على ما يشاهده أبناؤهم، متحدثة عن شروط يجب تطبيقها على الأطفال قبيل تعريضهم للمحتوى الذي تقدمه قنوات الأطفال.

نحاس قالت لعنب بلدي إنه لا يجوز للأطفال تحت عمر ثلاث سنوات التعرض لشاشات التلفزيون أو شاشات الأجهزة الذكية، والتي وصفتها نورا بـ “الغبية”، أما الأطفال من عمر ثلاث إلى عشر سنوات فيجب ألا تزيد مدة تعرضهم لتلك القنوات على ساعة يوميًا، وذلك لضمان سلامتهم الفكرية والعقلية والبدنية، حسبما قالت.

ولخصت الاستشارية التربوية سلبيات قنوات الأطفال، في حال التعرض إليها بشكل كبير، بانفصال الطفل عن عالمه الخارجي والاستغناء عن النشاطات البدنية الضرورية لصحته، بالإضافة إلى ركود في الدم والعضلات والفكر قد يرافق جلوسه لفترة طويلة وراء الشاشة.

ومع ذلك، هناك إيحابيات يجب على الأهل استثمارها في قنوات الأطفال، بحسب الاستشارية، أهمها أنها تفتح ذهن الطفل على العالم الخارجي وتوسع مداركه لما يدور حوله، بالإضافة إلى أنها تعرفه على حضارة وثقافة الآخر، تلك الثقافة التي قد تحمل بين طياتها آثارًا إيجابية أو سلبية، والتي يجب على الأهل ضبطها وتشديد الرقابة عليها بما يتوافق مع مجتمعاتنا، وفق ما قالت الاستشارية.

كيف تدخل قنوات الأطفال البيوت العربية؟

لا يمكن التغاضي عن فكرة أن قنوات الأطفال هي بالنهاية مشروع تجاري يهدف بشكل أو بآخر إلى تحقيق أرباح مادية، تدفع القائمين عليها إلى تبني أيديولوجيات وتوجهات وأساليب من شأنها إرضاء الأهالي قبل أطفالهم.

بعض القنوات تبنت الطابع الديني في المحتوى الذي تقدمه، كونها موجهة بالنهاية إلى مجتمع عربي يغلب عليه الطابع المحافظ، فيما تبنت قنوات أخرى أجندات سياسية معينة تهدف إلى تمرير أفكار مبطنة من شأنها خدمة جهة سياسية بحد ذاتها.

وتخصصت قنوات أخرى بالمحتوى التعليمي، عبر تقديمها فيديوهات تثقيفية وأخرى تحمل قيمًا وأفكارًا أخلاقية، في محاولة منها لطمأنة الآباء والأمهات إلى أن مضمونها سليم ومناسب لأعمار أطفالهم.

تلك الأيديولوجيات لا تبرر، بالنسبة للاستشارية التربوية نورا نحاس، أن تبث القنوات التلفزيونية محتواها 24 ساعة دون رقابة من قبل الأهل، مشددة على أن القنوات التعليمية مهمة جدًا في الفترة الحالية، التي يسود فيها التعليم البصري، القائم على الصورة والألوان والحركة، ولكن بشروط أهمها ألا يقل عمر الطفل المشاهِد عن ثلاث سنوات، وألا يتعرض للقناة أكثر من ساعتين، كحد أقصى يوميًا، حتى وإن كانت القناة تعليمية هادفة.

أما عن القنوات التي تبنت أساليب فنية قائمة على تقديم أغاني وأفلامًا كرتونية باللغة العامية “غير السليمة”، بالإضافة إلى اعتمادها الإيقاع السريع، ترى نورا نحاس أن أثرها سلبي جدًا، كونها تعتمد على الإيقاع كأساس لبث الفكرة، وبالتالي فإن الطفل سيعلق في ذهنه اللحن، بحيث يردد كلمات الأغنية دون فهم معانيها، حتى وإن كانت قيّمة.

فيما تُحدِث القنوات التي تستخدم اللغة العامية “شرخًا” لدى الطفل، من وجهة نظر نحاس، حين يقارن الطفل بين لغة الفيديوهات المرتبطة لديه بالتسلية، وبين لغة الدراسة الفصحى المرتبطة لديه بالواجبات، وبالتالي ينفر من اللغة السليمة.

كرزة.. أغان تعليمية عبر يوتيوب

منذ انطلاقة بثها في آذار عام 2017 تسعى قناة “كرزة” السورية إلى اعتماد أسس “سليمة” في عالم ترفيه الأطفال، محاولة سد الثغرات التي أحدثتها الغربة لدى الأطفال السوريين، وفق ما قال مدير القناة، أُبي سكر، كونها تبث محتواها عبر موقع “يوتيوب” من الولايات المتحدة الأمريكية.

سكر قال لعنب بلدي إن فكرة القناة جاءت من منطلق حاجته كأب إلى محتوى سليم يمكن لأبنائه الاستفادة منه في الغربة، خاصة مع اعتماد الأطفال بكثرة على “اليوتيوب” وتعرضهم لزخم كبير من القنوات العربية التي تقدم محتوى “مؤدلجًا” أو “موجهًا” أو “غير مفيد”، من وجهة نظره.

تعتمد قناة “كرزة”، التي تمتلك 21 ألف متابع عبر “يوتيوب”، على مبدأ التعليم عن طريق الأغاني، وأنتجت بعد أكثر من عام على انطلاقتها 25 مقطع فيديو، محاولة صنع هوية خاصة بها، عبر ابتكار شخصيات رسومية واختيار ألحان وكلمات تناسب فئة الأطفال المستهدفة، والتي يتراوح عمرها بين 3 و6 سنوات، بحسب استراتيجية القناة.

وتحقيقًا لذلك، تحدث مدير القناة عن معايير عدة تحكم عملهم، أهمها وجود اختصاصيين نفسيين يدرسون المحتوى قبل إنتاجه، بالإضافة إلى اختيار اللحن المناسب لعمر الأطفال، مشددًا على أن الإيقاع يجب ألا يكون عشوائيًا، الأمر الذي تعتمده بعض القنوات لجذب الأطفال إليها.

وقال سكر، الذي درس هندسة الصوت والإنتاج الموسيقي في أمريكا، “كل أغنية ننتجها لها دراسة شاملة من ناحية الألوان والكلمات والألحان والصورة، لدينا معيار جودة عالٍ نحاول تطبيقه لتقديم منتج نرغب أولًا أن يشاهده أبناؤنا، قبل أبناء الآخرين”.

وسبق أن عمل أبي سكر مع قناة “سبيس تون” للأطفال لفترة طويلة، حاول بعدها استثمار خبرته وخبرة أصدقائه في هذا المجال، متحدثًا عن صعوبات يواجهها مشروعهم الجديد، أهمها العائد المادي الشحيح الذي لا يغطي نفقة المشروع، خاصة أن المشاهدات على “اليوتيوب” تعتبر قليلة نسبيًا، وأضاف “مشروعنا هو تجاري ولكنه ليس ربحيًا بالوقت الحالي، كوننا نركز على المنطلق القيَمي، ولهذا السبب لم ننشئ قناة فضائية لكي نسمح للأهالي أن يتحكموا بوقت تعرض أطفالهم لقناتنا”.

ولم ينفِ مدير قناة “كرزة” وجود أثر سلبي للقنوات الموجهة للأطفال، مشيرًا إلى أن فريقه يحاول تلافي السلبيات عبر إرشادات عدة يوجهها للأهالي بالحرص على ألا يتعرض أطفالهم للمحتوى لفترات طويلة، وألا يقل عمر الطفل عن ثلاث سنوات.

وإلى جانب قناتها في “يوتيوب”، تملك “كرزة” تطبيقات إلكترونية عبر الهواتف الذكية، بنظام “أندرويد” ونظام “IOS” الخاص بهواتف “أيفون”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة