تعا تفرج
نريد حرية لكي نشبب دراجاتنا النارية
خطيب بدلة
في مدينة إدلب، منعت حكومة الإنقاذ ظاهرة “تشبيب” الدراجات النارية، وقيادتها بسرعة، واستخدام الزمور ذي الصوت المرتفع جدًا (المصدر: عنب بلدي).
أعاد هذا الخبر إلى ذاكرتي لقطات متنوعة من مظاهر الفروسية المنتشرة في مختلف أنحاء بلادنا، فكل من يركب على شيء ما، في هذا القطر العربي الصامد، يعتبر نفسه فارسًا، مجليًا، لا يشق له غبار، حتى إن أحد أبناء بلدنا، في الستينيات، كان يسوق التركتور الزراعي، ويُنْهِض مؤخرته عشرة سنتمترات إلى الأعلى، ويطعج جذعَه ورأسه إلى الوراء، ما جعل صديقي محمد مطيع من قرية كفر اليحمول يقول لي:
– على أيش مْطَنِّبْ الأخ، علي الحلال ستي بتعرف تسوق تركتور!
حينما دخلت الدراجة النارية إلى البلاد، اكتسبت أسماء عديدة منها الموتوسيكل، والموتور، والطَقْطَاق، وأما الدراجات الصغيرة فيسمونها السنفور، أو الفرفيرة، وعُرِفَت الدراجات ذات العجلات الثلاث باسم الطرطيرة، وفي الساحل أطلقوا عليها اسمًا مضحكًا هو: الطِزْطَيْزة..
وليس هذا مربط الفرس، كما يقولون، وإنما هو في عملية التشبيب، أي التقدم بسرعة جنونية إلى الأمام، ثم رفع المقود (الدركسيون) إلى الأعلى، وإبقاء الميتور يمشي على العجلة الخلفية فقط، وهذا كان يحصل، بشكل أساسي، عند أبواب المدراس الإعدادية والثانوية الخاصة بالفتيات، فالشاب الطائش، المتهور، ذو السلوك الأقرب إلى سلوك المهابيل، يعتقد أن الفتاة ستقع في غرامه عندما يتمكن من إيقاع الرعب في نفسها، بمنظره وهو يصعد في الهواء، ويوشك أن يقع ويتحطم رأسه! وقد حصلت، ذات مرة، أن تسابق ثلاثة شبان، بموتوراتهم السريعة ماركة “ياماها سي جي”، من سرمين إلى إدلب، وحينما وصلوا إدلب فوجئوا بدوار المحريب، ولم يتمكنوا من إيقاف الموتورات، فاصطدموا بالدوار، وقُتِلوا..
باسل، ابن حافظ الأسد الذي كان والدُه يعده ليكبس على أنفاس السوريين بعده، ولكي يستعرض قوته أمامنا، اختار الفروسية بمعناها التقليدي، لأن الحصان هو أصل الكائنات التي اخترعت التشبيب.. ولأجل منحه لقب الفارس الأول استنفرت المؤسسات والنوادي الرياضية، وأجهزة التدريب، وحتى المؤسسات الأمنية استنفرت لتزيح من طريقه أي منافس محتمل، ولا شك أن هَوَس الفروسية انتقل إلى ذلك الولد المسطول، فراح يسوق السيارة كما لو أنه يقود صاروخًا مجنحًا، ولا أدري ما إذا كان (يشبب) السيارة حينما وقع الحادث الذي أودى بحياته.
في بداية الثورة السورية، حصل انقسام حاد في المجتمع السوري، فكانت هناك شريحة الثوار السلميين الذين وضعوا دماءهم على أكفهم وخرجوا للتخلص من هذا النظام الذي كان يُسَيِّرُ المجتمعَ السوري على العجلة الخلفية، والحكام الذين يستعرضون الأنواع المختلفة من فروسياتهم التافهة، وشريحة المؤيدين الذين يحصلون على فتات موائد ذلكم النظام الأرعن، وشريحة ثالثة كانت تزعم أنها تريد تحكيم العقل والمنطق لأن الثورة، برأيهم، سوف تؤدي إلى هلاك البلاد.. ولا زلت أذكر صديقي المؤيد الذي كان يلومني لانخراطي في الثورة، حينما كنا نتمشى معًا على الكروزة في معرتمصرين، وبالمصادفة مرَّ شاب من الثوار بدراجته النارية، وراح يشببها، فقال لي:
– هاي هيي الحرية اللي بدكن ياها يا خطيب؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :