يُمكن أن يُقال الكثير عن الانتخابات النيابية يوم أمس. الفارق بين الناخبين الشيعة وبين نظرائهم في الطوائف اللبنانية الأخرى لافت. كل الطوائف اقترعت بشكل متنوع إلا الشيعة بدوا كأنهم كتلة عسكرية مرصوصة ترى في الانتخاب طقساً دينياً أكثر منه عملاً ديموقراطياً. حتى الطائفة الدرزية المعروفة بتماسكها ككتلة ناخبة للزعيم الدرزي وليد جنبلاط كانت أكثر تنوعاً في أصواتها. سقوط أشرف ريفي نفسه لم يك متوقعاً، وقد يؤشر لتحديات سيواجهها مع السلطة في الفترة المقبلة. وكذلك تفاجأنا بخسارة الحريري هذا العدد من المقاعد في بيروت، وأيضاً بالحجم الكبير نسبياً لكتلة القوات اللبنانية. حجم هزيمة المجتمع المدني والمستقلين بأنحاء لبنان كان لافتاً، وبإمكاننا أن نستفيض في الحديث عنها دون طائل.
صحيح أن هذه ظواهر أساسية وعلينا فحصها وفهمها. لكن كل هذا الحديث في مكان، وعودة رموز العهد السوري في لبنان في مكان آخر. جميل السيد، إيلي الفرزلي، البير منصور، جهاد الصمد، فيصل عمر كرامي،عبد الرحيم مراد، أسامة سعد، التمثيل الثلاثي للحزب السوري القومي الاجتماعي شمالاً وجنوباً، وجوه ترمز الى حقبة قديمة جديدة في هذا البلد. في كلام مراد وكذلك كرامي حديث واضح عن هذه العودة وأهميتها واشارات واضحة إلى انتخابات 2005 و2009 بصفتهما ماضياً مُظلماً ولى، وأن عهداً جديداً من الإنماء انطلق مع هذه النتائج. كما جاء خطاب نصر الله واضحاً في شأن “الانتصار السياسي والمعنوي الكبير لخيار المقاومة الذي يحمي سيادة البلد”.
كيف نقرأ أن طرابلس لم تُسقط ريفي فحسب، بل انتخبت كتلة وازنة لأصدقاء وحلفاء الرئيس السوري بشار الأسد، في حين اقترع آلاف من سُنّة بيروت لعدنان طرابلسي مرشح جمعية المشاريع (الأحباش) المتحالفة مع النظام السوري وأيضاً لرجل الأعمال البراغماتي فؤاد مخزومي؟ الكُتلة السنية الناخبة أدلت بدلوها في مستقبل البلاد، ولم تعد بشق كبير منها تثق برئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. فالحريري أثبت المرة تلو الأخرى أنه لا يقرأ النتائج جيداً، ولا يتعلم من أخطائه أبداً. والأرجح أن شيئاً لن يتبدل هذه المرة، رغم وعوده لا في فريقه ولا في تياره المترهل بقيادة ابن عمته، ولا حتى في لغته وسلوكياته السياسية. التقدم الوحيد الملحوظ في سلوك الحريري عبر السنوات هو في تطور قدرته على اللفظ. فلا يتوقع أحد منه أكثر. بات الحريري اليوم رئيس حكومة تصريف أعمال، ومن المحتمل جداً أن لا نراه يعود لموقعه. ماذا لو طلب “حزب الله” مثلاً تعيين جميل السيد وزيراً للعدل؟ وهذا وارد جداً في ضوء النتيجة الحالية للانتخابات.
وكان “حزب الله” سريعاً في إعلان وتبني هذا التبدل السُنّي الكبير، من خلال صحيفته التي لفتت إلى مفارقة فوز الحريري بعكار بوجوه من الحقبة السورية في لبنان (سمتهم ودائع غازي كنعان).
فالرئيس السوري الذي يُحقق التقدم تلو الآخر في سوريا بعد 7 سنوات على الثورة، انتصر اليوم في لبنان اثر 13 عاماً على خروج جيشه وهزيمة حلفائه في البرلمان. ولو شملنا كتلة “التيار الوطني الحر” الصديقة، فإن غالبية ساحقة مؤيدة للنظام السوري ستُطل برأسها في ساحة النجمة. وهذه الغالبية ستفتح طريقاً جديداً إلى دمشق مع الحريري أو من دونه.