عنب بلدي – العدد 143 – الأحد 16/11/2014
مخطئ من يظن أن الثورة باطل وضلال؛ لأنّها أدت إلى هذا الدمار الواسع. في الحقيقة إنّ المسؤول عن الدمار هو الطغيان. الثورة لم تصنع الشروخ الاجتماعية، الشروخ كانت موجودة. الثورة كشفت عنها وأظهرتها، فرأت المرأة نفسها ضعيفة، وشهدت، أيضًا، ضعف رَجُلها وضعف مجتمعها. في خضم حرب ذات متناقضات اجتماعية وأخلاقيّة وسياسية كبيرة جدًا، تفرض على المرأة البحث عن النجاة وإيجاد حلول لمواجهة شراسة الموت والحياة.
ليس المخرج سهلًا، هناك نساء عرفن الطريق، وهناك نساء ضيعن الطريق وضعن في المتاهة. ومع ذلك يبقى الخطر في أن تكون المرأة جزءًا من تعميق الشروخ الاجتماعية والفكرية وتوسيع مساحة الخراب عندما تتحوّل أولوياتها إلى حرب مع الهوية والتاريخ، بدل أن تكون حربها مع الجهل والاستبداد والنظام السياسي الباطش.
اللواتي يتعاونّ في مشروع تفتيت الهوية ومكونات الذات التاريخية هنّ في الموقع المضاد للحرية والحق؛ فقد يؤذين المجتمع جدًا تحت مسميات «الحداثة المغلوطة والحرية المزيفة والحقوق المنقوصة المجزوءة»، بما يخدم مصالح النظام الفاسد وأعوانه ويدعم منظومة تمزيق الأمة وإذكاء الصراعات. أما اللواتي يتعاونّ بوعي وعمق ضد الاستبداد والقهر والذل والتبعية والتهميش والجهل؛ فهنّ على صواب، سيأخذن المبادرة للقيادة وتحقيق الحرية والعدل والسلم الأهلي والتآلف المنصف وترميم الهوية.
عندما صمدت المرأة السورية على الأرض في مواجهة عنف شديد ووحشي مارسه نظام الأسد وعصاباته وشبيحته، بالاغتصاب والتعذيب والاعتداء والاعتقال والقتل والتشريد، وبذبح أطفالها وقتل رجالها وتجويعها وإذلالها واستغلال أمومتها، فإنها كانت تقدم أمثلة في الصمود والتفاني والإخلاص لمشروع وطني سياسي إنساني نهضوي. حملت ثقله وقاومت مصابها وانتهاكات شديدة، ذات تأثير مدمّر في مجتمع رجعي، لا يجد مانعًا في التعدي على المرأة باسم العرض والشرف وباسم العائلة والأخلاق والعار، والمطلوب منها الآن أن تصمد لتسهم بدورها المنشود في بناء الذات والأمة واحتواء زلزال التهاوي.
عندما نجحت في الصمود داخل المعركة والتغلب على التحريض ضد عملها الثوري بتحريم خروجها في المظاهرات والمسيرات تحت مفاهيم دينية ضيقة، مستمدة من ثقافات جاهلة قاصرة؛ كعدم مخالفة ولي الأمر ووجوب طاعته، وكقوانين المكروه والمحرم، وكمفهوم درء الأذى والحفاظ على الأعراض والشرف وتجنّب المفاسد، لأن السلامة وحماية المصالح هما الأساس (مصالح الذكوريّة السياسية والاجتماعيّة)، ومثل لزوم البيت صونًا للشرف وتجنبًا للمعاصي. صمود المرأة في الثورة جعلها في قلب الحراك النهضوي والثوري التحرري، ودفعها للإنتاج والعمل من أجل العيش بكرامة وإعانة الأسرة ضمن الظروف القاهرة في الحصار والقتل والتجويع والتهميش، لتواجه أشد المعارك شراسة في تقييدها وكبح أدائها الثوري وإسقاطها بهدف إضعاف الثورة وإسقاط مشروعيتها.
صحيح أن فصولًا جديدة من المجزرة والفساد انفتحت على الثورة تحت منطلقات طائفية وعنصرية وعرقية، وعقائديّة، كان ومازال يؤسس لها النظام لأسدي، وينشرها مستندًا إلى البلطجة العسكرية والأمنية لكي يحسم الواقع لصالحه وصالح مشروع أكبر هو تقسيم المجتمع وتفتيته؛ لكنّ زمن التراجع إلى الوراء انتهى. الثورة تتقدّم رغم الجحيم الدموي والفوضوي المرافق لها نحو الحرية؛ لأن هدفها الحريّة. الشعب كسر الخوف، والمرأة تخلع عنها نقصها وضعفها وستنجح في العمل على إزاحة المفاهيم المتعلقة بالعجز والضعف والتمييز، قانونيًا، وثقافيًّا واجتماعيًّا، والانتفاض على موروث الدولة الاستبدادية القمعيّة.
المرأة في الثورة قوة، وهي تمد مشروعها التحرري الذاتي والاجتماعي والوطني والإنساني بطاقة هائلة تدفعها وتدفع مجتمعها نحو النصر ومدى تاريخ جديد أفضل.