عنب بلدي – العدد 144 – الأحد 23/11/2014
فراس العقاد – اسطنبول
استطاعت فئة من طلاب سوريا تجاوز الصعوبات والتضييقات الزمانية والمكانية، لتصل إلى بعض البلدان الأوروبية وتتابع تعليمها في المدارس والجامعات؛ بينما تدور أسئلة بارزة حول مسيرة هؤلاء الطلاب؛ فيما إذا كانوا على قدر المسؤولية لحمل رسالة وطنهم الأم (سوريا) وعكس الصورة الضبابية عن الصراع في البلاد لدى الغرب، وعن مدى تفكيرهم بالعودة إلى الديار في سبيل خدمتها والمساهمة في رقيّها.
نقل الصورة “واجب”
عنب بلدي استطلعت آراء بعض الطلاب في الجامعات الأوروبية، ومن بينهم بيان، وهي طالبة سورية تدرس الماجستير في هندسة العمارة في العاصمة البلجيكية بروكسل، إذ تعتبر أن من مسؤوليتها وزملائها السوريين إيصال رسالة معاناة الشعب السوري وقضيته، وكيف بدأت ثورته بمطالب بسيطة محقة جوبهت بالعنف، إلى أن وصلت إلى هذه المرحلة.
تنوّه بيان إلى “أن الطلاب الأجانب يتساءلون عن الأحداث في سوريا، ومن مسؤوليتي أن أجيب لإيصال الحقيقة، بالطريقة التي ربما يستوعبونها ويتعاطفون معها”، لافتةً إلى أن الإعلام في البلاد الغربية ينقل الواقع على أنه “حرب أهلية أو طائفية”، ولا بد من إيصال الصورة كاملة للشعب “لأن له تأثيرًا على القرار السياسي”.
وينقسم الطلاب السوريون في أوروبا إلى عدة أصناف “بين الثائر، والمحايد الذي يتهم الثوار بالتكفيريين، والعلماني الذي يقول إن الثورة انتهت، أما الرابع فيعتبر شعوب المنطقة كلها متخلفة”، وفق ما تقول بيان، التي طالبت في نهاية حديثها الطلاب بـ “التذكير ببلدهم الأم، حتى عن طريق منشورات الفيسبوك.. سوريا بلد حضارة وتاريخ وليست صحراء قاحلة”.
“لا تدخل الناس في صراعاتك”
أما بالنسبة لأحمد يعقوب، وهو يدرس ماجستير الاتصالات في ألمانيا، فيرى أنه “ليس من الداعي أن يتحول السوري إلى محاضر، ليقضي وقته يتحسر على ما حل في البلد”.
كما يقول المثل الإنكليزي “ليس كل العالم يدور حولك” يضيف يعقوب، “كل واحد عنده همومه ومشاكله، إلا الذي يسألك فعليك حينها الإجابة”، معتبرًا أن “الطائفية في البلاد الأوروبية غباء وقلة أدب.. لا تتدخل الناس في صراعاتك وتتهم الشيعة أو العلويين، في النهاية سينظرون إلينا جميعًا كعرب”.
ويجب ربط سوريا عند الطلاب الأجانب “بشيء بعيد عن الحرب والموت واللجوء… سوريا ليست بعيدة عن الثقافة والتاريخ والطبيعة الجميلة” بحسب يعقوب، الذي يحاول أن يترجم لزملائه الأجانب قصيدة صغيرة أو يعرض عليهم شيئًا من الموسيقى السورية أو الأكلات الشعبية.
وبخصوص العودة إلى سوريا يقول يعقوب “على الطالب أن يترك باب العودة الى سوريا مفتوحًا؛ فكرة القفز والخلاص الفردي مقبولة في ظرف مؤقت، لكن البلد تحتاج جهودنا في النهاية”، مشددًا على الانفتاح على كل الثقافات المتاحة لأن “في كل منها شيء تتعلمه ومن الممكن أن يساهم بمجتمعنا نحو الأفضل”.
انفصال عن معاناة السوريين
حسام، وهو طالب هندسة عمارة غادر سوريا منذ 3 سنوات، يدرس الآن في جامعة شرق المتوسط في قبرص، ويشعر بـ “الحرقة والألم” عندما يرى سلوك بعض الطلاب ودرجة التدني الأخلاقي لديهم “إن ما أراه هنا غريب جدًا، بالمقارنة مع ما يحدث داخل الوطن؛ وكأن الطلاب في حياة جديدة ولا علاقة لهم بالواقع وكأنهم كانوا مقيدين في بلدهم”.
“ليس هذا فقط، بل يسألني الطلاب أحيانًا مستغربين هل هذا هو السوري.. هكذا كنتم تعيشون!” كما يقول حسام، الذي لا يطلب من أقرانه التعبير عن مواقفهم السياسية أو الموقف من الثورة، بل يطلب فقط “الالتزام بالأخلاق وأن تبقى ضمن جو شعبك وتحترم حالتك كسوري”.
أما عن العودة لسوريا فيقول: “لم أقطع التفكير بالعودة ويستغرب أصدقائي ذلك مشيرين أن الحرب مستمرة لعشرات السنين، لكنني أؤكد أن الأمل موجود… سوريا غالية مثل الأم التي يجب العودة إليها مهما ابتعدنا وطالت فترة غيابنا”.
فقط، سوريا قبل 2011
لكن هناك اتجاهًا مضادًا يجمع بعض الطلاب السوريين، كحال طالب الهندسة المدنية، الذي رفض التصريح باسمه، إذ يعتبر أن الرسالة التي يجب على السوري إيصالها للمجتمع تقتصر على سوريا قبل 2011 وتاريخ دمشق الممتد إلى عام 9000 قبل الميلاد.
ويصف طالب الهندسة الوضع الذي وصلت إليه سوريا حاليًا بـ “المخزي”، مشيرًا أنه لا يفكر بالعودة “حتى في حال هدأت الأعمال العسكرية… الوطن هو المكان الذي يجد فيه الإنسان سعادته”.
سلبيتنا سبب فيما يحصل
إياد الحميد، طالب تسويق قدم محاضرة ضمن برنامج Ted الذي يهتم بالتجارب الناجحة ويحاول نشرها إلى العالم، وسط حضور طلاب جامعته في قبرص من مختلف الجنسيات، تحدث فيها عن حادثة حصلت معه في سوريا حين فقد أوراقه الرسمية داخل إحدى الحافلات، لكنه لم يحمّل الأمر أهمية كبيرة، في حين انتفض سائق سيارة الأجرة وقال “كيف تبرر لنفسك وتقول إنه أمر عادي!“، في إشارة إلى أن “الفرق بين الشخص السلبي والإيجابي هو نظرة الإنسان لنفسه”.
وفي حديث لعنب بلدي أكد الحميد أن على السوريين جميعًا مراجعة قناعاتهم “ما حصل في سوريا بسببنا جميعًا”، وعلينا ان نفكر كيف نبني البلد وكيف يجب أن نتعامل مع أنفسنا”.
وبالحديث مع أحد الطلاب السوريين الذين تابعوا محاضرة الحميد قال “شعرت بالفخر عندما سمعت بوجود متحدث سوري”، مردفًا “من المهم وجود تمثيل سوري في مثل هذه المحافل العلمية الدولية، التي تعكس صورة حضارية ومشرقة للطالب السوري”.
لم تستطع محركات البحث عبر الإنترنت أن تجد تعريفًا لأن يكون الطالب السوري رسالة لوطنه بأي من اللغات، في وطن مزقت فيه الحرب كل مجالات الحياة، وفي حين يعتبر العديد من زملاء الدراسة في عداد المفقودين أو القتلى، يصرّ هؤلاء الطلاب على إكمال مسيرتهم التعليمية عاكسين التنوع الثقافي والاجتماعي للواقع السوري.