حنين النقري – ريف دمشق
تغنى الأدباء والشعراء منذ القدم بدمشق وشوارعها، لكنها ربما لم تحمل يومًا من الأفكار والمعاني ما تحمله اليوم؛ ففي كل زاوية من شوارع دمشق ثمة ملمح ومعلم يستحق التفكر والرثاء على ما آل إليه حال هذه العاصمة العتيقة.
أحد الملاحظات التي ستنتبه لها فورًا إن قصدت دمشق، هو كثرة النساء وقلة شريحة الشباب من الرجال.
ليس للأمر علاقة بنبوءة يسوقها البعض كمؤشر على نهاية الزمان وقرب الساعة، بل هو مرتبط حقيقة بهرب الشباب من حمل السلاح، ستجد هنا أن من تبقى من الشباب ينحصر في نوعين، حامل للبندقية، أو حامل للكتاب.
حمل الكتاب لم يكن مؤشرًا خالصًا على طلب العلم يومًا، لكنه اليوم برأيي تخلى بشكل شبه كلي عن هذا المعنى، إذ غدا مهربًا ومنفذًا يقصده الشاب تجنبًا لحمل البندقية.
الكتاب أصبح عند كثير من الشباب تأشيرة مرور لا لوعي أفضل، بل عبر حاجز التفتيش الذي سيمر به كدليل على أنه “يقرأ” في الجامعة.
لا يمكننا أن نعيب هذا الأمر بالطبع، لكن نتائجه واضحة في جامعات تغصّ بجيل لا يرغب بالعلم، وشباب آخرين فات عليهم تعليمهم نتيجة سفر أو حصار.
تجاوز نتائج هذه الظروف علميًا يمكن أن يعود علينا كشعب بفوائد مهمة وطرق غير تقليدية في طلب العلم؛ وحرمان الطالب المحاصر أو المسافر من الجامعة يمكن أن يكون فرصة للتعلم بطرق أخرى وتلافي مشاكل التعليم الجامعي ومنظومة التعليم الحالية، البحث عن مجال نبدع فيه بعيدًا عن العلامات والمفاضلات والمطالب الاجتماعية في الألقاب الرنانة كـ “طبيب.. مهندس”.
أما بالنسبة للكتاب الذي غدا تأشيرة، فمجرد التهرب من حمل البندقية هو دليل وعي لدى هؤلاء الشباب، وأمر كفيل بأن يكون الكتاب الذي يحملون تأشيرة لمزيد من الوعي لديهم.