فريق التحقيقات في عنب بلدي
تعود جذور الآشوريين إلى الإمبراطورية الآشورية التي حكمت بلاد ما بين النهرين قبل ظهور المسيحية بنحو 2500 عام.
ويعد الآشوريون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية منذ القرن الأول الميلادي، وأسهموا في نشر هذه الديانة في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين، وفق ما تشير إليه بعض المراجع التاريخية.
ويذكر بعض المؤرخين أن الإمبراطورية الآشورية سقطت قبل الميلاد بنحو 600 عام، وخلال القرون الماضية تعرّض بقايا الآشوريين لمجازر كثيرة، وحاولوا بصعوبة الحفاظ على إرثهم الحضاري، وهويتهم الثقافية، معتمدين بذلك على الكنيسة التي ساعدت في حفظ لغتهم ودفع استمرارهم.
يعيش الآشوريون اليوم كأقليات في بعض مناطق سوريا والعراق، إلى جانب العرب والكرد، ويعبرون عن أنفسهم من خلال بعض الأحزاب السياسية الصغيرة، والجمعيات الثقافية، التي تناضل للخروج بالآشوريين سالمين من صراعات منطقة تغلي بالحروب.
أقلية عرقية دينية تقاوم فيضان الحرب
من جنوب شرقي تركيا إلى الجزيرة السورية كانت رحلة آلاف الآشوريين في عشرينيات القرن الماضي، هربًا من الاضطهاد، وبحثًا عن مأوى آمن على مشارف قراهم المدمرة، وعلى مقربة من موطن حضارتهم القديمة.
فتح الفرنسيون باب سوريا الشمالي الشرقي للسريان الآشوريين، ومنحوهم أراضي ليعيشوا ويستقروا فيها، ليتحولوا إلى أقلية عرقية تضاف إلى بضعة آلاف من السريان الذين كانوا يعيشون بين سكان بعض المناطق السورية.
تقدر مصادر غير رسمية عدد الآشوريين في سوريا بنحو 30 ألفًا قبل الثورة السورية من ضمن نحو مليون ونصف المليون مسيحي، ومن المرجح أن يكون هذا العدد قد تناقص إلى حد ما عقب الحرب، بفعل الهجرات، ونتيجة تعرضهم لهجمات عدة من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
لكن الآلاف منهم لا يزالون اليوم يمارسون طقوسهم الدينية ويتحدثون بلغتهم السريانية في كنائسهم المنتشرة في محافظة الحسكة بشكل أساسي، وبعض المناطق السورية على نطاق أضيق.
وغالبًا يقترن اسم الآشوريين بالسريان، وهو الأمر الذي تبرره وحدتهم القومية، فيما يقوم الاختلاف بينهم على الطائفة الدينية، ووفق الكاتب السوري تيسير خلف، فإن السريان هم أتباع الكنيسة السريانية الغربية، والآشوريين هم أتباع الكنيسة السريانية الشرقية التي تسمى أيضًا “نسطورية”.
ويسعى السياسيون الآشوريون إلى تجاوز هذه الخلافات من خلال اعتماد تسمية “السريان الآشوريين”، ويعترض بعض السريان على هذا الخلط، الأمر الذي يعود إلى بعض الحساسيات الطائفية.
تعايش الآشوريون إلى حد كبير مع المكونات السورية الأخرى، على الرغم من محاولة الحفاظ على استمراريتهم وعدم التفريط بصفاء هويتهم، ويرى بعض الناشطين الآشوريين أن حزب البعث اتبع سياسة “تعريبية” تجاههم، وحارب ثقافتهم، ومنعهم من المشاركة السياسية.
أما اليوم، فيحضر الآشوريون على الساحة السياسية عبر بعض الأحزاب السياسية، وأبرزها “المنظمة الآثورية الديمقراطية” المنخرطة في المعارضة السورية، كما يحمل بعض أبنائهم السلاح ضمن فصيلين عسكريين منقسمين بين النظام والمعارضة، فيما يعتمد قسم منهم العمل المدني كوسيلة لحفظ الحقوق والحفاظ على الهوية القومية.
ولعل تلك الانقسامات الداخلية في الساحة الآشورية، تعكس إلى حد ما حالة انقسام وتخبط سورية عامة، لكنها تحمل خطرًا أكبر على السريان الآشوريين كأقلية عرقية دينية يهددها طوفان الحرب في سوريا.
بين الكنيسة والعسكر
المنظمة الآثورية الحامل السياسي الأبرز للسريان الآشوريين
لم يمرر شهر واحد على إطلاق الحزب الكردي الأول في سوريا تحت اسم “الحزب الديمقراطي الكردي”، حتى تلاه الإعلان عن أول حزب آشوري في مدينة القامشلي السورية، متأثرًا بصعود الحركات القومية في المنطقة، وفي محاولة لتحصيل بعض الحقوق الثقافية وتعزيز هويّة أقلية عرقية ودينية ضمن مجموعة المكونات الأخرى للشعب السوري.
جاء تأسيس المنظمة الآثورية عام 1957، “تلبية لحاجة السريان الآشوريين في سوريا لحزب يعبر عن مطالبهم القومية المتمثلة بضرورة الاعتراف بوجودهم وهويتهم القومية، واعتبار لغتهم وثقافتهم السريانية لغة وثقافة وطنية وذلك ضمن إطار وحدة سوريا أرضًا وشعبًا”، بحسب ممثل المنظمة الآثورية الديمقراطية في الائتلاف الوطني السوري، عبد الأحد اسطيفو، الذي أشار في لقاء مع عنب بلدي إلى أن المنظمة “كانت التنظيم السياسي الأول الذي ظهر في صفوف السريان الآشوريين، ليس في سوريا فحسب، وإنما في دول الشرق الأوسط أيضًا”.
ورغم ظهور العديد من الأحزاب السياسية الآشورية السريانية في كل من سوريا والعراق “لكنها لم تبتعد عن رؤية وبرنامج المنظمة”.
يضيف اسطيفو أن المنظمة منذ تأسيسها انتهجت “سبل العمل الديمقراطي السلمي، وربطت نضالها القومي بالنضال الوطني، كما اعتبرت أنه لا يمكن تحقيق المطالب القومية للسريان الآشوريين، وغيرهم من القوميات في سوريا، إلا من خلال نظام ديمقراطي علماني يقوم على أسس العدالة والمواطنة المتساوية والشراكة بين كافة السوريين”.
قمع البعث والبحث عن “الوسطية”
واجهت المنظمة الآثورية، كحزب سياسي يسعى للتغير الديمقراطي، محاولات للقمع والإقصاء في ظل سيطرة حزب البعث الاشتراكي على الحياة السياسية منذ سبعينيات القرن الماضي.
مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية، كابرئيل موشيه كورية، تحدث لعنب بلدي عن وضع الحزب خلال الأعوام الأربعين الماضية، وقال “منذ نشأة المنظمة الآثورية الديمقراطية لم يتم ترخيصها أو الاعتراف بها، وفي ظل حزب البعث لم يكن هناك اعتراف سوى بالأحزاب القومية العربية، لذا من الطبيعي أن وجودها كان في خانة المعارضة”.
وأضاف موشيه كورية “كنا نعيش في ظل منظومة أمنية صارمة، شغلها الشاغل تجفيف الحياة السياسية، وكنا نسعى إلى إنهاء احتكار الحزب الواحد. طالنا القمع السياسي وكوادرها تعرضوا لحملات اعتقال كثيرة”.
ونتيجة لهذا التضييق توجهت المنظمة إلى “القوى الوطنية الديمقراطية ذات الرؤى والأفكار القريبة منها”، وفق ممثل المنظمة في الائتلاف، عبد الأحد اسطيفو، “لتعمل معها من خلال أطر وتحالفات تهدف إلى إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي يفضي لبناء دولة ديمقراطية حديثة تكون لكل السوريين”.
ويشير اسطيفو إلى أن “المنظمة كأي تجتمع سياسي عاشت الحوارات والتجاذبات الفكرية بين التيارات اليمينية واليسارية والقومية، وحاولت أن تكون نقطة توازن ووسطية في طروحاتها. أعتقد أنها مازالت محافظة على هذا النهج”.
ووفق ذلك، بقي أعضاء المنظمة بعيدين عن الحياة السياسية في سوريا، ولم يتمكنوا من المشاركة فيها، أو الحصول على أي مناصب سياسية قبل بدء الثورة، بالمقابل شاركت المنظمة في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2005، الذي دعا إلى إنهاء حكم آل الأسد.
فرصة الثورة الحذرة
نتيجة القمع الشديد الذي تعرضت له المنظمة الآثورية، كان لا بد أن تنضوي في صفوف الثورة السورية، كفرصة لتحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها، لكنها سعت في الوقت ذاته إلى الحفاظ على نهجها الثوري السلمي، وموقعها الوسطي بين التيارات والأحزاب السورية المختلفة.
انخرطت المنظمة في أطر المعارضة بدءًا بالمجلس الوطني وصولًا إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وشاركت في جولات عدة من جنيف.
عبد الأحد اسطيفو، الذي يشغل منصب منسق لجنة الانتخابات في وفد هيئة التفاوض السوري في جنيف، أشار إلى أن ذلك الانخراط هو نتيجة تراكمية بالنظر إلى تاريخ الحزب وتبنّيه لأهداف الثورة ومطالبها.
تلك المشاركة القوية في صفوف المعارضة جعلت أعضاءها في موقع تضييق أمني شديد، إذ اعتقل عدد منهم وأقيل آخرون من وظائفهم ومنعوا من السفر.
وكانت قوات النظام اعتقلت المهندس كبرئيل موشيه كورية، مسؤول المكتب السياسي للمنظمة وعضو الأمانة العامة لإعلان دمشق لمدة عامين ونصف، بتهمة الإرهاب والتحريض على العنف لقلب نظام الحكم.
مقابل اصطفافها إلى جانب المعارضة، لم تدخل المنظمة في حالة “عداء” مع الإدارة الذاتية التي يفرضها حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، كسلطة أمر واقع في منطقة الجزيرة السورية، ووفق اسطيفو فإن “المنظمة ليست عضوًا في الإدارة الذاتية، ولا يوجد لها ممثلون في هذه الإدارة، لكنها تحتفظ بعلاقات إيجابية مع العديد من الأحزاب والشخصيات المنضوية فيها”.
ويضيف اسطيفو “ننظر إلى الإدارة الذاتية كتجسيد لإرادة ونهج الأطراف المنضوية فيها، ولا تمثل جميع التعبيرات السياسية لمكونات الجزيرة. وللإنصاف فإن هذه الإدارة تبدي انفتاحًا وتقبلًا لحقوق جميع المكونات الموجودة في المنطقة، ومنها السريان الآشوريون، لكن يؤخذ عليها النزعة الأيديولوجية الأحادية والميل نحو الهيمنة والاحتكار من قبل الأطراف النافذة فيها، وهو ما يتناقض مع مبدأ الشراكة والمواطنة المتساوية الذي نطالب به”.
ويمكن القول إن المنظمة الآثورية تتحرك بحذر في محاولة لتجنب القطيعة الكاملة مع المكونات السياسية المختلفة على الساحة السورية، إلى جانب تبنيها دعوة مبدئية للديمقراطية والشراكة.
ضد “الفيدرالية المشوهة”
ويستأنف “هذه التجربة جربت بشكل مشوه في بعض المناطق من بلادنا”، إذ يحتاج مثل هذا التغيير “توافقًا بين جميع أبناء الشعب السوري”.
وفي الإطار ذاته، يقول عبد الأحد اسطيفو “من حيث المبدأ لسنا ضد اللامركزية الموسعة ومنها الفيدرالية بما توفره من فرص لتوزيع السلطة والثروة وتحقيق الإنماء المتوازن لكل المحافظات والمناطق السورية، وبما يقطع الطريق على إعادة إنتاج الاستبداد أو أي محاولة لتقسيم البلاد أو الانفصال بجزء منها”.
ويضيف “لكننا نرى أن أي شكل أو نظام حكم لا يمكن فرضه من قبل طرف على الآخرين، وإنما يحتاج إلى توافق في ظل مناخ حر وديمقراطي بين جميع السوريين حول طبيعة النظم الإدارية التي تناسبهم”.
السلمية والتسليح المبرر
رغم سياسة المنظمة القائمة على النضال السلمي واللاعنف، ترى أن التسليح في بداية الثورة السورية يحمل دوافع يمكن تفهمها وتبريرها.
وفق الرؤية ذاتها تتعامل المنظمة مع الأجنحة العسكرية السريانية التي تشكلت بعد الثورة في منطقة الجزيرة تحت مسمى “قوات السوتورو” التي تنقسم إلى فصيلين يندرج أحدهما في ميليشيات “الدفاع الوطني” الموالية للنظام، ويتبع الآخر لـ “قوات سوريا الديمقراطية” التي يشكل المقاتلون الكرد عمادها.
ولا يستغرب ممثل المنظمة في الائتلاف، عبد الأحد اسطيفو، ذلك الانقسام، على اعتبار أنه “لا يقتصر على السريان الآشوريين وحدهم، فهناك حالات مماثلة لدى العرب والكرد في الجزيرة وغيرها”.
بينما يصف اسطيفو حضور هذين الجناحين “بالرمزية أكثر من الفاعلية، فدورها الأساسي يقتصر على حماية الأحياء والقرى الخاصة بشعبنا”.
ويضيف “بالنسبة لنا كمنظمة نعتمد النهج السلمي والسياسي في عملنا، ولم نفكر بتشكيل فصيل مسلح، لأنّنا بالأصل لم نكن مع فكرة التسلّح والعسكرة”.
أسماء عدة وهوية واحدة
تتعدد التسميات التي أطلقت على الآشوريين، وهو الأمر الذي يؤدي غالبًا إلى لغط في فهم العلاقة بين هذه التسميات، وارتباطها ببعد قومي ولغوي واحد.
يفسر ممثل المنظمة الآثورية الديمقراطية في الائتلاف الوطني السوري، عبد الأحد اسطيفو، هذا اللغط، مرجعًا سببه إلى “الانشقاقات في الكنيسة المسيحية، ببعديها السياسي واللاهوتي، اعتبارًا من القرون الميلادية المبكرة، والتي لعبت الدور الأبرز في تمزيق هذا الشعب إلى مِلل وطوائف حتى بدت وكأنها تسميات لعدة شعوب، نتيجة للتأثير الطاغي للعقيدة الدينية واحتلالها مركز الهوية في ثقافة هذا الشعب وبقية شعوب المنطقة لمراحل تاريخية طويلة، يضاف لذلك، الدور المشبوه للبعثات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية في تغييب الحس بالهوية والثقافة الخاصة والتأسيس لمرجعيات روحية ومن ثم ثقافية غربية أسهمت بدورها في تعميق الانقسام”.
هذا عدا عن “سياسة العثمانيين في تكريس نظام (الملة) والتي تعني (شعب) بصيغة وسياق مطابق للطائفة. لذلك تبرز التسميات التي تطلق اليوم على هذا الشعب من قبل الكثير من أبنائه متطابقة مع اسم الكنيسة التي يتبع لها كالسريانية أو الآشورية أو الكلدانية”، بحسب اسطيفو.
