د. أكرم خولاني
مع قدوم موسم قطاف الفول الأخضر تكثر مشاهدة حالات انحلال الدم بعد تناول الفول أو ما يسمى بالفوال أو التفول أو الحساسية للفول.
ورغم انتشار وشهرة هذا المرض، ينقص العديد من المصابين به المعرفة الكافية عن ماهية هذا المرض وكيفية التعايش معه.
وعادة يلجأ أهل المصاب إلى تجنب البقوليات بشكل قطعي دون الإلمام بما يترتب على المصاب من مخاطر، كما يعتقد البعض أن هذا المرض هو مرض تحسسي يصيب الأطفال فقط وينجم عن تناول حبات الفول الأخضر بكثرة، وفي الحقيقة فإن هذا الاعتقاد خاطئ جملة وتفصيلًا.
ما هو مرض الفوال
هو انحلال حاد في الدم يحدث نتيجة ضعف أو غياب في عملية تصنيع خميرة (إنزيم) يسمى نازعة هيدروجين الغلوكوز – 6 – فوسفات (Glucose – 6 – Phosphate dehydrogenase –G6PD)، والذي تحتاجه خلايا الدم الحمراء للقيام بمهماتها الطبيعية ومقاومة المواد المؤكسدة التي قد توجد في الجسم، وهو مهم لحمايتها من التلف وخاصة في حالات الإجهاد.
ويحدث انحلال الدم عقب الإصابة بالعدوى أو التعرض لأدوية أو كيماويات معينة أو لدى التعرض للفول إما عن طريق تناوله أو تناول الأطعمة المحتوية عليه.
ويسمى هذا المرض “الفوال” لأن الفول هو أخطر الأطعمة الضارة بالمصابين بعوز هذا الأنزيم والتي تسبب انحلال الدم.يعتبر عوز G6PD أكثر أمراض الأنزيمات انتشارًا في العالم، وينتشر بشكل خاص في إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط (منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط).
كيف تحدث الإصابة بالفوال؟
الفوال مرض وراثي متنحي مرتبط بالصبغي الجنسي X، وبما أن الذكر لديه صبغي X واحد فقط فإنه يصاب عندما يرث صبغي X يحمل طفرة الإصابة بالفوال، أما الأنثى فتملك صبغيي X، وبذلك فهي تصاب عندما ترث صبغيين يحملان الطفرة، بينما تكون حاملة للمرض في حال ورثت صبغيًا واحدًا يحمل طفرة المرض، وفي هذه الحالة تحمل الأنثى جين المرض ولكن لا يظهر عليها أي عرَض.
ولذلك فإن هذا المرض يشاهد عند الذكور أكثر من الإناث، وهو قد ينتقل من الأم المصابة أو الحاملة للمرض إلى أولادها الذكور أو الإناث، أما الرجال المصابون بالمرض فينقلون المرض إلى بناتهم فقط ولا ينقلونه إلى أبنائهم مطلقًا، لأن الأب يعطي ابنه الذكر الصبغي الجنسي Y وليس X.
ما أعراض الإصابة بالفوال؟
يعيش معظم المرضى حياة طبيعية ويتمتعون بصحة جيدة، ولكن في حال تعرضهم لأي من العوامل المحفزة مثل العدوى، والحمى، أو عند تناول أي مادة كيميائية أو غذائية لا تستطيع خلايا الدم الحمراء الفقيرة بخميرة G6PD التعامل معها، تتفاعل خلايا الدم وتتكسر أو تتحلل في الجسم قبل أوانها، ما يسبب مشكلة قد تكون خطيرة ما لم يتم التعامل معها بسرعة، كما قد تظهر الأعراض دون أن يصاب الشخص بأي مرض ومن دون أن يتناول أي نوع من المواد المؤكسدة.
وأهم أعراض حدوث الانحلال:
- نزول بول داكن اللون.
- إعياء وتعب عام.
- ألم في البطن.
- تسارع في نبض القلب.
- صعوبة في التنفس.
- اصفرار الجلد والصلبة (يرقان).
- شحوب في الوجه.
وهناك تفاوت كبير في السن التي تظهر فيها أعراض المرض، فقد يظهر عند حديثي الولادة مباشرة بعد الولادة، ويكون اليرقان وتركيز البيليروبين عندهم أعلى من المستوى المعتاد لدى الأطفال الطبيعيين، وقد يظهر عند التعرض لأي من العوامل المحفزة لانحلال الدم.
ومن المهم التنبيه إلى أن الإصابة بهذا المرض تكون متفاوتة الشدة، فمنها ما يكون بسيطًا ومنها ما يكون شديدًا، وتعتمد شدة الأعراض على مستوى فعالية خميرة G6PD، ففي بعض الحالات تكون هذه الخميرة غائبة تمامًا وغير فعالة، وهنا يجدر بالمريض أخذ الحيطة والحذر من جميع ما يتناوله كالطعام والأدوية وحتى المكملات الغذائية، وفي أحيان أخرى تكون هنالك كمية فعالة من هذه الخميرة لحد معين ما يؤهل المريض لممارسة حياة طبيعية نسبيًا.
ما العوامل المحفزة على حدوث نوبة انحلال الدم؟
بشكل عام يمكن أن يؤدي تعرض الجسم لأي مادة مؤكسدة إلى انحلال الدم، مثل:
- تناول الفول بجميع أشكاله الأخضر أو اليابس أو المعلب، وتناول البقوليات بجميع أنواعها خاصة العدس والبازلاء و الفاصولياء وفول الصويا، وقد تكون الكمية التي يتناولها الشخص قليلة فلا تسبب له مشكلة، وقد يتناول كمية قليلة فتسبب انحلالًا حادًا في الدم.
- التعرض لنبات الفول الأخضر وخاصة زهر الفول، وتجدر الإشارة إلى أن التحسس من أزهار الفول يلاحظ في الحالات الشديدة من الفوال لذا يجب تجنبه في هذه الحالات.
- تناول بعض أنواع الأدوية، مثل مضادات الملاريا، مضادات الطفيليات، مضادات السل، مركبات السلفا كالسلفاميثوكسازول الذي يوجد في العادة مع التريميثوبريم، مضادات الهيستامين، بعض أنواع المضادات الحيوية مثل الكينولونات والكلورامفينيكول والنتروفورانتوئين وفي بعض الأحيان البنسلين والسيفالوسبورين، وبعض أدوية مسكنات الألم كالأسبرين.
- الجرعات العالية من فيتامين C، والذي قد نجده في المكملات الغذائية، وحبوب الفيتامينات أو بعض المشروبات و العصائر.
- التعرض للالتهابات الفيروسية أو البكتيرية بشكل عام يسبب حدوث انحلال الدم عند المصابين بعوز G6PD.
- مرض الحماض الكيتوني السكري.
ولكن عمليًا لا يشاهد انحلال الدم في الفوال إلا بعد تناول الفول أو التعرض لزهر الفول، ونادرًا جدًا ما يحدث نتيجة سبب آخر.
كيف يشخص مرض الفوال؟
عادة ينشأ لدى الطفل نوع من الصفار بعد 1-14 يومًا من ولادته والتي تستدعي إجراء بعض الفحوصات للتأكد إذا ما كان الطفل حاملًا للمرض أم لا، ومن الفحوصات التي يمكن إجراؤها مسح شامل لكريات الدم والخضاب وقياس مدى فعالية خميرة G6PD.
في الأعمار الأكبر يتم التشخيص من خلال الأعراض والعلامات مع نقص خضاب الدم وقصة تناول الفول قبل 2-3 أيام من ظهور الأعراض.
ويتم تأكيد الإصابة بإجراء التحاليل التالية:
- وجود أجسام هاينز (هيموغلوبين مترسب في الخلايا الدموية) في خلايا الدم الحمراء.
- معايرة إنزيمات الكبد (ارتفاع البيليروبين غير المباشر).
- نازعة هيدروجين اللاكتات (ارتفاع بكميته).
- هابتوغلوبين (انخفاض بكميته).
- عيار G6PD في الدم (يكون منخفضًا).
ما علاج مرض الفوال؟
لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ لمرض الفوال، ولا يمكن منعه من الانتقال من جيل لآخر، ويتمحور العلاج حول تجنب انحلال الدم عن طريق تجنب التعرض للمواد المؤكسدة التي ذكرناها.
وفي حال حدوث نوبة انحلال دم، تجب مراقبة خضاب الدم: في حال كان الخضاب > 7 غ/100مل فيجب نقل الدم للمريض، وفي حال كان الخضاب بين 7-9 غ/100مل يتم إجراء تحليل بول مع التحري عن وجود الخضاب في البول وفي حال وجوده فيجب نقل الدم، أما في حال كان خضاب الدم < 9 غ/100مل فلا داعي لنقل الدم.
كما يفضل تحليل نسبة الحديد في الدم، وتعطى مكملات الحديد في حال نقص مخزونه، أما في حال كون المخزون مرتفعًا فيجب الامتناع عن تناول مكملات الحديد، وينصح بشكل عام بإعطاء مكملات حمض الفوليك ومكملات المغنيزيوم.
أخيرًا ننبه إلى أن الفيتامين K الذي يعطى للطفل عند الولادة هو أحد مسببات الأكسدة والذي يمكن أن يؤدي في حال إعطائه إلى تدهور صحة الوليد المصاب بالفوال، لذلك يجب على الأم المصابة أو الحاملة للمرض أن تخبر كادر التوليد كي لا يتم إعطاء وليدها فيتامين K.