المجلس المحلي لمدينة داريا تجربة رائدة تتجاوز الحصار
عنب بلدي
يعتبر المجلس المحلي لمدينة داريا من أبرز المجالس على مستوى سوريا وأكثرها تنظيمًا وتميزًا، وذلك بحسب مسؤولين في وزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة بالإضافة إلى نشطاء وإعلاميين ومنظمات دولية، وهو ما أكده استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها على الفيسوك مؤخرًا حول المجالس المحلية.
وقد ساهم المجلس في داريا بنسبة كبيرة في تنظيم الأنشطة المدنية والعسكرية في المدينة المحاصرة منذ سنتين؛ وتميز بكون القرار العسكري فيها تابعًا للإدارة المدنية وليس العكس.
-
تأسيس المجلس
تأسس المجلس المحلي لمدينة داريا في 17 تشرين الأول 2012، بعد مجزرة داريا الكبرى التي نفذها الأسد أواخر آب من نفس العام. وجاء تأسيسه بهدف تنظيم العمل الثوري والنشاطات المدنية وضبط العمل العسكري، بالإضافة إلى توحيد التنسيقيتين اللتين بدأتا نشاطهما مطلع الثورة، تنسيقية لجان التنسيق المحلية مع تنسيقية إسقاط النظام، واللتان تمثلان تيارين أساسيين في المدينة.
وقد شكلت المجلس لجنة من الحكماء مؤلفة من 5 أشخاص، دعت الطرفين ووجهاء من المدينة وبعض المختصين لإجراء الانتخابات وتحديد المكاتب الأساسية.
وقبل أن يشتد عود المجلس بدأ الأسد حملة عسكرية واسعة لاقتحام المدينة من عدة محاور في 13 تشرين الثاني 2012، لتبدأ عملية النزوح القسري للأهالي.
-
هيكلية المجلس
يتألف المجلس من مكتب تنفيذي وثمانية مكاتب متخصصة وهيئة تشريعية وهيئة عامة، ويضم رئاسة المجلس، التي تتكون من الرئيس ونائبه وأمين السر، بالإضافة إلى مدراء المكاتب و3 ممثلين عن المكتب العسكري.
أما المكاتب الثمانية التي تفرزها الهيئة العامة، فهي مكتب العلاقات العامة، الطبي، الإغاثي، الإعلامي، الخدمات، القانوني، العسكري، المالي، وذلك بعد تجميد مكتبي الحراك السلمي ولجان الأحياء نظرًا لتحول المدينة إلى منطقة عسكرية.
وتنظم الانتخابات كل 6 أشهر إلا في حال وجود طارئ أمني، على أن يحصل المكتب التنفيذي على تجديد الثقة من الهيئة التشريعية في منتصف الدورة الانتخابية بأكثر من نصف الأصوات، كما جاء في النظام الداخلي للمجلس.
ويقول طارق جابر ممثل المجلس المحلي في تركيا، إن المجلس أشبه بـ «حكومة حرب مصغرة، يجب أن تحقق الأولويات، كالحفاظ على حياة من بقي وتأمين مستلزمات الحياة الأساسية وخدمة الثوار، مقاتلي الحرية»، ولفت إلى أن منظمات المجتمع المدني غير الربحية «تنظر باحترام» إلى عمل مجلس داريا، كون «المكتب العسكري ملحق بالقرار المدني»، مؤكدًا على أن «الانطلاقة كانت سلمية والعسكرة خادم للسلطة المدنية وليس العكس».
-
الإغاثة تتحول إلى تنمية
قبل الحملة المستمرة منذ سنتين، كان المكتب الإغاثي يعيل عائلات 1300 شهيد وألف معتقل، وقسمًا من أهل حمص النازحين إلى المدينة، لكن بعد الحملة نزح حوالي 230 ألفًا من سكان داريا.
وقد قدم المكتب مساعدات دورية لحوالي 18 ألف عائلة مسجلة، بحسب أبي أحمد، الذي أدار المكتب لدورتين سابقتين، كما أسس 18 لجنة إغاثية تعمل في 40 مدينة نزح إليها سكان داريا، في حين يقوم بتقديم وجبة طعام يومية لكل سكان المدينة المحاصرين.
وبدأ عمل المكتب بخطة قصيرة المدى، على أساس السلل الإغاثية، لكن الفترة الزمنية الطويلة دفعت إلى الانتقال نحو المشاريع التنموية، إذ نفذ مشروعًا زراعيًا لكسر الحصار السنة الماضية، ويقترح دوريًا مشاريع تنموية على المنظمات الداعمة.
وقد فقد المكتب 6 شهداء بينهم مديره السابق أحمد شحادة، واعتقل 33 شخصًا من أعضائه أثناء قيامهم بأعمالهم الإنسانية.
-
انتقادات من النازحين
وحول النقد الذي يوجه للمجلس بخصوص الإغاثة وتوجيهها لفئات دون أخرى، يقول ممثل المجلس إن المكتب الإغاثي يتعامل مع ثلاث حلقات من المتضررين: الحلقة الأصغر داريا المحاصرة ومن بقي فيها، وحلقة النازحين في دمشق وأريافها، وحلقة اللاجئين إلى دول الجوار ومصر.
وأشار إلى أن المكتب الإغاثي «يلتزم دائمًا بتوصيات المانح، وعلى سبيل المثال، أحد المتبرعين بأضاحي العيد، طلب تخصيصها للمحاصرين». في حين «تتحفظ أغلب المنظمات غير الربحية تجاه دفع مبالغ في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، مع أن العدد الأكبر من النازحين، إما محاصرون من قبل النظام أو في مناطق تحت سيطرته بشكل كامل، علمًا أن تحويل المبالغ يقع ضمن دائرة المسؤولية الكاملة للمجلس».
أما اللاجئون في البلدان المجاورة فتقول المنظمات إن ذلك من مهام مفوضية الأمم المتحدة للاجئين «طبعًا هذا صحيح لكنه ليس دقيق، لأن شريحة كبيرة من هؤلاء اللاجئين لا يتلقون دعمًا»، كما يقول طارق ممثل المجلس.
ويعمل المكتب حاليًا على إنجاز قاعدة بيانات تحصر عدد العوائل وطبيعة كل عائلة، لربطهم بمنظمات متخصصة مباشرة أو تأمين أعمال للاجئين في الدول الأربعة.
بدوره يرى أيهم أبو محمد، مدير مكتب العلاقات، في الانتقادات «حقًا مشروعًا لكل الناس، وخصوصًا أن عدد سكان مدينة داريا كبير». وأضاف «رغم كل محاولاتنا لنكون سندًا لهم في محنتهم إلا أننا نصدم بالموضوع المالي.. الأعباء كبيرة جدًا وعدد السكان كبير»، مشيرًا إلى أن المكتب الإغاثي استطاع أن يخفف من حدة الانتقادات عن طريق توزيع السلل الغذائية ومبالغ مالية بسيطة «لا أقول إنها تغطية شاملة، لكنهم يسعون جاهدين للعمل بكل قوتهم رغم ضعف الإمكانيات».
-
نقص في الكوادر
يعتمد المجلس في كوادره على الحالة الثورية بشكل أساسي دون الاختصاصيين والأكاديميين، خصوصًا وأن طبيعة انطلاقته كانت سرية، إذ يهدد الاعتقال والتصفية الذين يشاركون في نشاطات وتنظيمات لا تنضوي تحت راية الأسد.
ويضيف أيهم أبو محمد أن المجلس «نجح في إدارة وتنظيم موارد ونشاطات المدينة، في ظل الكوادر والكفاءات الموجودة، بنسبة 70%». لكنه لفت إلى أن «من بقي في المدينة لم يكن لديهم أي خبرة بإدارة الأزمات، في حين خرج الكثير من الكفاءات والمهنيين، ما حمل القسم المتبقي مسؤولية كبيرة جدًا».