وفيما يخص التسميات لغويًا، يوضح “منذ القرن الرابع قبل الميلاد أطلق اليونان على كل منطقة بلاد الرافدين وحتى شواطئ المتوسط التي كانت خاضعة للإمبراطورية الآشورية وفق اللفظ اليوناني الذي لا يحتوي على اللفظ (شين)، باسم ASSYRIA وسكانها ASSYRIAN ونحت هذا اللفظ الجديد من خلال اللغة الآرامية التي كانت لغة عموم الإمبراطورية الآشورية بـ (سورويو) أو (سورايا) بحسب اللهجة السائدة في كل منطقة، ومنها جاءت لفظة (السريان) إلى اللغة العربية، وقد أكد هذا الاشتقاق اللغوي بين الاسمين السرياني والآشوري الكثير من المؤرخين والباحثين الثقاة”.
ويضيف اسطيفو “أما لفظ (آثوري) فليس إلا اللفظ السرياني لكلمة آشوري، إذ يتم التعبير عن الكلمة (آشوري) باللغة السريانية بلفظة (أوثورويو أو أثورايا)، وهي التسمية التي تبناها المؤسسون للمنظمة الآثورية الديمقراطية”.
“السوتورو”..
جناح عسكري بين النظام و”PYD”
عقب انطلاقة الثورة السورية في 2011 وما رافقها من تغير للوقائع والأحداث، برزت على الواجهة حركات وتشكيلات عسكرية اختلفت في مسمياتها والجهات التابعة لها، وتولت في بادئ الأمر مهمة حماية المناطق التي ولدت فيها ليتوسع نشاطها العسكري فيما بعد، ووصلت إلى مراحل متقدمة تتحرك بها الدول الإقليمية.
أعلن عن “السوتورو” في آذار 2013، وقدمت نفسها على أنها قوات تهدف إلى حماية المناطق المسيحية في الجزيرة السورية، من هجمات “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتضم آشوريين وسريان. |
مدينتا الحسكة والقامشلي كانتا من المناطق التي شهدت ولادة تشكيلات عسكرية، وإلى جانب الميليشيات التابعة لقوات الأسد و”وحدات حماية الشعب” (الكردية) وفصائل “الجيش الحر” التي نشطت حينها، ظهر تشكيل عسكري من الأقلية المسيحية تحت مسمى “السوتورو” تولى مهمة حماية مناطق المسيحيين في الجزيرة السورية من الهجمات التي تعرضوا لها.
بحسب ما قالت مصادر إعلامية من القامشلي لعنب بلدي تنتشر قوات “السوتورو” في مدن الحسكة والقامشلي والمالكية والقحطانية، إلى جانب 30 قرية تقع على مجرى نهر الخابور بدءًا من جنوب رأس العين شمالاً، وصولًا إلى جبل عبد العزيز جنوبًا.
وينضوي فيها شبان من أحزاب مسيحية سريانية كـ “حزب الاتحاد السرياني” (الدورونويي) “المنظمة الآثورية الديمقراطية”، “تجمع شباب سوريا الأم”، “التجمع المدني المسيحي”.
فريقان بمهام مختلفة
تنقسم “سوتورو” إلى فريقين، الأول يتبع للنظام السوري، وينضوي عناصره في “مجلس السلم الأهلي” التابع للسريان الأرثوذوكس، ويتلقون مبالغ مالية من النظام بشكل مباشر، وتتركز مهامهم على الحواجز المنتشرة في مدينة القامشلي وخاصة حي الوسطى ذا الغالبية المسيحية.
أما الفريق الآخر يتبع لـ “PYD”، وينضوي عناصره في “حزب الاتحاد السرياني”، ويتركز نفوذه في المالكية والقحطانية شمال شرق القامشلي وفي المدينة أيضًا، ويتلقى العناصر دعمهم المالي والعسكري من الوحدات الكردية، ويعاملون معاملة عناصر “الوحدات” الأصليين.
لا يقتصر العمل العسكري لـ “السوتورو” التابعة للنظام السوري في القامشلي والمناطق المحيطة بها فقط، بل شارك جزء منهم في معارك قوات الأسد بريف حمص الشرقي ومحيط العاصمة دمشق.
وفي تشرين الثاني 2015، انتقل جزء من القوات إلى مدينة صدد ذات الغالبية المسيحية شرقي حمص، وشاركت في التصدي لهحوم تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وانتشرت حينها تسجيلات مصورة أظهرت الأب كبرائيل داوود، وهو أحد القساوسة المسيحيين في جولة تفقدية على القوات شرقي حمص.
وقالت مصادر أهلية لعنب بلدي إن دوافع انتساب الشباب المسيحيين في القامشلي إلى “سوتورو النظام” تأتي لحل مشكلة الخدمة الإلزامية، إذ لا يستدعون إلى الاحتياط ولا تتم ملاحقتهم بشكل كامل.
شخصيتان للقيادة العسكرية
يتولى قيادة جناح القوات التابع للنظام القيادي سركون شمعون، وإلى جانبه في مهمة الإشراف كبرائيل داود المنحدر من مدينة المالكية (ديريك).
بينما يترأس القيادي ملكي رابو الجناح العسكري التابع لـ “PYD”، وتتركز أعماله بشكل أساسي مع الجهاز الأمني “أسايش”.
وأوردت تقارير إعلامية سابقة أن “سوتورو” التابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” باتت جزءًا لا يتجزأ منه، وعلى تواصل مباشر مع قنديل، وكان لها دور بارز في العمليات العسكرية ضد تنظيم “الدولة”، وخاصة في ريف الحسكة الجنوبي.
وإلى جانب الدعم الذي تتلقاه القوات من النظام و” PYD”، ذكر الباحث أسعد حنا في بحث مطول له، نشر العام الماضي، أن القوات تعتمد على جمع تبرعات من رجال الأعمال وأصحاب الشركات المسيحيين، والجانب الأكبر من الأموال تأتي من المسيحيين المغتربين في أوروبا.
وقال الباحث إن الأحزاب المنضوية في “السوتورو” تمتلك نوادي وجمعيات في الدول الأوروبية وخاصة السويد وهولندا وبلجيكا، وتقوم بعض هذه الجمعيات بجمع التبرعات وإرسالها إلى سوريا لدعم العمليات العسكرية والخدمية التي تقدمها القوات المسيحية.
أكاديمية عسكرية خاصة لـ “السوتورو”
في تشرين الثاني 2014 أسس “السوتورو” أول أكاديمية عسكرية آشورية (سريانية)، وسميت أكاديمية الشهيد آغا بطرس في منطقة الكورنيش في منطقة القامشلي، وأتبعت للجناح الذي يتلقى دعمًا عسكريًا من قوات الأسد.
وذكرت وكالات عالمية حينها نقلًا عن مصادر آشورية أن “خوف المجتمع السرياني/الآشوري من تطورات الوضع الأمني شمالي سوريا دفعهم لتشكيل قوات ومراكز عسكرية للدفاع عن الوجود المسيحي في المنطقة”.
ويخضع المقاتلون في الأكاديمية لتدريب “عسكري عملي ونظري”، كما تشرف المراكز الدينية المسيحية على تزويدهم بمحاضرات وإرشادات عقائدية.
وكانت منظمات حقوقية سورية اتهمت النظام، بين عامي 2014 و2015، بـ “المتاجرة” بالمسيحيين واستهدافهم، وأكّدت على أن عدد القتلى من المسيحيين بيد النظام ارتفع لأكثر من مئة ضحية، واتّهمته بأنه سعى منذ بداية الثورة لـ “المتاجرة بالأقليات وخاصة المسيحيين”.
الحراك المدني الآشوري في الحسكة
تطور الحراك المدني للآشوريين في الحسكة خلال السنوات القليلة الماضية، كما هي الحال مع المكونات الأخرى، فبعد غياب لنشاط المجتمع المدني سابقًا، بدأ يتبلور منذ مطلع عام 2012 في مجمل المناطق السورية.
تأسس مركز “آريدو” في أيار من عام 2013، ورعى عدة نشاطات في مدينة القامشلي بالحسكة، ويُعرّف نفسه بأنه مؤسسة اجتماعية مستقلة غير ربحية، تهدف إلى دعم ونشر ثقافة المجتمع المدني ضمن مختلف شرائح المجتمع السوري. |
ويقتصر العمل المدني للآشوريين في الوقت الحالي على عدد من الجمعيات والمراكز، وعلى رأسها مركز “آريدو” للمجتمع المدني والديمقراطي، و”الجمعية الآثورية للإغاثة والتنمية”.
عنب بلدي التقت غاندي سعدو المدير التنفيذي لمركز “آريدو” في القامشلي، وقال إن فعالياته تتركز على ثلاثة محاور: التوعية في أساسيات المجتمع المدني، تنمية مهارات وقدرات الشباب، الحوكمة والمؤسسات.
أربعة مهرجانات باسم “الربيع”، وحملات أبرزها “لا تكن جرحًا” ضد التمييز العنصري، هي من أبرز النشاطات للمركز، وبحسب مديره التنفيذي فإنه لا يستهدف فقط الآشوريين بل العرب والكرد والسريان والأرمن، بغض النظر عن الانتماء القومي والديني، وفق تعبيره.
يحاول المركز السعي لتحقيق المساواة بين الجميع، “ما يضمن أن تأخذ جميع المكونات الفرصة في التعبير عن نفسها، وفق رؤيتها الثقافية والقومية والدينية”، وفق سعدو.
ومن المبادئ التي يعمل المركز بها، تعزيز مفاهيم السلم الأهلي والعيش المشترك وإدخال الأفكار المدنية إلى المجتمع، على حد وصف المدير، لافتًا إلى أن الوصول إليها “يتم من خلال ورشات تدريبية لبعض الشباب أو حملات إعلامية أو نشاطات ثقافية”.
للعمل المدني أهمية للحفاظ على الهوية الثقافية، من وجهة نظر سعدو، الذي قال إن الآشوريين والسوريين ككل، كانوا مغيبين عن هذا القطاع، إذ لم تنشط مؤسسات مدنية حقيقية فاعلة على الأرض في السابق، مضيفًا أن “الآشوريين خاصة تعرضوا لحملات تعريب في المنطقة على الصعيدين الجغرافي والثقافي، بسبب سلوكيات حزب البعث والسلطة الحاكمة في سوريا”.
من وجهة نظر سعدو، فإن إعادة إحياء الخصوصية الثقافية “أمر مهم، لكن مع التعرف على الثقافات الأخرى بحكم أننا نعيش في نسيج اجتماعي متنوع”، مشيرًا إلى ضرورة “التعبير عن أنفسنا بشكل صحيح وسليم”.
واعتبر مدير المركز أن وضع العمل المدني في الحسكة ما زال في مستويات متدنية ضمن المحافظة “لا يمكن تقييمه بل سيكون من المجحف ذلك، كونه لم يمرر عليه أكثر من خمس سنوات وهي غير كافية لتقييمه”، مؤكدًا أنه في طور النمو والتطور، “هناك كثير من المؤسسات تبرز وأخرى تتعلم وتتطور”.
وأجمل مدير “آريدو” سبب عدم نشاط منظمات آشورية في العمل المدني، بأن المجتمع السوري بالعموم “لم يكن فعالًا مدنيًا أو سياسيًا، والأمر غير محصور بالآشوريين، فقد كانت قلة من المكونات الأخرى منخرطين في العمل السياسي والمدني بشكل بسيط”.
بعد الثورة أصبحت سوريا مفتوحة على تنوع سياسي وحراك مدني أوسع، فالمجتمع الآشوري كان دائمًا مغيبًا، وهذا وقف عائقًا في وجه الإنتاج الكبير والواضح خلال فترة زمنية قصيرة، حسب قول سعدو.
ما يحتاجه المركز والمنظمات المدنية في الحسكة التعلم والتدريب على مستوى أكبر، بحسب سعدو، لرفع الوعي والخبرة في المجال المدني، والوقوف ضد المعوقات والظروف التي تقيد العمل مثل قصور الدعم المادي والعادات والتقاليد.
يسعى مركز “آريدو” لتطوير الهيكلية بشكل مستمر، وهو يضم أمانة عامة ومجلس إدارة ومكاتب، بينما يتغير عدد الأعضاء باعتباره يعتمد على التطوع، مقدرًا عدد العاملين فيه ضمن مركزين في القامشلي والمالكية بين 20 و25 شخصًا.
كنائس سريانية تعرضت للدمار في سوريا
تنتشر العديد من الكنائس السريانية اليوم في مناطق مختلفة من سوريا، ومنها ما هو أثري، ومنها ما يعود إنشاؤه إلى أقل من مئة عام.
وتعرضت عدد من هذه الكنائس للتدمير الجزئي والكلي إثر الحرب في سوريا، ففي الجزيرة السورية والرقة، استهدف تنظيم “الدولة الإسلامية” الأقلية المسيحية، وعمد إلى تدمير أو تخريب بعض الكنائس، فيما استهدف النظام السوري كنائس في حمص وحلب ودرعا ودير الزور.
وفق تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عام 2015، فإن النظام السوري مسؤول عن تخريب 63% من إجمالي الكنائس في عموم سوريا.
ومنذ ذلك الحين تعرّضت كنائس أخرى للتدمير أو التخريب سواء على يد التنظيم أو “جبهة النصرة”، أو بفعل غارات التحالف الدولي.
حمص
تعرضت كنيسة “السيدة العذراء (أم الزنار) للسريان الأرثوذوكس” في حي الحميدية بحمص للقصف أربع مرات، وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما يدل علـى تعمـد استهدافها من قبل قوات النظام، وتعتبر مقر أبرشية حمص وحماة للسريان الأرثوذوكس، وهي من أشهر كنائس ومعالم مدينة حمص.
كما تسبب القصف على حي الحميدية في عام 2012 إلى دمار في مبنى كنيسة “مطرانية السريان الكاثوليك”.
دير الزور
استهدفت قوات النظام كنيسة “السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس” (كنيسة الوحدة)، التي تقع في الرشدية، ثلاث مرات في عامي 2012 و2013، ما تسبب بدمار في أجزاء عدة منها.
حلب
تعرضت مطرانية “السريان الأرثوذكس الجديدة”، في منطقة السليمانية بمدينة حلب، للقصف ثلاث مرات، من قبل فصائل المعارضة السورية، وفق الشبكة السورية.
كما استهدفت فصائل المعارضة كنيسة “سيدة الانتقال للسريان الكاثوليك”، والمطرانية التابعة لها، في منطقة العزيزية بحلب، عام 2014.
القامشلي
فجر تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2015 كنيسة “السيدة العذراء” في قرية تل نصري ذات الغالبية الآشورية بريف الحسكة الغربي، ما أدى إلى تضرر أجزاء منها.
كما أحرق التنظيم في العام ذاته كنيسة “القديس الربان بثيو” في قرية تل هرمز الواقعة على نهر الخابور في ريف الحسكة الغربي، كما أحرق كنيسة “قبر شامية” المعروفة باسم مار جرجس.