إدلب – طارق أبو زياد
شاع مفهوم جهاز “الحسبة”، المتخصص في مجال “الدعوة الدينية و”الإصلاح الاجتماعي” في سوريا منذ طرحه من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية” في الرقة قبل سنوات، وانسحب المصطلح على “تأديب الناس” بطريقة الردع بالقوة، لتنوب عن هذا الجهاز في إدلب مجموعة “سواعد الخير” التي تتبع لـ “هيئة تحرير الشام”.
تنقسم “سواعد الخير” إلى: الدورية النسائية، المحتسبين، القوة التنفيذية، مكتب القضاء، إضافة إلى مكاتب ملحقة كالمتابعة وتقبل الشكاوى والرقية الشرعية وغيرها. |
يشتكي أهالي مدينة إدلب، التي تسيطر عليها “تحرير الشام”، من جولات متكررة للمجموعة على المدارس، ومن تدخل في شؤون الطلاب والمدرسين والمنظمات المدنية، فبحجة “الانتهاكات غير الشرعية” يُعتقل كثير من الناشطين والمواطنين، عدا عن الأسباب الأمنية.
عنب بلدي تحدثت مع المهندس محمد يحيى، المسؤول العام للمجموعة، واعتبر أن ما يبرر ويشرع عمل “سواعد الخير” في إدلب متضمن في القرآن الكريم، موضحًا أن الجهاز ينتشر في الشمال السوري ومدينة إدلب بشكل خاص.
وعرّف المسؤول العام الجهاز بأنه “رقابة شرعية إدارية تجريها السلطة على جميع مفاصل المجتمع لرد الناس إلى ما فيه صلاحهم، وإبعادهم عما فيه ضررهم وفق أحكام الشريعة”.
حملات وتعميمات ملزمة
يجري الجهاز نشاطات دعوية ورقابية، تتمثل بحملات وندوات ومسابقات لـ “توعية الناس وتعليمهم ووعظهم ودفعهم باتجاه الصلاح”، على حد وصف مسؤوله العام، وتحدث عن جولات على جميع المؤسسات الاجتماعية كالجامعات والمدارس والمستشفيات.
ويقدم عناصر “الحسبة” التوجيهات بضرورة “الالتزام الشرعي”، معتمدين على قوانين وتعميمات، ويجول بعضهم في شوارع إدلب يلقون عبر مكبرات الصوت المواعظ على الأهالي، في خطوة اعتبر يحيى أنها “هادفة”.
“الحسبة” تنفي الاتهامات
رأى مسؤول “الحسبة” أن ردود الفعل والانتقادات التي يتعرض لها الجهاز “كذب وافتراء”، مشيرًا خلال حديثه إلى أن “عنواننا ورقمنا معروف للجميع ونحن من الأهالي ولسنا من جنسيات مختلفة نمسك السيف بيدنا ونقتحم مدارس البنات وغيرها”.
لكن ناشطين من المدينة قالوا لعنب بلدي إن المجموعة أوقفت، في العاشر من شباط الماضي، حافلة تتبع لمنظمة “بنفسج”، تعمل بموجب مشروع النقل الداخلي داخل مدينة إدلب، واعتقلت سائقي بعض الحافلات بتهمة “الاختلاط” ثم أطلقت سراحهم.
واعتقلت طلابًا وطالبات من معهد “DTC”، وآخرين من مناطق أخرى في إدلب، وطال الاحتجاز مطلع آذار الماضي متطوعين من فريق “ملهم التطوعي”، أطلق سراح أحدهما واحتفظت المجموعة بالثاني بحجة “تورطه في أعمال أمنية”.
ونفى مسؤول الجهاز اقتحام مدرسة “العروبة” للإناث، الشهر الفائت، موضحًا “كان عملنا روتينيًا عن طريق الداعيات في المركز لتوعية النساء، وكانت تلك المدرسة الأقل التزامًا في المدينة لذلك ركزنا عليها”.
وحول إرهاب الناس والضغط عليهم، قال يحيى إن “هناك مفهومًا خاطئًا بين الناس الذين يدعوننا لتأمين مستلزمات الحياة وترك الحسبة بحجة أنها ليست في وقتها”، لافتًا إلى أن عمل الجهاز “سنة ربانية تضبط الناس وترد المنكر وتمنعهم كقوة رادعة يخافون منها، وهذا هو عملنا”.
تعميمات وقوانين ملزمة قيد الدراسة
من وجهة نظر مسؤول الجهاز، فإنه يتعرض “لهجمة إعلامية قوية من خلال مجهولين مهمتهم التجييش ضدنا عبر الإنترنت”، معتبرًا أنها “ستتلاشى لغياب أي دليل يدين عمل الجهاز”.
ولا تعتمد المجموعة الضغط والقسوة في التعامل “إلا في حالات نادرة”، على حد وصف يحيى، مشيرًا إلى أن ذلك “يتم بعد استنفاد جميع الطرق الأخرى كالنصح والوعظ، وكل ذلك لمصلحة الشخص ومحاسبته باعتبارنا سلطة على الأرض ولنا دور المحاسبة والتعزير”.
ويدرس الجهاز قوانين تلزم الناس، الكبير منهم والصغير، لتدخل بعد فترة حيز التطبيق، ثم يليها محاسبة المخالفين، بحسب المسؤول العام للجهاز، إلى جانب التجهيز لإنشاء معهد شرعي “ينظم دورات توعوية للمخالفين بعد محاسبتهم لمدة أسبوع أو عشرة أيام بشكل مغلق”.
دوريات لضبط الشباب والبنات
تُسيّر “سواعد الخير” دوريات في معظم حدائق المدينة، وقالت الطالبة علا العلي في السنة الأولى من كلية الإعلام بجامعة إدلب، إن المجموعة تنتشر في حديقة المشتل “لمنع حدوث محرمات فيها”.
ووفق علا، فإن الحديقة “معروفة بصيتها السيئ”، مشيرةً في حديثها لعنب بلدي إلى أن المجموعة “تستهدف كل شاب وفتاة مع بعضهما ولدى التأكد من درجة قرابة بينهما يعتذر العناصر وهذا مقبول وجيد”.
لكن هذا الرأي لا يعبر تمامًا عن آراء السكان، الذين يتحفظ عدد منهم على أسمائهم عند الحديث عما يصفونه بـ “انتهاكات سواعد الخير”، خشية الملاحقة.
وهذا ما ذهبت إليه سارة العمري، التي تعمل ممرضة في عيادة نسائية، إذ ترى عمل “الحسبة” في الأسواق مزعجًا إلى حد كبير، ملخصة وظيفتهم بـ “مراقبة الناس وتتبعهم”.
ولفتت إلى أن “توبيخ الفتيات كان بداية من قبل نساء الحسبة، إلا أن الأمر تطور حديثًا ليرافقهن رجال بحجة ضمان عدم تعرض أحد لهن، وهذا ما أثار تدخلًا من مرافقي الفتيات في بعض الحالات”.
ومن وجهة نظر سارة، فإن “أهل إدلب معروفون بالتزامهم من الناحية الشرعية”، مؤكدة “نحن مسلمون، والأفضل لهم السعي في تأمين قوت الناس أفضل من زيادة الهموم لديهم”.
ويسود في المحافظة جو عسكري- شرعي يسهل انتشار هذه الممارسات، فمحمد عطا الله الشرعي في أحد الفصائل العسكرية بإدلب، اعتبر أن عمل “الحسبة” غير وارد في الوقت الحالي، فـ “نحن نعيش في وضع الحرب ولا خليفة للمسلمين أو سلطان يسن القوانين التي يعملون بها”.
وقال الشرعي لعنب بلدي إنه “لا يمكن لأي شخص أن ينصب نفسه سلطة على الناس”، لكنه يردف “لا ننكر ضرورة هذه الأمور، ولكن ليس في هذا الوقت فتخيل أن تقول لنازح في خيمة لا يجد قوتًا، افعل هذا وامتنع عن ذاك!”.
رغم اختلاف وجهات النظر بشأن عمل “الحسبة” في إدلب، تتجه أغلبها إلى الاستياء من تصرفات الجهاز، ويدعو الأهالي إلى ضرورة الالتفات إلى تحييد وضبط الفوضى التي تمر بها المدينة، وملاحقة المخربين والمسيئين ومحاسبتهم، بدلًا من لحاق “عورات الناس” وفرض الدين على طريقة الشرعيين الخاصة.
ماذا تعرف عن الحسبة؟
– الحسبة جهاز ديني يقتبس مشروعيته من تفسير لآيات في القرآن الكريم على غرار “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”.
– تشيع هذه الأجهزة في المجتمعات التي تعتمد السلفية مذهبًا لها.
– لكن المملكة العربية السعودية مثلًا قلصت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منذ عام 2015، ضمن سياسة شاملة للانفتاح.
– درج مصطلح الحسبة في مدينة إدلب منذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، عام 2015، وقبل ذلك في أرياف المحافظة.
– عمدت الفصائل الإسلامية إلى نشر أجهزة حسبة خاصة بها كـ “أحرار الشام”، و”جبهة النصرة”، ثم “جيش الفتح”، وأخيرًا “تحرير الشام”.
– رفضت الفعاليات المدنية ممارسات هذه الأجهزة، وتطور الأمر إلى مظاهرات مدنية رافضة، واشتباكات فردية مع الأهالي، ثم بصدام عسكري مع فصائل محسوبة على “الجيش الحر”.
– راجعت بعض الفصائل الإسلامية فكرها، وأتاحت مساحة لحرية المعتقد وطريقة التدين، إلا أن هذه المساحات لا تزال ضيقة في ظل سيطرة العسكر.