عنب بلدي – العدد 143 – الأحد 16/11/2014
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأربعاء 12 تشرين الثاني في بيان له عن عزمه إصدار عملة معدنية مصنوعة من الذهب والفضة والنحاس، وأرفق البيان بملحق يوضح صورًا للعملة الجديدة، التي انقسمت إلى 3 فئات، وفق قيم ورموز لكل فئة، تماشيًا مع العملة التي كانت تتداول في زمن الدولتين الأموية والعباسية.
وأشار بيان ديوان بيت المال في «الدولة الإسلامية» أنه سيتم سك العملة من معادن الذهب والفضة والنحاس، وعلى عدة فئات، وستصدر عدة تعميمات من ديوان بيت المال تنظم عملية السك وطريقة استحصال هذه النقود وقيمتها والعلاقة بين فئاتها المختلفة وكيفية التعامل معها.
ولكن ما هو مدى وواقعية تطبيق نظام نقدي يعتمد على العملة المعدنية من الذهب والفضة في الوقت الحالي.
سنناقش في هذا المقال مفهوم نظام النقد الذهبي، وما هي عيوبه ومزاياه، ثم نتطرق في العدد القادم إلى مدى إمكانية وواقعية ونجاح تنظيم الدولة الإسلامية بتطبيق نظام نقدي معدني يعتمد على الذهب والفضة.
يقوم النظام النقدي الذهبي على سك النقود المعدنية المصنوعة من الذهب والفضة، حيث يتم سكها بوزن محدد من المعدنين، ويتحدد على أساسه سعر صرف عملة دولة ما مقابل عملات الدول الأخرى، فمثلًا إذا كانت الليرة السورية تحتوي على 4 غرام من الذهب والدولار يحتوي على 2 غرام من الذهب، فإن كل ليرة واحدة تساوي 2 دولار، وهذا السعر ثابت لا يمكن أن يتغير لارتباطه بالوزن الذهبي للعملة، ولا يمكن لقوى العرض والطلب على العملة أن تتحكم بارتفاع او انخفاض سعر الصرف.
ففي النظام النقدي الذهبي يرتبط عرض النقود وأسعار الصرف ومعدل التضخم ومعدل النمو الاقتصادي وحجم مديونية الحكومة بشكل أساسي بكمية الذهب الموجودة لدى الدولة، وبمدى قدرتها على الحصول على مزيد من الذهب الضروري لزيادة عرض النقود، لمواكبة زيادة النشاط الاقتصادي وارتفاع معدل النمو.
إن ربط كافة المتغيرات الاقتصادية بالذهب يحقق مجموعة من المزايا على مستوى الاقتصاد المحلي وعلى مستوى الاقتصاد الدولي، فيمكن للدولة الحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار، ومنع حدوث التضخم والحفاظ على القوة الشرائية للعملة. ويرجع السبب لمحدودية قدرة الدولة على إصدار مزيد من النقود دون توافر الرصيد الذهبي الكامل لها. ويحقق النظام النقدي الذهبي نوعًا من الاستقرار على مستوى التجارة الدولية نتيجة أسعار الصرف الثابتة بين جميع العملات، إذ لا يمكن لأي دولة التلاعب بسعر صرف عملتها لتحقيق مزايا تجارية على حساب الدول الأخرى.
ولكن مقابل هذه المزايا فإن هناك العديد من العيوب الناجمة عن النظام النقدي الذهبي، تتمثل بصعوبة حمل ونقل الأفراد للنقود المعدينة ذات الوزن الثقيل. وفقدان النقود المعدنية لجزء من وزنها نتيجة تداولها بين أيدي الناس، مما يسبب نقصان وزن العملة وضياع جزء من الرصيد الذهبي للدولة. ومن أهم العيوب انكماش وتراجع النشاط الاقتصادي داخل الدولة بسبب عدم قدرة الدولة على زيادة العرض النقدي في حال عدم امتلاك الرصيد الذهبي الكافي لذلك. بالإضافة إلى عدم استقرار أسعار الذهب على المستوى العالمي نتيجة المضاربات على الذهب في الأسواق العالمية، ما قد يسبب خللًا بأسعار الصرف وقيام الناس بصهر العملة الذهبية وتحويلها إلى معدن وبيعها في الأسواق كسلعة.
ترتبط هذه المزايا والعيوب بنظام نقدي ذهبي عالمي تتبعه جميع دول العالم، ولكن في حال قيام دولة واحدة فقط كتنظيم «داعش» بتطبيقه فإن الصعوبات والقيود تصبح أكثر وربما يجعل من الفكرة غير قابلة للتطبيق وهذا ما سنتابعه في مقال العدد القادم.