تحولت ظاهرة التمثيل بجثث المقاتلين العسكريين إلى عرف سائد بين الأطراف المتنازعة في سوريا، وتجاوزت القواعد التي وضعها القانون الإنساني الدولي، الناظم للنزاعات المسلحة.
ولم تقتصر الحوادث على طرف دون الآخر، بل شملت النظام السوري وفصائل المعارضة والتشكيلات الإسلامية الأخرى، وأبرزها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وشهد الأسبوع الحالي حادثتين للتمثيل بالجثث في دمشق ودرعا، ورغم اختلاف الأطراف الفاعلة بها، إلا أنهما يتشابهان في الحكم ضمن قواعد القوانين الدولية.
رأسان طائران!
وأعدم تنظيم “الدولة الإسلامية”، الثلاثاء 1 من أيار، ضابطًا في قوات الأسد بتفجير خوذته، بعدما أسره خلال المعارك الدائرة بين الطرفين جنوبي دمشق.
ونشرت “ولاية دمشق”، كما يسميها التنظيم، صورًا لعملية الإعدام (تعتذر عنب بلدي عن عدم نشرها)، وأظهرت إحداها تعليق الضابط وهو من رتبة ملازم أول من قدميه ورأسه للأسفل، على ارتفاع قرابة ثلاثة أمتار فوق الأرض، بين الأبنية السكنية في منطقة يسيطر عليها التنظيم، ولكنه لم يحددها.
وسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على مواقع تابعة لفصائل المعارضة جنوبي دمشق، قبل يومين بالتزامن مع معارك يخوضها مع قوات الأسد التي تحاول التوغل في عمق مناطقه.
وتنوعت جرائم التمثيل بالجثث التي يتبعها التنظيم، ووفق ما تنشره الوكالات التابعة له، ويحاول إيصال صورة أن الجزاء من جنس العمل، وهو ما أكدته عملية الإعدام بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والذي قال التنظيم في إصداره حينها إن الكساسبة كان يحرق المدنيين جراء غاراته، لذلك طبق عليه القصاص.
إلى الجنوب من سوريا ظهرت مجموعة من مقاتلي المعارضة في ريف درعا يعلقون رأسًا مقطوعًا على طائرة مسيرة، في ظاهرة هي الأولى من نوعها، في ذات اليوم للحادثة السابقة.
وحصلت عنب بلدي على تسجيل مصور (تعتذر عن عدم نشره)، ويظهر عنصرًا من فصيل معارض وآخر يصرخ “الله أكبر يا أبو النور.. الفوج الأول مدفعية” في الريف الغربي لدرعا.
وأوضحت المصادر لعنب بلدي أن الرأس يعود لأحد مقاتلي “جيش خالد”، مشيرةً إلى أنه وقع في أسر مقاتلي “الفوج الأول مدفعية” بعد هجوم الفصيل “الجهادي” على المنطقة.
كما أكدت أن “الفصيل علق الرأس بالطائرة التي وُجّهت إلى مناطق سيطرة جيش خالد، ثم ألقي في تلك المناطق”.
ويعتبر التسجيل المصور صادمًا ويحمل أسلوبًا جديدًا في التمثيل بالجثث، الذي تكرر على أيدي الأطراف المقاتلة على الساحة السورية.
كما أن الطائرة ظهرت للمرة الأولى بيد المعارضة في المنطقة، وهي مزودة بتقنية تسمح بإلقاء الأجسام منها، أي أنها تستخدم لأغراض عسكرية إضافة إلى التصوير، ويملك تنظيم “الدولة” منها، وفق صور بثها العام الماضي في الرقة.
وعقب يوم من جريمة التمثيل، أصدر الفصيل بيانًا ندد بما وصفه بـ “الفعلة الشنيعة والمرفوضة”، وأكد التوجه نحو “التحقيق مع من قام بهذا العمل، ومحاسبته وفصله من الفوج حسب القوانين المرعية”.
وقال الفصيل “هذا الفعل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع قوانين الدين الحنيف، ولا مع القوانين الدولية او حقوق الإنسان او معاهدات جنيف المتعلقة بالحروب، ولا مع أخلاق ومرتكزات الثورة السورية”.
كما أكد التزامه “بجميع القوانين الدولية والمحلية المتعلقة بهذا الشأن”، والتزامه “برفع الظلم عن شعبنا ونيل حريته من نظام الإجرام والطغيان”.
ماذا يقول القانون الدولي؟
في آب عام 1949 أقر المجتمع الدولي اتفاقية جنيف الرابعة، بدعوة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي كان القصد منها حماية المدنيين في وقت الحرب.
تلك المعاهدة المؤلفة من 159 مادة، اعتبرت جزءًا من القانون الإنساني والجنائي الدولي، بحيث تكون مهمتها سد الثغرات فيه وتعريف الأطراف المتنازعة بالمتاح وغير المتاح لها في أثناء الاشتباك المسلح.
وتنص المادة “130” من الاتفاقية أنه على السلطات الفاعلة أن تتحقق من أن المعتقلين الذين يتوفون في أثناء الاعتقال يدفنون باحترام، وإذا أمكن طبقًا لشعائر دينهم، وأن مقابرهم تحترم وتصان بشكل مناسب، وتميز بطريقة تمكّن من الاستدلال عليها دائمًا.
كما تنص على ضرورة أن يدفن المعتقلون المتوفون في مقابر فردية، إلا إذا اقتضت ظروف قهرية استخدام مقابر جماعية، ولا يجوز التمثيل بالجثث وأشلائها، كما يمنع حرقها إلا لأسباب صحية حتمية أو إذا جاء ذلك تنفيذًا لرغبة الميت الصريحة.
وفي حالة حرق الجثث (لأسباب تتعلق بالأوبئة مثلًا) يتوجب توضيح مع ذكر الأسباب التي دعت إلى ذلك في شهادة وفاة الشخص المقتول، وتحتفظ السلطات الحاجزة بالرماد، وترسله بأسرع ما يمكن إلى أقارب المتوفى إذا طلبوا ذلك.
ورغم أن القانون الدولي الدولي الإنساني لا يجرم استهداف العسكريين، يحظر استخدام معاناة لا لزوم لها، كالتمثيل بالجثث أو استخدام الغازات السامة…
لاحترام القانون.. لا تعامل بالمثل
وجاء في القاعدة 139 في القانون الدولي الإنساني، بموجب إيجاز الصليب الأحمر، “يجب على كل طرف في النزاع أن يحترم القانون وأن يكفل احترامه من قبل قواته المسلحة والأشخاص والمجموعات الأخرى الذين يعملون في الواقع بناءً على تعليماته، أو تحت إشرافه أو سيطرته”.
ولا يعتمد الالتزام باحترام وكفالة احترام القانون الإنساني على المعاملة بالمثل، أي أنه يجب الابتعاد عن الرد على انتهاك من قبل طرف ما بانتهاك مشابه (وهو ما ينطبق على حالة المعارضة في درعا وجيش خالد الذي سبق وأن مثل بالجثث أكثر من مرة).
وليس لأطراف النزاعات المسلحة غير الدولية (في سوريا هناك نزاع غير دولي بين قوات النظام والفصائل المحلية) الحق في اللجوء إلى أعمال الاقتصاص الحربي، وتحظر أي أفعال أخرى مضادة بحق الأشخاص الذين لا يقومون بدور مباشر أو الذين توقفوا عن القيام بدور مباشر في الأعمال العدائية.
–