حافظت بلدتا الفوعة وكفريا طوال ثلاث سنوات على حدودها العسكرية داخل إدلب، رغم الترسانة العسكرية الكبيرة التي تحيط بها، ما جعل منها رقمًا صعبًا في معادلة المحافظة، التي تعتبر الحاضنة الرئيسية لمعارضي النظام السوري، ليحسم مصيرهما، في 30 نيسان 2018، بعد تنفيذ البنود الأخيرة لاتفاق “المدن الخمس” الذي رعته إيران وقطر بشكل سري.
بنود الاتفاق غامضة حتى اليوم، ويعتبر من أبرز الصفقات الشائكة في تاريخ الثورة السورية، خاصةً أنه هجر الآلاف من مناطقهم من خمسة مدن سورية (مضايا، الزبداني، بقين، كفريا، الفوعة)، ودخلت فيه كل من إيران وقطر، أبرز الدول اللاعبة في الملف السوري، لغاية على الجانب الآخر، تمثلت بخروج مختطفين قطريين من العراق كانوا محتجزين لدى “حزب الله العراقي”، مقابل مبالغ مالية.
وأصرت إيران في مختلف عمليات التفاوض السياسية الخاصة بسوريا على إقحام كفريا والفوعة، وهددت مررًا بأن أي هجوم عسكري من قبل فصائل المعارضة على البلدتين سيكون ردها مماثلًا على مناطق سيطرة العارضة، ما جعلهما “شماعة” تستخدمها قوات الأسد والميليشيات المساندة لها لقصف إدلب، الخارجة عن سيطرة النظام، فمقابل كل صاروخ تطلقه المعارضة على البلدتين، كانت هناك غارات جوية تضرب المدينة وريفها القريب.
في عمق المحافظة
تقع بلدتا كفريا والفوعة في ريف إدلب الشمالي، وتبعدان عن مدينة إدلب من ستة إلى سبعة كيلومترات، ويصل بينهما طريق على مسافة كيلومترين فقط.
تحيط بهما كل من مدن: بنش، تفتناز، معرتمصرين، طعوم، رام حمدات، زردنا، ومن الجهة الجنوبية إدلب المدينة التي أدت السيطرة عليها، مطلع آذار 2015، إلى إطباق الحصار الكامل عليهما.
بلغ عدد سكان كفريا والفوعة قبل اندلاع الثورة السورية حوالي 50 ألف نسمة، بحسب إحصائية للنظام السوري، وتقلص فيما بعد إلى 21 ألف نسمة توزعوا بين الفوعة 13 ألف نسمة، وكفريا ثمانية آلاف نسمة.
وتتبع الفوعة إداريًا لناحية بنش، واعتاد سكانها، وهم من الطائفة الشيعية، على تسيير حياتهم من بنش بشكل كبير في السابق، لكنهم حرموا من دخولها مع انطلاق الثورة، لانحيازهم المباشر للنظام السوري، ما زاد من وتيرة استهداف بنش بمختلف أنواع الأسلحة، بشكل أكبر من باقي البلدات المجاورة.
تحظى البلدتان برمزية كبيرة عند موالي النظام السوري من الطائفة الشيعية، الذين يعتبرونها منطقة “مقاومة”، ويشيرون بذلك على الحصار المفروض عليها بشكل كامل من الفصائل العسكرية، وتصدي الميليشيات الموجودة فيها وخاصة “حزب الله”، للهجمات التي انسحبت نحوها بشكل متقطع، منذ فرض الحصار.
وبحسب إحصائية نشرها “حزب الله” عبر قناة “المنار”، في آذار 2017، قتل في البلدتين ما لا يقل عن 2210 بين مدني وعسكري، إلى جانب ثلاثة آلاف جريح لغاية نيسان 2017.
النظام السوري خارج المشهد
ابتعدت البلدتان منذ فرض الحصار عليهما عن اهتمام النظام السوري، لصالح إيران و”حزب الله” اللبناني، اللذان تصدرا المشهد في تداول الأمور المتعلقة بهما، خاصة في اتفاق “المدن الخمس”.
وفي آخر التصريحات الإيرانية، قال معاون وزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، إن ملف البلدتين هو من أولويات ايران خلال مباحثاتها السياسية حول الملف السوري، معربًا عن أسفه لتأثر هذا الملف بتعقيدات المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية لسوريا.
وما يؤكد على ذلك، حديث “هيئة تحرير الشام” في الاتفاق الحالي أن التواصل يتم بشكل مباشر مع الجانب الإيراني حول البلدتين، بعيدًا عن النظام السوري.
وبحسب بنود “سرية” من “المدن الخمس” التي وقعتها إيران وقطر في الدوحة أواخر آذار 2016، فإنها تشمل إطلاق سراح 26 قطريًا، اختطفوا في 16 كانون الأول 2015، قرب معسكر صحراوي على الحدود السعودية.
كما تنص البنود “السرية” التي سربتها وسائل إعلام عراقية إلى تكفل قطر بدفع مبالغ مالية كبيرة للجهات الخاطفة من جهة، وفصيلي “أحرار الشام” و”هيئة تحرير الشام” الموقعين على الاتفاق من جهة أخرى.
وتنص الاتفاقية على تفريغ مدينة الزبداني وبلدتي مضايا وبقين في ريف دمشق وبلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، إلى جانب إخلاء سبيل 1500 معتقل ومعتقلة من سجون النظام، الأمر الذي وصفه ناشطون أنه أبرز عملية تغيير ديموغرافي واضحة المعالم في سوريا.
هجمات دون سيطرة
حاولت فصائل المعارضة المنضوية في “جيش الفتح” سابقًا السيطرة على البلدتين، إلا أن جميع المحاولات فشلت، خاصة التي جرت في الفترة من تموز حتى أيلول 2015، إذ حاولت الفصائل حينها السيطرة على الصواغية ودير الزغب وبلدة الفوعة، وتمكنت من السيطرة على مساحات محدودة باتجاه الفوعة.
وتكررت المحاولات عقب الفترة المذكورة، مع قصف بصواريخ الغراد وراجمات الصوريخ، حتى تشرين الثاني 2015، فدخلت ضمن اتفاقية بين “جيش الفتح” وقوات الأسد، شملت الزبداني وبلدتي مضايا وبقين.
إلى جانب إدلب وبنش ومعرة مصرين، على أن تتوقف العمليات العسكرية في المناطق المذكورة، إلى جانب تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وإجلاء الحالات الطبية الحرجة، لكن ذلك الاتفاق، الذي رعته إيران وتركيا، بات هشًا وضعيفًا لدرجة الاختراق المتكرر، دون أي تغيير على خارطة السيطرة العسكرية.
ووجهت اتهامات لـ “هيئة تحرير الشام” على مدار السنوات الثلاث الماضية بمنع أي عمل عسكري للسيطرة على البلدتين، وذلك ضمن الاتفاق الموقع مع الجانب الإيراني.
وتستلم “الهيئة” معظم الجبهات العسكرية المحيطة بالفوعة وكفريا، ولم يُشهد لها أي معركة عقب الدخول في اتفاق “المدن الخمس”، خاصة بعد تقدم قوات الأسد في ريف إدلب الشرقي، مطلع 2018، والضغط العسكري الذي فرض على فصائل المعارضة حينها.
مرحلة جديدة لإدلب
بانتهاء ملف بلدتي كفريا والفوعة، تدخل إدلب مرحلة جديدة، فالتهديدات الإيرانية التي تكررت في السنوات الماضية لدخول المحافظة من المفترض أنها انتهت ضمن تفاهمات سياسية مع الجانبين الروسي والتركي، خاصة أن الإعلان عن الاتفاق جاء بعد أيام من اجتماع لرؤساء الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا) وأكد على مسار أستانة كحل رئيسي للملف السوري.
وربما يشير انتهاء اتفاق “المدن الخمس”، إلى تطور دولي يخص إدلب، التي باتت الحاضنة الكبرى للثورة السورية، والمعقل الوحيد الأبرز الذي استقبل قوافل المهجرين من بقية المدن السورية.
وترتبط مع المؤشرات السابقة الخطوات التي سعت لها تركيا في إدلب خلال الأشهر الماضية، سواء من نقاط المراقبة التسعة أو الهيكلية العسكرية التي تنوي رسمها من الفصائل العسكرية العاملة فيها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :