إيران وحرب تموز السورية

  • 2018/05/06
  • 12:11 ص

إبراهيم العلوش

في تموز عام 2006 استجرت إيران وتابعها حزب الله، إسرائيل من أجل تدمير لبنان وبنيته التحتية، واليوم هما يستجران إسرائيل لتدمير ما تبقى من سوريا، وما الهجمات المتبادلة بين الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية مع إسرائيل إلا بداية لحرب نوعية جديدة تشهدها سوريا وتطيل من عذابات الشعب السوري.

بعد أن أسهمت إيران بكل جرائم الحرب التي يخوضها النظام ضد الشعب السوري، من قتل وتهجير وتعذيب وتمويل لإرهاب النظام، ودفعت روسيا للإسهام معها في حفلة الدمار والعبث، ها هي اليوم تحشد ميليشياتها وتورد صواريخها إلى سوريا لحماية مشروعها النووي، بابتزاز الغرب وأمريكا بأنها ستهاجم إسرائيل ومن خارج الأراضي الإيرانية، في اللحظة التي يتم فيها خنق مشروعها النووي أو الصاروخي، والذي تهدد به دول المنطقة وتمارس بقوته عنجهيتها الطائفية.

منذ انطلاق الفاشية الخمينية في شباط 1979 وهي تنظر إلى دول المنطقة باستخفاف، وتعتبرها غنيمة لها، ومجالًا استراتيجيًا لإحياء الدولة الفارسية القديمة والتي احتلت بلاد الشام حوالي 530 ق. م، ولم تترك هذه البلاد حتى سلمتها لليونان، ومن بعدهم للرومان، وفقدت سوريا الكثير من وحدتها الثقافية واستمرارية هويتها، وتباعدت لهجات شعبها عن لغات المحتلين، حتى جاء الإسلام ووحد البلاد، وكان للعامل الديني دور كبير بإعادة إحياء سوريا، حيث تعامل الدين الجديد، في حينه، مع مختلف الطوائف والإثنيات بتسامح، وبتفاعل، جعل الشام عاصمة عالمية على أيدي الأمويين، ومنطلقًا للوصول حتى إسبانيا التي صار اسمها الأندلس إبان الحكم الأموي لها، والذي امتد لثمانمئة عام.

الفاشية الخمينية التي تعتمد التقية، واحتقار أمم المنطقة غير الفارسية في عقديتها، تاجرت منذ يومها الأول بالقضية الفلسطينية، وأسست ما يسمى بفيلق القدس، وهو نفس الفيلق الذي يدمر سوريا اليوم بقيادة قاسم سليماني، ويسهم بتهجير شعبها، ويعيد رسم الخرائط، وإعادة توزيعها بما يتلاءم مع الوجود المديد الذي يتوقعه المحتلان الإيراني والروسي.

كانت فكرة الخميني التي أطلقها في ثمانينيات القرن السابق بالزحف الشعبي باتجاه القدس، انطلاقًا من إيران، وحشد الملايين بمسيرة شعبية حتى رضوخ العالم لتحرير القدس، وانتزاعها من إسرائيل وحلفائها الغربيين، تبدو خيالية، وغير واقعية.

لكن الخميني حدد عدة مواعيد لانطلاق المسيرة الإيرانية، باتجاه القدس، وأجّلها عدة مرات، ولم تتحقق هذه المسيرة إلا الآن، في عصر خليفته “العلماني والتقدمي” الخامنئي، الذي حشد الميليشيات الطائفية من كل حدب وصوب، ولكن من أجل تحرير سوريا من نصف شعبها، والإسهام بالقتل، وبالتدمير، وبالتعذيب بحجة أن هذا الشعب لا يؤمن بالمهدي المنتظر “بشار الأسد”.

اليوم وبعد تدمير معظم المدن السورية على أيدي النظام، والمحتلين الإيرانيين والروس، بدأت حرب جديدة بين إسرائيل وإيران، ولعلها ستكون حربًا مدمرة بين الطرفين. والعالم سيقف حابسًا أنفاسه بانتظار 12 من أيار، وما يليه من حروب جديدة بين الإيرانيين والإسرائيليين إذا قررت أمريكا إلغاء معاهدة وقف البرنامج النووي الإيراني، والموقعة بين إيران ودول مجلس الأمن الخمس الدائمة مضافًا إليها ألمانيا، بتاريخ 2 من نيسان 2015.

إذا تم هجوم صاروخي إيراني كثيف ضد إسرائيل انطلاقًا من الأراضي السورية، فالرد الإسرائيلي قد يكون كما في تموز 2006، هو تدمير البنية التحتية لمناطق مؤيدي إيران والنظام، وهي اليوم تتركز في الساحل السوري وفي مدينة دمشق، وهذا لن يؤثر كثيرًا على النظام الإيراني البعيد عن أرض المعركة، بل سيتسبب بتهجير السوريين بمئات الآلاف، وسيحرم الملايين من اللاجئين السوريين من أنحاء سوريا الأخرى، من حالة الاستقرار النسبي التي حظوا بها في هذه المناطق، والتي لا تزال إلى اليوم خارج دوامة الدمار، فمدينة دمشق لا تزال في معظمها سليمة وآهلة بالسوريين، ومن الممكن أن تستمر كجامعة للسوريين بعد التخلص من نظام الأسد.

أما الساحل السوري فقد استقبل مئات ألوف السوريين من المدن والمناطق السورية الأخرى، ورغم موت عشرات الألوف من شباب الساحل تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، فقد نجت مدنه وقراه حتى الآن من الدمار، ولكن المرحلة المقبلة في الحرب، إن بدأت، فلن تترك موطئا للإيرانيين إلا وستدمره هو ومحيطه، وهذا ما يجعل شبيحة الأسد على محك جديد، وهم يدافعون عن الوجود الإيراني الذي استجلبه النظام للدفاع عنه، ولاستمرار عائلة الأسد.

المدن الأخرى تدمرت ولحق نصف سكانها بالتهجير القسري، ونُهبت أملاكهم وقُتل أبناؤهم. فهل المرحلة المقبلة من الحرب ستلحق المزيد من الدمار في مدينة دمشق، وفي الساحل السوري، حيث يوجد الإيرانيون وميليشياتهم تحت مسميات متنوعة اعتبارًا من المزارات، والتجمعات الأمنية، التي زرعوها في كل بلدة في الساحل السوري وفي كل زاوية من دمشق.

السؤال هو ما موقف الشبيحة وأعوان النظام، وهم يرون أن مرحلة الحرب المقبلة ستدمر كل ما حافظوا عليه من أجل استمرار قوتهم، ومن أجل جعله ركيزة لاستمرار حكم عائلة الأسد؟ وهل سيكون الجواب في سلوك النظام الذي قد يبيع إحداثيات الوجود الإيراني لمن يشتري؟

الذي يخون بلده، لن يتوانى عن خيانة إيران، أو غيرها، فبشار الأسد المتحالف مع الروس قد يبيع أخاه ماهر المتحالف مع الإيرانيين، كما باع والدهما أخاه وشريكه رفعت الأسد، بتخطيط وبإشراف روسي في ثمانينيات القرن الماضي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي