محمد رشدي شربجي
تجربة الربيع العربي أثبتت أن مسار الثورات يحكمه عامل أساسي، هو موقف الجيش من المظاهرات، ففي حين اتخذ الجيش التونسي موقفًا أخلاقيًا إلى جانب المظاهرات، وكذا فعل الجيش المصري فيما بدا حينها، تعرض الجيش الليبي واليمني للانشقاق، فذهبت وحدات عسكرية مع الثوار وأخرى مع النظام. كانت الحالة السورية -ويا لحظنا العاثر- استثناءً من كل هذا، فالنظام استطاع على مدى عقود تعيين كبار الضباط من العلويين، وبذلك ضمن ولاء الجيش المطلق له.
إلا أن ما حدث هنا كان تحللًا بطيئًا لوحدات الجيش، تمثل بحالات انشقاق فردية محفوفة بالمخاطر ينفذها رجال شجعان، قرروا خوض غمار هذه التجربة لأنهم رفضوا إطلاق النار على شعبهم، من هؤلاء كان النقيب سعيد نقرش (أبو جمال).
انشق ابن مدينة الضمير، النقيب أبو جمال، عن جيش الأسد في 2012، وعلى عكس الكثيرين من المنشقين الذي فضلوا اللجوء إلى مجتمعاتهم المحلية، انضم النقيب إلى الثورة في مدينة داريا ليمضي فيها كل سنوات الحصار وليصنع مع آخرين، منهم أبو جعفر ابن مدينة حمص رحمه الله، من خلال قيادته للواء “شهداء الإسلام” تجربة مدينة داريا الفريدة، في مرحلتها السلمية ثم مرحلتها المسلحة.
بعد الخروج من مدينة داريا شارك في مفاوضات أستانه مع آخرين، وبغض النظر عن تقييمنا السياسي لهذه المفاوضات وجدواها، إلا أنني واثق أن “أبو جمال” شارك فيها بنية حسنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن ضاع أي أمل لنا في البقاء على وجه الأرض السورية.
لقد أظهرت تجربة الربيع العربي أن للشعوب العربية عدوّين، الأنظمة الوظيفية المفروضة على الشعب من قوى خارجية، والقوى السلفية وبالأخص منها الجهادية التي حولت حياة هذه الشعوب لجحيم لا يطاق.
في الأسبوع الماضي، اعتقلت جبهة النصرة النقيب أبو جمال في أثناء زيارته لأقاربه المهجرين من مدينة الضمير في إطار حملة تستهدف ناشطي مدينة داريا، وكعادة من أحسن نظام الأسد تربيته، تنكر جبهة النصرة هذا الاعتقال وتحيله لمجهولين. هي في الحقيقة تعاقبه نيابة عن الأسد لأنه انشق عن النظام.
أهل السنة في سوريا هم أتعس أهل الأرض على الإطلاق، تتخطفهم الدول ولا تستقبلهم حتى الملاجئ أو المخيمات، حتى من يتطرف منهم ويصيبه الجنون -وكل ما في الأرض يدعو لذلك- فإن السنة هم أول من يصب عليهم جام غضبه وحقده، يا لحظنا العاثر، حماك الله يا ابن الضمير من عديمي الضمير.