رغم محاولات الاستهزاء الإسرائيلية، يبقى الرد الإيراني على مواقع للجيش الإسرائيلي في الجولان السوري، على قدر من الأهمية، والخطورة في آن.
في حال تكررت هذه المواجهة في نطاقها السوري المحدود خلال الفترة المقبلة، عندها بالإمكان القول إن الإيرانيين سددوا هدفاً مزدوجاً في المرمى الاسرائيلي ليل الأربعاء الماضي.
أولاً، قد تؤسس الضربة الصاروخية لمعادلة عسكرية جديدة. بات الجولان السوري بشقيه المدني والعسكري جزئاً من معادلة تبادل القصف داخل سوريا. من الآن فصاعداً، بإمكان إيران أن ترد في الجولان على ضربات اسرائيلية تستهدف قواعدها، من دون أن يتسع إطار المواجهة خارج الأراضي السورية. وهنا تكمن أهمية الضربة الأخيرة، بغض النظر عن إصابتها أهدافها بدقة أو عدم ذلك، إذ أنها فتحت جبهة هادئة منذ 45 عاماً، ونزل آلاف المستوطنين الاسرائيليين الى الملاجئ. وهذه الحركة رغم محدوديتها تؤثر في خطط الحكومة الاسرائيلية الحالية لزيادة عدد المستوطنين في الجولان بهدف تكريس التغييرات الديموغرافية فيها.
لكن تثبيت المعادلة الجديدة يتطلب رداً ايرانياً وفقاً للنمط ذاته بعد وقوع اعتداء اسرائيلي في الفترة المقبلة. وهذا يعتمد الى حد كبير على القدرات الايرانية الحالية داخل سوريا، سيما أن وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان تحدث يوم أمس عن تدمير كل البنية التحتية الايرانية في سوريا، “تقريباً”، وذلك في هجماته الليلية غير المسبوقة في حجمها وتوزعها جغرافياً (50 ضربة جوية). كما تحدث عموس هاريل كبير المعلقين العسكريين في صحيفة “هآرتس” عن نجاح الضربات الإسرائيلية بإعادة الجهود الإيرانية في سوريا شهوراً عديدة إلى الوراء. هاريل أشار في مقاله، وهو دعائي صرف، إلى فشل الإيرانيين في اصابة أي هدف، إذ سقطت الصواريخ التي لم تعترضها منظومة “القبة الحديد”، على الجانب السوري من الحدود.
لكن الكاتب نفسه ذكّر بالإعلان الكاذب والساذج لسلاح الجو الاسرائيلي في اليوم الثاني من حرب تموز عام 2006، عن تدمير كافة منصات اطلاق الصواريخ التابعة لـ”حزب الله”. عندها، ألقى رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت بخطاب الإنتصار أمام الكنيست، ليتبين لاحقاً كذب ادعاءاته.
لنفترض أن إيران قادرة على توجيه ضربات مماثلة وربما أشد ايلاماً للقوات الاسرائيلية في الجولان، هل تحصر اسرائيل ردها ضمن سوريا؟ الرد على هذا السؤال غالباً يزيد من احتمالات حرب إقليمية لا يرغب فيها أحد حتى الآن. باتت احتمالات الحوادث التي تستدعي رداً لإعادة التوازن، عالية الى حد من الصعب معه عدم توقع تصعيد أو حتى حرب أوسع نطاقاً من الجغرافيا السورية.
ثانياً، في التوقيت. جاء الرد الإيراني على الضربات الإسرائيلية في أعقاب اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته سحب بلاده من الاتفاق النووي، وموجة الاستنكار الدولي لهذه الخطوة. بيد أن الايرانيين تلقوا الضربة الأقسى التي حصدت جنرالاً وعناصر ايرانية في قاعدة التيفور، قبل شهر تقريباً، وبالتالي كان الرد مُستحقاً قبل أسابيع. لكن ايران اختارت توقيت الرد بعناية بين موعدين مهمين. بعد أيام، ستفتتح الولايات المتحدة سفارتها في القدس، على أن تليها موجة غضب فلسطينية وعربية واسلامية أيضاً. سيتظاهر مئات آلاف الفلسطينيين ضد الاحتلال الاسرائيلي، وينالون قمعاً دموياً تعرضه الشاشات. حينها، ستكون إيران وحدها في الميدان، تقصف مواقع اسرائيلية، وتتعرض لضربات جوية، في حين يتماهى خصومها مع اسرائيل.
في مثل هذا الظرف، لا بد أن يُحاول الإيرانيون اقتناص الفرصة لإعادة وصل بعض ما انقطع مع العالمين العربي والإسلامي من خلال بوابة الصراع مع اسرائيل والتصعيد ضدها. ستكون مناسبة لغسل الذنوب وتسجيل النقاط.