في نهاية جيش الإسلام

tag icon ع ع ع

عمر قدور – المدن 

الصور المتداولة عن مخازن سلاح جيش الإسلام التي سيطرت عليها قوات الأسد تفيد بوجود مخزون ضخم جداً، كذلك تشير الأرقام التي تداولها نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن جيش الإسلام خلّف وراءه في الغوطة ترسانة ضخمة من المعدات والذخائر العسكرية. ما يمنح الصور والأرقام صدقية، إلى أن يتسنى لنا معرفة الكثير من الخفايا، أن جيش الإسلام قد سيطر من قبل على العديد من مخازن الأسلحة العائدة لقوات الأسد في الغوطة وفي القلمون، وفي القلمون تحديداً كان الجيش قد نشر حينها تسجيلات للمخزون الكبير الذي استولى عليه من صواريخ كورنت وكونكورس، حين كان يتباهى بقدراته العسكرية. ذلك من دون أن نأخذ في الحسبان استيلاء الجيش على مخازن أسلحة عائدة لفصائل أخرى تقاتل النظام، من ضمن معارك التصفية التي خاضها ضد تلك الفصائل، حيث كان منطق التصفية والغنيمة سارياً.

ليست القضية هنا في أن جيش الإسلام انسحب من الغوطة على رغم امتلاكه آلاف المقاتلين، وامتلاكه ما يكفي من السلاح للاستمرار في القتال، فضلاً عن امتلاء مخازنه بالمواد الغذائية التي تقيه مأساة الحصار. فالمواجهة الأخيرة في الغوطة كانت محسومة النتائج مهما صمد مقاتلوه، وكان من الأفضل التسليم بتلك النتائج سريعاً لحقن المزيد من دماء المدنيين بصفتهم الأكثر تضرراً، مع أن الاعتبار الأخير قد لا يكون في أولويات جيش الإسلام. ما يأخذه نشطاء على جيش الإسلام، في هذه النقطة تحديداً، أنه لم يستخدم تلك الأسلحة من قبل عندما كانت الفرصة متاحة له، وعندما كانت قوات الأسد في حال سيء قبل التدخل العسكري الروسي.

وكما هو معلوم تجنب جيش الإسلام خوض معارك كبرى ضد قوات النظام، وفي العديد من المعارك الحرجة التي أدت إلى قضم الغوطة الشرقية لم يبادر إلى دعم فصائل أخرى في مواقع المعركة، أو نفّذ انسحاباً منها. ومعلوم أيضاً أنه نظّم قبل خمس سنوات بالضبط عرضاً عسكرياً لم ينظّم مثله أي فصيل آخر، وتعهّد قائده آنذاك “زهران علوش” بقتال دولة المجوس! إلا أن الرسالة الأهم حينها كانت إظهار صورته كجيش نظامي منضبط، وعلى نحو خاص إظهار قدرته على ضبط العاصمة إذا قررت القوى الدولية المعنية إنهاء تنظيم الأسد.

في الواقع الرسائل التي كان يرسلها جيش الإسلام متعددة، وبعض منها له حساسية أعلى من ذاك العرض العسكري. صورة الانضباط والقدرة على الضبط كانت تتعلق أولاً بضبط جبهة العاصمة من خلال السيطرة على مساحات تتسع من الغوطة بعد فورة التسليح التي رافقت البدايات، وهذا كان يعني إيقاف معركة دمشق من جانب الفصائل التي تقاتل النظام. على سبيل المثال لم يخض الجيش معركة من أجل فك حصار التجويع عن الغوطة، مع حساسية وأهمية هذه المعركة، وفضّل بدلاً منها المشاركة في تجارة الأنفاق، وهي تجارة كانت قائمة إلى ما قبل سنتين وطرفاها تجار الحرب من جهتي تنظيم الأسد وقادة بعض الفصائل. ولعل هذا ما يمنح صدقية، مع تساؤلات عديدة، لقبول الجيش مبلغاً مالياً من رجل أعمال معروف بأنه واجهة لماهر الأسد، ويمنح أيضاً صدقية للتسجيل المسرّب قبل نحو سنة والذي يتحدث فيه قائده محمد علوش عن طلب ائتلاف المعارضة مشاركته فيه، واشتراطه من أجل المشاركة الحصول على مبلغ مليون دولار شهرياً، بعد أن يشير علوش في التسجيل إلى أن الزمن قد تغيّر بمعنى أن زمن الثورة قد ولى.

في فهمه لمسألتي الثورة والديموقراطية كان جيش الإسلام قد ضرب أكثر من مثل، فهو اختطف نشطاء مركز توثيق الانتهاكات رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي المطلوبين لمخابرات الأسد، وأنكر اختطافهم، لكنه ضيّق علناً على عمل منظمات ذات طابع إغاثي أو تنموي في أماكن سيطرته، واعتقل في سجنه المسمى “التوبة” العديد من النشطاء الآخرين. أيضاً في تشويه صورة الثورة فعل ما لم يفعله تنظيم آخر، عندما اختطف من مدينة عدرا العمالية مدنيين بسبب انتمائهم الطائفي “العَلَوي” وعرَضهم بطريقة مشينة في أقفاص في ساحات الغوطة. ومع انسحابه من الغوطة بالتفاوض مع الروس بقي مصير النشطاء الأربعة والعديد من معتقلي سجن التوبة غير معروف، وأيضاً بقي مصير قسم من مختطَفي عدرا مجهولاً.

لكن ما يثير الدهشة حقاً أن سمعة الجيش، التي أصرّ عليها وظلت متداولة، بقيت في حيز النظر إليه كفصيل إسلامي معتدل! والحق أنه فعل كل ما يلزم لتفادي المصير الذي ناله أخيراً، بدءاً من تحييد العاصمة، مروراً بتقاسم تجارة الحصار مع تنظيم الأسد وما قد يرافقها من تفاهمات أخرى، وصولاً إلى إبرام تفاهمات بوساطة مصر السيسي المعروف بدعمه للأسد. وكان يُفترض بكل هذه المقدمات “من وجهة نظر أصحابها” أن تؤدي إلى واحد من احتمالين، إما أن يكون جيش الإسلام شريكاً أساسياً في السيطرة على العاصمة في حال إسقاط الأسد، أو أن يكون شريكاً اساسياً في تسوية يكون الأسد طرفاً فيه. إلا أن الأحداث أتت بالاحتمال الأكثر واقعية، وهو أن يلقى المصير الذي سبق أن أذاقه لفصائل أخرى، أو سبق أن ترك له فصائل أخرى من دون أن يتدخل لمؤازرتها.

ينبغي لاسترجاع سيرة جيش الإسلام أن يكون دليلاً لمراجعة حقبة بأكملها، فهو ليس نشازاً ضمن الفصائل التي قاتلت الأسد، وإن أتيح له أكثر منها تشكيل إمارة حرب، وهو فضلاً عن ذلك يقدّم شرحاً وافياً عن تجربة الإسلام بشقه المعتدل وإشارة عما ينطوي عليه نظيره الراديكالي. ولئن كان لجيش الإسلام وأشباهه شعبية ما في أوساط متأسلمة فإن جزءاً لا يُستهان به منها آتٍ من مقاتلة الأسد الذي يُنظر إليه كمولِّد لجميع الشرور، بما فيها التطرف. انطواء صفحة الحرب بكل ما فيها يطوي معه ذلك الاصطفاف العاطفي، وقد يطوي معه ذلك التسامح المبني على أن الاستبداد هو الذي يولد التطرف، فالسوريون قد جربوا الاثنين معاً، وليس قدراً محتماً أن يعود التطرف لاحقاً، إلا إذا أتى ليخبرنا بأننا لم نستوعب الدرس.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة