من «سندويشة الفلافل» إلى «الآي فون» .. مراهقات على خصور العساكر في دمشق
هبة الأحمد – ريف دمشق
أفرز الحال السوري المريع، المستعصي، والعصي على الفهم ظواهر عديدة هجينة على دمشق وأهلها، من أبرزها ظاهرة العساكر الذين يحتلون الشوارع بذريعة حفظ الأمن، ويتجولون ببدلات مموهة وذقون طويلة وسواعد مفتولة ووشوم على الأيدي ورشاشات على الأكتاف، وإلى جانبهم تسير فتيات مراهقات يلطخن وجوههن بمستحضرات تجميل رخيصة، ويزرعن الأسواق والأماكن العامة والحدائق والجامعات كغانيات صغيرات يتوددن لهؤلاء الجنود الذين ما كنَ ليلتفتن إلى دمامتهم لولا طلاوة السلاح وأثر المال في ترويض كل عسير، وهؤلاء معًا صاروا جوقات من مئات العشاق الذين يعمرون ليل دمشق.
هم ليسوا عشاقًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، يمكن أن نسميهم الراضون بالوصل المتاح والباحثون عن متع مبتكرة لا ينفقون عليها ألمًا من شدة الحب، ولا دمعًا في انتظار الحبيب، هو عشق ابتدعه هذا الجيل على مقاس الظروف غير الطبيعية التي يحياها وطوّعه لهذا الواقع الهجين الذي يحيطه ويحسب آنه آني، دفعتهم لذلك فوضى الحياة وغياب الرقيب وضبابية المستقبل في ظل الأوضاع المتدهورة والتشرد وتفكك الأسر والعلاقات، وندرة الفتيان والشبان العاديين.
هؤلاء الفتيات أنفسهن اللواتي كن يتجنبن الشبان السوريين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية في الجيش، وينفرون ويشمئزون من روائحهم ويبتعدون عنهم، أصبحن يتقصدن أن تتلاصق أجسامهن وتتحسس أجسام الجنود وعناصر جيش الدفاع الوطني في الباصات والحدائق والجامعات كي يحظين بعلاقة معهم، ولو كانت عابرة، وأصبحت هذه العلاقات ضرورة تسعى خلفها الفتيات كنوع من «البريستيج» والموضة.
وللإعلام الذي يركز كثيرًا على الإشادة بـ «جيش الوطن» دوره الكبير غير الخفي في هذا التحول الكبير من ازدراء الجنود في نظر الفتيات إلى تصويرهم كأبطال وفرسان الأحلام، وأغنية «يا ريتني عسكري» مثال جيد على ذلك.
تتوزع الفتيات ليلًا من الحدائق إلى الشوارع للقاء رفاق الليل، تسرعن مستترات بالعتمة بثياب وعطور وألوان فاقعة غريبة باتت مألوفة وطبيعية، ككل ما يتكرر فيؤلف، ليمارسوا حبًا عربونه أن تطلب البنت ما تشاء من «سندويشة الفلافل» إلى تعبئة الرصيد ولا تنتهي عند جهاز «آي فون» حديث.
وهذا الواقع يُسعد العساكر ويجدون فيه متنفسًا عن الغربة القسرية التي فرضها عليهم واقع التجنيد الإجباري ومدته الطويلة، ويزيد غرائزهم تأججًا، وفي هذا تقول لبنى وهي طالبة في المعهد الطبي في دمشق «الشاب المجنّد أكثر إلحاحًا ووقاحة من غيره، وماذا يسع الفتاة أن تفعل في دمشق غير أن تصدع صاغرة ذليلة للتعايش مع أمزجة عناصر الحواجز العسكرية والأمنية المنتشرة بكثافة فلكية في شوارع المدينة كلها؟».
أما نور وهي طالبة فنون جميلة فتقول «لا أحد يجبر الفتيات على ذلك، وكل شيء يحدث بإرادتهن» وتضيف متسائلة «وما الغريب في مصاحبة الفتيات للجنود إن كان هذا الموجود، فكل شباب البلد إما مسافر أو من العساكر».
تمتد هذه الظاهرة لتشمل دمشق بكاملها، لكن يمكن ملاحظتها بكثافة أكبر في حي الصالحية، ومنطقة «المزة» التي تزدحم بدبيب الشبيحة والمجندين، وخصوصًا في ناحيتها المسماة «مزة 86»،وتتفاقم إلى جانب السكن الجامعي الذي سبق له أن شهد نوعًا من هذه العلاقات والتحرشات من قبل الحرس لطالبات السكن الجامعي، فقد نشرت «سيريا نيوز» في عام 2007 تقريرًا عن تحرش عناصر المدينة الجامعية بطالباتها ونقلت عن الدكتور جمال عباس أمين فرع جامعة دمشق تصريحه بخصوص ذلك والذي يقول فيه «كل البنات في المدينة الجامعية هن بناتنا» وأضاف «تم اقتراح استبدال الحرس في المدينة الجامعية بموظفين مدنيين وأجريت مسابقة لهذه الغاية لكنها توقفت». ومازالت متوقفة من حينها، بل ازدادت وتفاقمت.
ورغم أن كل هذا كان يجري قبل الثورة في سوريا، لكنه كان يحدث في الخفاء وفي نطاق محدود، غير أنه صار اليوم في العلن غير مقتصرٍ على فتيات الأرياف و “الضيع”، كطريقة عيشٍ لجيل كامل، دون خوف أو حساب لرجال الأمن أو الحرس.. لأن حاميها حراميها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :