عنب بلدي – محمد حمص
باتت مراكز الإيواء التي افتتحتها قوات الأسد برعاية روسيا، خلال الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية مراكز “للاحتجاز” للمئات من الشباب الذين ينتظرون سَوقهم للخدمة العسكرية.
فيما بقيت المئات من العائلات تنتظر قرار الإفراج عنها، والعودة إلى بلداتها، وسط مصير ضبابي غير واضح المعالم.
مئات الشباب ينتظرون سَوقهم إلى خدمة العلم
وينتظر يوسف خطاب (اسم وهمي لأسباب أمنية) استكمال إجراءات تسويته التي “تأخرت كثيرًا”، بحسب وصفه، بسبب الازدحام الذي تعاني منه مراكز إيواء أهالي الغوطة الشرقية.
وقال يوسف لعنب بلدي إن المئات من الشباب ما زالوا في المراكز، وتمنع قوات الأسد خروجهم لأي سبب كان.
وعن مصير الشباب المحتجزين داخل مراكز الإيواء قال يوسف، إن القرار متخبط بين القائمين على مراكز الإيواء، وكل منهم “يجيب عن مصيرنا بطريقة مختلفة عن غيره”.
ولم تضع قوات الأسد موعدًا محددًا لانضمام المتخلفين والمنشقين للجيش، وإنما اكتفت بتسجيل بياناتهم وكلفت لجنة بمتابعة استخراج الأوراق الثبوتية لمن لا يحملونها، بحسب ما ذكر يوسف.
ولم تعرف الأعداد الحقيقية للشباب الذين خرجوا من غوطة دمشق عبر المعابر “الآمنة” التي فتحتها روسيا، لكن الأرقام التي صرحت بها وزارة الدفاع الروسية حول الأعداد الإجمالية للخارجين من الغوطة منذ هدنتها، في 18 من شباط الماضي، بلغت 144 ألف شخص.
مئات العائلات العالقة
وعلى الرغم من الوعود المستمرة من قوات الأسد للأهالي بإعادتهم إلى الغوطة الشرقية، لم تسمح سوى لأعداد قليلة وبشكل فردي بالعودة إلى مدنهم في سقبا وكفربطنا وعربين وزملكا، أي المناطق التي خضعت لاتفاق بين فصيل “فيلق الرحمن” وروسيا، وفق ما صرح مصدر مطلع، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.
وقال المصدر، إن القوات سمحت لبعض الذكور بالخروج تدريجيًا بحسب العمر، شرط ألا يكونوا مطلوبين للخدمتين الإلزامية أو الاحتياطية.
وتبدأ الأعمار من 65 عامًا ونزولًا حتى 40، إضافةً إلى السماح بخروج الأطفال دون 15 عامًا والنساء، شرط وجود كفيل للعائلة التي تود بالخروج من مراكز الإيواء.
وخرج معظم الأهالي باتجاه ضواحي العاصمة دمشق، لا سيما المناطق التي شهدت تسويات خلال الأعوام السابقة في برزة والتل، إضافةً إلى جرمانا.
وقالت أم أحمد، وهي امرأة في الأربعين من عمرها، من بلدة بيت سوا في الغوطة الشرقية، إنها استطاعت الخروج من مركز إيواء عدرا بعد 25 يومًا قضتها هناك، واصفةً وضع المراكز بالمزري بسبب الازدحام الشديد.
ولم تستطع أم أحمد الخروج حتى كفلها قريب لها، مضيفةً أنها لم تتمكن من استئجار منزل بسهولة، وتابعت، “الأسعار صادمة، لم أجد بيتًا بأقل من 50 ألف ليرة سورية” في ضاحية جرمانا شرق دمشق.
تسويات وتعهدات يوقّع عليها أهالي الغوطة
بدأت قوات الأسد بإجراء تسويات لجميع من غادروا الغوطة باتجاه مناطق سيطرتها في أثناء الحملة العسكرية، وخاصةً بعد الخروج الجماعي الذي شهده المعبر القريب من بلدة حمورية وسط الغوطة، 15 من آذار الماضي.
وتسلم القوات ثلاث أوراق فيها أسئلة تفصيلية عن المعلومات الشخصية، إضافةً إلى أسئلة حول ما إذا كان الشخص قد عمل مع أحد الفصائل العسكرية في المنطقة بحسب ما صرح مصدر مطلع، يقيم في مراكز الإيواء.
وأضاف المصدر لعنب بلدي أن أسئلة أخرى حول مقاتلين أجانب كانوا في الغوطة، أو إذا كان أحد على معرفة بأسماء مقاتلين.
وقال المصدر إن من ضمن الأوراق التي يوقع عليها الذين سووا أوضاعهم ورقة تعهد وفيها خمسة بنود.
وجاء في الوثيقة، التي تعتذر عنب بلدي عن عدم نشرها لأسباب أمنية، خمسة بنود، أولها “عدم إثارة الشغب أو التظاهر أو رفع الشعارات أو كتابتها أو التحريض عليها أو السكوت أو التستر على من يرتكبها أو يحرض عليها”.
وينص البند الثاني على “عدم تخريب أو تعطيل الممتلكات العامة والخاصة أو حمل السلاح أو حيازته أو شرائه أو الإتجار به أو تهريبه بأي شكل من الأشكال وبغض النظر عن نوعه أو مسماه”.
بينما يتعهد الموقع في البند الثالث بعدم الاعتداء بالقول أو الفعل على رجال الأمن والشرطة وعناصر الجيش، ويقر الموقع فيه على اطلاعه على العقوبات المترتبة في حال مخالفته.
منظمات لا تغطي مراكز الإيواء
يعيش الآلاف في عشرة مراكز للإيواء في دمشق وريفها، وسط ازدحام وعدم قدرة منظمات المجتمع المدني على مجاراة الحاجة اليومية للأهالي.
وتتابع اللجنة العليا للإغاثة التابعة لحكومة النظام السوري برامج إغاثة للقاطنين في المراكز، وتتولى تطبيقها ميدانيًا منظمة “الهلال الأحمر”، عبر جهات مانحة وهيئات المجتمع المدني.
وقالت صحيفة “الثورة” الحكومية في تقرير نشرته، منتصف آذار الماضي، إن معظم المنظمات والجمعيات لم تستطع الاستمرار في العمل بسبب طول المدة، رغم الدعم المقدم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وبحسب الصحيفة بلغ عدد الموظفين العاملين في المراكز أكثر من 700 موظف، وهم موظفو صندوق المعونة الاجتماعي، وكلف معهم نصف موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتلبية متطلبات المهجرين في المراكز.
وتقدر أعداد الأسر المهجرة داخليًا على امتداد سوريا بـ 671 ألف أسرة أي ما يعادل 2.3 مليون مواطن هجر من مسكنه إلى مسكن آخر بنفس المحافظة أو إلى محافظات أخرى.
بينما هناك 572 ألفًا من هذه الأسر بقيت ضمن المحافظة الواحدة، حيث تم احتواؤها من ذويها وأصدقائها، وفق أرقام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وفي ظل غياب الأرقام الرسمية عن أعداد الشباب المحتجزين في مراكز الإيواء للزج بهم في الخدمة العسكرية، تبقى مئات العائلات تنتظر أن يفي النظام بوعوده ويعيدهم إلى بلداتهم.