كما أن النظام نجح بعزل جزء من النخبة وتغييبهم، في الوقت الذي تستنزف كوادر المدينة بين شهيد ومعتقل.
-
تحديات أمنية
بعد تأسيس الهيئة الرئاسية في مدينة داريا من قبل القوى العاملة في المدينة، وهي المجلس المحلي ولواء شهداء الإسلام التابع للمجلس، ولواءا سعد بن أبي وقاص والمقداد بن عمرو التابعان للاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، أسست الهيئة مركز الأمن ليحل محل المخفر.
وانطلق المركز يوم 2 نيسان من العام الجاري، بهدف الحد من الخلافات وتجاوزات بعض المجموعات، ويضم بحسب رئيسه الحالي أبو الخير ستة أقسام: الإدارة، الشرطة، التحقيق، الحواجز، السجل المدني، والحرس والدوريات.
ومن أبرز إنجازات المركز، العملية الأمنية التي قبض فيها على مطلوبين ومتورطين بجنايات داخل المدينة، كما أوقف عددًا من المتعاونين مع نظام الأسد، إذ تعامل أعضاء المركز مع التوتر بحزم تخوفًا من تفلت أمني يؤثر على الجبهات المشتعلة ضد قوات الأسد.
أما إبراهيم أبو سعيد عضو الهيئة العامة، فيشير إلى أن «أبرز الأولويات على سلم المهام هي المحافظة على التوافق والروح الواحدة بين كل العاملين في المدينة من مدنيين وعسكريين، وهي نقطة القوة التي مكنت المدينة من الصمود منذ بداية الثورة في وجه الأسد».
وأكد أبو سعيد أيضَا على «َضرورة العمل الجاد لرفع وزيادة الموارد من أجل تحقيق أكبر قدر من الخدمات للمدنيين في الداخل والخارج».
-
هل تأثرت استقلالية المجلس بسياسة الداعمين؟
«نحن لسنا راسمين للوحة، لذلك نحن نتقاطع مع الآخرين أو نتساعد لرسم هذه اللوحة»، كما يقول ممثل المجلس طارق جابر، لكنه يؤكد أن المجلس لم يفرض عليه شروط سياسية مطلقًا.
وأكد أن «الأهداف المعلنة للمجلس هي نفسها تحت الطاولة، ولذلك فإن المنظمات تثق بالرؤية السياسة للمجلس».
«منذ المظاهرة الأولى في الثورة أهدافنا معلنة، لذلك كنا واضحين بمبادئنا من لحظة التشكيل، ولا نقوم بالدعاية على اختلاف المنظمات»، يضيف طارق.
ويعاني المجلس من «اختلاط الحالة الثورية بالعمل المؤسسي» لكن الكادر يحاول تلافيها وتدريب ممثليه الموجودين في الخارج، في حين حضر أعضاء الهيئة العامة في الداخل تدريبات عبر السكايب.
وبعد سنتين من العمل تحت الضغط والظروف الأمنية الخطيرة، يبدو أن المجلس يخطو ليكون بديلًا عن مؤسسات النظام المحلية، لكن أعضاءه يربطون ذلك بالموارد الكافية لتحقيق المشاريع المقدمة من قبله.
يقول طارق «نحن بحالة تفاعل لم يستقر، ولكن حسب الخبرة المتاحة والعمل وسط أصعب الظروف الممكنة، لا بد أنه سيتمكن من أن يكون بديلًا في حال صارت الظروف طبيعية ومستقرة، خصوصًا أن الكوادر المتخصصة مغيبة حاليًا لأسباب أمنية».
أعدت هذه المادة بدعم من البرنامج الإقليمي السوري
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :