“ذهب شارون وبقي الأسد”، عبارة تداولها ناشطون في مواقع التواصل، لخصت الحالة التي يعيشها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، بعد بدء قوات الأسد والميليشيات المساندة لها عملية عسكرية تجاهه، متبعة سياسة تدمير كبيرة بالأسلحة عالية التدمير، آخرها الخراطيم المتفجرة.
ولم يكن الربط بين شارون والأسد إنشائيًا، ففي ثمانينيات القرن الماضي هدد الأول المخيم بالاجتياح بكلمة مشهورة له “لك يوم أسود يا مخيم اليرموك”، لينفذها الأسد اليوم عن طريق قواته التي شاركت إلى جانبها ميليشيات فلسطينية لم يكن “حق العودة” أحد أهدافها، بل الطريق الذي رسم لها في سوريا من قبل النظام السوري.
“عاصمة الشتات الفلسطيني”، “رمز العودة”، “الوطن الآخر”، أوصاف أطلقت على المخيم قبل 36 عامًا، وخاض أبناؤه معارك ضد الجيش الإسرائيلي جنوبي لبنان.
شأن المخيم شأن المدن السورية الأخرى الخارجة عن سيطرة النظام السوري، لكن خصوصيته تأتي من أن أهله يتعرضون للنزوح واللجوء للمرة الألف منذ أخرجوا من فلسطين.
جذور فلسطينية
يتعرض المخيم حاليًا لغارات جوية مكثفة من الطيران الحربي التابع لقوات الأسد، وبلغت في الأيام الثلاثة الماضية أكثر من 300 غارة، استهدفت مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”هيئة تحرير الشام”، التي تنحصر في جزء صغير فيه يسمى بالريجة.
ويتزامن القصف مع هجوم بري على أكثر من محور، بعد المفاوضات التي طرحتها روسيا والنظام على التنظيم، الأسبوع الماضي.
تتضارب الأرقام عن عدد سكان المخيم. قدرت وكالة “الأونوروا” عدد اللاجئين القاطنين فيه عام 2002 بأكثر من 112 ألف نسمة.
إلا أن هذه الأرقام لا تشمل عشرات آلاف اللاجئين الذين وصلوا في ستينيات القرن الماضي، الأمر الذي يرجح ارتفاع عدد السكان إلى 220 ألف نسمة.
وتعود جذور السكان فيه إلى منطقة الجليل والمدن الساحلية بالأراضي المحتلة، ومنطقة بحيرة طبرية وسهل الحولة وحيفا وعكا والناصرة وصفد، إلى جانب اللد والرملة والخليل والقدس، وأطلق على عدد من أحيائه وحاراته أسماء مناطق فلسطينية.
بين ستة أحياء
يعتبر “اليرموك” أحد أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وأنشئ عام 1957 على مساحة تقدر بـ 2.11 كيلومتر مربع لتوفير الإقامة والمسكن للفلسطينيين بعد النكبة.
ورغم أنه غير رسمي، حسب تصنيف “الأونروا”، له رمزية كبيرة قياسًا بالمخيمات الأخرى.
يكتسب أهمية استراتيجية من خلال موقعه الجغرافي، فيحده شمالًا حيي الميدان والشاغور، ومن الشرق يشرف على امتداده حي التضامن، ومن الجنوب الحجر الأسود، وحي القدم غربًا.
أغلبية بيوته من المساكن الإسمنتية تربطها الشوارع الضيقة، ولا يقتصر سكانه على اللاجئين الفلسطينيين فقط بل يضم عددًا كبيرًا من السوريين المدرجين في الطبقة المتوسطة أو الفقيرة.
يوجد فيه شارعان رئيسيان هما شارع اليرموك وشارع فلسطين، بالإضافة إلى شوارع فرعية مثل لوبية وشارع صفد، ويحتوي أربعة مستشفيات: فلسطين، فايز حلاوة، الرحمة، مشفى الباسل وعدد من العيادات الخاصة ومدارس ثانوية حكومية وأكبر عدد من مدارس “الأونروا”.
“الجبهة الشعبية” تملأ الفراغ
عقب خلاف الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، والزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، تعرض المخيم إلى ضغوط أمنية كبيرة، واعتقل الآلاف من اللاجئين بتهمة انتمائهم لحركة “فتح”، وصودرت مكاتب الحركة كما دعم النظام السوري حركات انشقاق قام بها مسؤولون في “فتح”.
وعلى خلفية ذلك نشطت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، اللتان انتقلت قياداتهما إلى دمشق نهاية 1999.
وانضم جزء كبير من شبان المخيم في الحركتين، وكان زعيم “حماس”، خالد مشعل يقطن في مخيم اليرموك قبل أن ينتقل منه فيما بعد لظروف أمنية.
عقب خروج “حماس” من دمشق، مع انطلاقة الثورة السورية، استغل “تنظيم الجبهة الشعبية” (القيادة العامة) الداعم للنظام السوري وملأ الفراغ في اليرموك ونشر عناصره لحماية المخيم، ومنع دخول فصائل “الجيش الحر” إليه، لكنه لم يفلح في ذلك.
نقاط مفصلية
تحول المخيم في السنوات الأولى للثورة السورية إلى ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق، وخاصةً مدن ببيلا ويلدا وأحياء التضامن والحجر الأسود والقدم والعسالي.
في شهر كانون الأول 2012، بدأت قوات الأسد حملة عسكرية عليه بعد تقدم فصائل المعارضة من الأحياء الجنوبية في دمشق.
ورافق ذلك قصف من الطيران الحربي استهدف مدرسة الكرمل وجامع عبد القادر الحسيني، الذي كان يؤوي الكثير من النازحين من الأحياء المجاورة، ما أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى.
ولم تتوقف الضربات الجوية منذ 2012، وتعاونت قوات الأسد وقوات فلسطينية تابعة لأحمد جبريل على قصف المخيم بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وصولًا إلى فرض حصار كامل عليه، في حزيران 2013، وحتى اليوم.
سبب هذا الحصار نقصًا في المواد الغذائية وتضخمًا كبيرًا بالأسعار، لتخرج صور المصابين بسوء التغذية من داخل المخيم.
في بداية نيسان 2015 نجح تنظيم “الدولة الإسلامية” في اقتحام المخيم، وسيطر على أجزاء كبيرة منه تبلغ اليوم 70%، بينما تسيطر “هيئة تحرير الشام” على مساحة منه تقدر بـ 10%، والنسبة المتبقية ضمن نفوذ الميليشيات الفلسطينية المساندة لقوات الأسد.
وعلى مدار السنوات الماضية من سيطرة التنظيم تكررت حالات الإعدام التي نفذها بحق بعض الأهالي، وتنوعت التهم بين التعامل مع فصائل المعارضة في الأحياء المجاورة، أو مخالفة التعليمات الخاصة به.
–