الكتّاب السوريون في مواجهة الحرب و”الانفصال الاجتماعي”

  • 2018/04/29
  • 12:26 ص

معرض الكتاب الدولي في دمشق- آب 2017 (وكالة تسنيم)

عنب بلدي – رهام الأسعد

يعيش الكاتب السوري مراحل متخبطة المعالم، ما قبل 2011 وما بعدها، بحثًا عن تأثير ضمن ظروف فرضت عليه الاصطفاف السياسي ودخول دوامة جارفة من الصراع السياسي والثقافي والعرقي والذي لم يكن يومًا بعيدًا عنه، حين تعدى نسبيًا مرحلة تقييد الحريات ومحاباة الحاكم ليواجه قيودًا من نوع آخر فرضها المهجر والتوجهات السياسية والعرقية المهيمنة.

عقود طويلة من تقييد الحريات وكم الأفواه تلتها سنوات من الحرب والصراع في سوريا، كشفت هشاشة في تأثير الثقافة السورية، وعدم جهوزية الكاتب السوري للنأي بنفسه عن التبعية، وفقًا للكاتب السوري ممدوح عزام، حين قال في إحدى مدوناته: إن الثقافة العربية عمومًا تعرضت في زمن “الربيع العربي” لخضّة عميقة كشفت هشاشتها وضعفها ولا مبدئيتها العاجزة.

ولكن، أين أصبح الكاتب السوري في وقت علا فيها صوت الدم على صوت الفكر؟ وهل فعلًا مطلوب منه إحداث تأثير في ظل الجرف الحاصل بالبلد؟

صراعات “مزقت” الكاتب السوري

لا يمكن التغاضي عن حالات استثنائية انفرد بها الكاتب السوري قبل عام 2011، حين ألمحت أقلامه إلى استبداد الحاكم ومظلومية المحكوم، ولعل كتابات محمد الماغوط وسعد الله ونوس كانت الأبرز في ذلك الزمن، في حين اختار آخرون أن يكونوا أبواقًا ناطقة.

أما مرحلة ما بعد الثورة السورية، والتي أنتجت فرزًا حادًا للكتّاب السوريين، فزادت مسؤولية كل منهم، مواجهين تحديات في إثبات الجدارة ضمن هامش حرية خرج به الكاتب السوري عن جغرافية الملاحقات الأمنية، تلك الجدارة التي أصبحت مسألة جدلية من قبل النقاد حين وضعوا الكتّاب السوريين تحت مجهر المحاسبة بغض النظر عن حداثة التجربة والظروف الاستثنائية التي قد لا تكون مواتية لهم.

الكاتب السوري أحمد عمر يرى أن تأثير الكاتب السوري أصبح ضعيفًا جدًا في زمن الحرب، مرجعًا الأمر إلى أسباب عدة أهمها انفجار العولمة والظروف الراهنة التي يمر بها العالم ككل، رافضًا التغاضي عن ظروف الأزمة السورية التي دمرت تأثير الكاتب، معتبرًا أنه لو وجد في هذه الظروف كبار كتاب التاريخ لما برزوا.

عمر أضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن صراع الطوائف والأحزاب في سوريا مزق الكاتب السوري، ودخل مرحلة أبعد من الاصطفاف، ما أفقده مصداقيته بالنسبة للقارئ، معتبرًا أن هامش الحرية الذي حصل عليه الكاتب، خاصة في المنفى، “غير نافع”، لأن الذين يقولون آراءهم كثر وبعضهم صدّرهم الإعلام الدعائي والتلفزيوني، حسبما قال.

وتابع، “الكاتب هو إنسان له فكره ورأيه، ويفترض أن يؤدي دوره ككاتب، ولا يجب محاسبته على التأثير لأن الظروف المحيطة غير مواتية”.

أما الكاتب السوري خطيب بدلة، فيرى أن كتّاب سوريا ما زالوا يملكون فرصًا لفرض تأثيرهم رغم كل الظروف، منبهًا إلى أن المثقف السوري في حال خرج عن إطار التأثير ومخاطبة الشعب فإن مؤثرات أخرى “غيبية وخرافية” ستحل مكانه.

بدلة، تحدث لعنب بلدي عن قيود السلطة الحاكمة في سوريا، منذ ستينيات القرن الماضي، والتي فرضت على الكاتب السوري الصمت في غالب الأحيان، واللجوء إلى الترميز لتوسيع الهامش، مشيرًا إلى أن الوضع اختلف بعد الثورة السورية مع تحرر الكتّاب من القيود نسبيًا، وهنا اعتبر بدلة أن الكاتب مطالب بالتأثير وتسخير هامش الحرية لمصلحته، وأضاف “أهم كتاباتي كتبتها بعد خروجي من سوريا”.

وعن الاصطفاف السياسي، قال خطيب بدلة إن الثورة أنتجت ثلاث فئات من الكتّاب، منهم من فضل البقاء تحت إمرة النظام السوري ملتزمًا بأيديولوجيته وما يمليه عليه، واعتبر أن هذه الفئة فقدت ثقة الجمهور، ومنهم من تحدث باسم الثورة واستطاع كسب ثقة الناس في البداية، ومنهم من يخاطب الشريحة الصامتة في المجتمع السوري، مشيرًا إلى أن هذه الشريحة مهمة جدًا ويمكن التأثير فيها ويجب أن يتوجه لها الكاتب، لأنها ليست مسيسة ولم يكن لديها رغبة بدخول دوامة الصراع السياسي، من وجهة نظره.

حين غابت الخصوصية وحضرت “التغريدة”

بعيدًا عن السياسة، تطرق الكاتب أحمد عمر، الذي يعيش في ألمانيا، إلى عوامل أخرى أضعفت تأثير الكاتب السوري، ومن بينها مواقع التواصل الاجتماعي و”البوست القصير” و”التغريدة”، وأضاف “أصبح كل الناس كتّابًا عبر مواقع (الانفصال) الاجتماعي، تم تعويم كل شيء، ولم يعد هناك شخصية مؤثرة وسط غياب خصوصية الفكر والآراء الأدبية”.

واعتبر عمر أن معايير قياس أثر الكاتب السوري اختلفت في عصر “اللايك”، إذ غالبًا يقاس نجاحه وتأثيره في القارئ من عدد “اللايكات” التي تحصدها مقالاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن أهم المقالات الفكرية لا تحصد “خمسة لايكات”.

وأضاف، “الكاتب لا يأخذ فرصته في عصر الخبر والمعلومة السريعة والفكاهات، عندما أكتب موضوعًا فكريًا معمقًا لا أحد يقرأه، لأن معظم الناس لا يملكون الوقت والصبر لقراءة 500 كلمة، كونهم أصبحوا يهتمون بالأخبار السريعة التي تخص يومهم فقط وتسلط الضوء على آخر ما يحدث في المشهد السوري”.

وبهذه المسوغات يكون الكاتب السوري تحرر من المساءلة، التي قيدته بالحالة السورية، في ظل تفاقم مشكلة عالمية طالت كبار كتّاب العالم بعهد “السوشال ميديا”، ورصدتها كبرى دراسات وبحوث العالم.

إذ تبنت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالًا للكاتب أندرو أوهوجان، نشر في آب 2017، قال فيه إن وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن قتل الرواية تدريجيًا، ومحو وجود وتأثير الكاتب والروائي في حياة الناس.

رابطة الكتاب السوريين.. فسحة للتعبير دون أقفال

وسط الحديث عن صعوبات وعوائق في تنظم شؤون الكتّاب والمثقفين في سوريا، تجمّع كتّاب سوريون تحت منصة مؤسساتية ولدت في خضم ظروف سياسية وأمنية لم تكن مواتية، فجمعت تحت سقفها نخبة من كتاب سوريا “الأحرار” ومن في حكمهم من شعراء وأدباء ومفكرين، وجدوا فيما يسمى “رابطة الكتاب السوريين” فسحة للتعبير عن آرائهم دون أقفال.

“رابطة الكتاب السوريين أول وليد ديمقراطي للثورة”، هكذا وصفها الشاعر السوري نوري الجراح، أبرز مؤسسي الرابطة، في أحد لقاءاته مع صحيفة “دويتشه فيله” الألمانية، مشيرًا إلى أن “دم الشعب السوري” هو من نادى نخبة من المثقفين السوريين إلى الانتساب للرابطة مسخرين أقلامهم في نقل الواقع السوري وتصويره ضمن إطار أدبي.

تأسست رابطة الكتاب السوريين في أيلول 2012، لتمهد الطريق أمام رابطات نقابية وسياسية ومهنية أخرى، ومنها “رابطة الصحفيين السوريين” و”تجمع التشكيليين السوريين” و”رابطة المرأة السورية” وغيرها.

حسام الدين محمد، نائب رئيس رابطة الكتاب، قال لعنب بلدي إن وجود مؤسسة كبيرة تجمع الكتّاب السوريين أمر مهم في هذه المرحلة، تكون جسمًا ديمقراطيًا يعبر عن إيمان الكتّاب السوريين بوطنية موحدة، حسبما قال.

تضم الرابطة حاليًا 376 عضوًا، بينهم نخبة من الكتّاب والمثقفين السوريين ومنهم إبراهيم الجبين وخلدون النبواني وبرهان غليون وديمة ونوس وابتسام تريسي وواحة الراهب وخطيب بدلة وأحمد عمر، ويعتبر الراحل صادق جلال العظم أحد أكبر مؤسسي الرابطة حين اختير رئيسًا لها عام 2012.

وينتسب إلى الرابطة كتاب من داخل سوريا، وحتى من مناطق سيطرة النظام السوري، ولكن أسماءهم لا تظهر بشكل علني، بناء على طلبهم، وذلك لحمايتهم من أي إجراءات “قمعية” قد يتخذها النظام بحقهم.

تعتبر “رابطة الكتاب السوريين” أن مقرها الافتراضي هو في العاصمة السورية دمشق، ويمثلها أعضاؤها في جميع أنحاء العالم، كما أن لها مكتبًا في لندن يدير مجلة “أوراق” المنبثقة عنها.

وتقسم الرابطة إلى اختصاصات عدة أهمها الأمانة العضوية ورئاسة تحرير مجلة “أوراق” وموقع إلكتروني مخصص لها، فضلًا عن إدارة “جائزة رابطة الكتاب السوريين للإبداع الأدبي”.

إلا أنه، وفي ضوء ذلك، واجهت الرابطة عقبات عدة اعتبرها نائب رئيس الرابطة انعكاسًا للصعوبات التي يعانيها السوريون جميعًا، مشيرًا إلى صعوبات مالية تواجهها، كونها تطبع مجلة ورقية ولديها موقع إلكتروني، وقد أعلنت مؤخرًا عن جوائز لمسابقة “كتاب القصة القصيرة”.

فيما تحدث الكاتب أحمد عمر، عضو المكتب التنفيذي في رابطة الكتاب، عن مشكلة ذات طبيعة سياسية، أدت إلى انفصال عدد من الأعضاء عن الرابطة، قبل عامين، على أرضية اختلاف سياسي، فضلًا عن صراع الآراء والقوميات داخلها.

وأضاف أن الرابطة حتى الآن لم تستطع بلوغ التأثير المطلوب، وبصمتها “هشة جدًا” في مجال الثقافة السورية، متحدثًا عن غياب الدعم المالي للأعضاء المنتسبين إليها، فضلًا عن أن مجلتها تصدر بشكل فصلي وليس شهريًا.

الكاتب خطيب بدلة، الذي كان من مؤسسي الرابطة، اعتبر أن وجود مؤسسة تجمع الكتاب السوريين أمر بغاية الأهمية، واصفًا إياها بأنها “تمثل الجانب النظيف من أدب الثورة”، رغم وجود عوائق عدة تمنع وصول تأثيرها للجمهور السوري، وأضاف “تأثيرها سوف يكبر في المستقبل”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع