وين ولادنا.. بدنا ولادنا
إبراهيم العلوش
صاحت امرأة عجوز في صالة الفيحاء في دمشق:
– بدنا ولادنا.. وين ولادنا؟!
كان الفيديو المسرب يصور جمهور المؤيدين الغاضبين، بعد الخيبة الكبيرة لعدم ملاقاة أولادهم، والذين كان النظام قد سجلهم في وزارة المصالحة الوطنية بأنهم مختطفون في الغوطة الشرقية. وقد بلغت الأعداد المسجلة حوالي سبعة آلاف، في حين أنهم لم يجدوا إلا 140 مخطوفًا، والباقون ظلوا مجهولي المصير.
انبرى أحد أهالي المخطوفين، وأوّل الأمر إلى خيانة، واعتبر أن وزير المصالحة الوطنية علي حيدر هو من باع أولادهم، واعتبر أن بشار الأسد لا يدري بأفعال وزير المصالحة الوطنية الخائن، وبدأ بالهتاف:
– بشار يريد إسقاط الوزير!
وانقلبت الهتافات الغاضبة، والحانقة، إلى هتافات تؤلّه بشار الأسد، وتؤيد مسيرته التي أودت بذويهم.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي لمؤيدي النظام امتلأت بحالة غضب كبير على الخدعة التي كانت تخدرهم، وتقنعهم أن ذويهم أسرى عند الإرهابيين في الغوطة الشرقية، وليسوا مجهولي المصير في مغامرات بشار الأسد، وشبيحته، الذين اتخذوا من ذويهم أدوات لتأليه عائلة الأسد، حتى ولو كان الثمن تدمير سوريا، وقتل 500 ألف من أبنائها، وتهجير نصف عدد السكان على الأقل من بيوتهم، ناهيك عن عشرات ألوف المختطفين، ومجهولي المصير، وذلك على خلفية تمرير أكذوبة النصر باحتفال صالة الفيحاء بدمشق، وخداع بعض ذوي المختطفين من أنصار النظام، بأغان وهتافات، وتصوير تلفزيوني يشل إرادة ذوي المختطفين، الذين لم يقبضوا من النصر إلا وعودًا جديدة بالبحث عن أبنائهم.
سبق وأن استعملت بثينة شعبان، مستشارة بشار الأسد، مثل هذه الأكاذيب للتلاعب بمصير المختفين من المؤيدين، وفشلت فيها، عندما قالت إن ضحايا الكيماوي في الغوطة الشرقية عام 2013 هم من المخطوفين العلويين وضربهم الإرهابيون بالكيماوي للتخلص منهم!
شيطنة معارضي النظام وتصنيفهم جميعًا كإرهابيين، سببت كل هذه الكوارث وأقنعت الكثير من مؤيدي النظام بالنصر “الإلهي والقريب” ورفع شعار “خلصت.. وما ظل شي”، لكن الحقيقة هي أنه “ما ظل شي من سوريا”، ولا من أبنائها الذين يموتون كل يوم في معارك بشار الأسد والمحتلين من كل الأصناف.
عشرات ألوف العائلات السورية لديها مختطفون، ومعتقلون عند النظام بشكل أكبر، وعند غيره أيضًا يوجد مخطوفون، ويبحث كل أفراد هذه العائلات عن مصير ذويهم كل يوم، وبلا كلل، وقد بلغت الحال بزوجة أحد المختطفين وهو الدكتور إسماعيل الحامض أن تعد الأيام يومًا بعد يوم، وهي تتذكر زوجها الحبيب، وتتحدث عن مناقبه، وأهميته لها ولعائلتها الصغيرة، ومن يزور صفحة السيدة زبيدة خربوطلي على “فيس بوك” لا يملك إلا أن ينحني لهذا الإخلاص، ولهذا الوجع اليومي الذي تكابده هذه الزوجة، وهذه العائلة المكلومة. وهي حتمًا واحدة فقط من بين آلاف الزوجات والأمهات المنتظرات بمرارة.
العائلات التي صاحت في صالة الفيحاء مطالبة بأولادها تتحد مع عشرات الألوف من العائلات السورية، التي تبحث عن مختطفيها، وأسراها، وسط هذا الدمار والتشبيح الذي يقوده بشار الأسد، ويقود كل أبناء سوريا إلى الهلاك بعد سبع سنوات من القصف المتواصل. إذ بلغت طلعات الطيران وغاراته حوالي 800 ألف طلعة جوية، لتنجز هذا الخراب السوري، بالتعاون مع مختلف صنوف أسلحة جيش التشبيح الطائفي، وجيوش الاحتلالات.
وحسب صحيفة عنب بلدي ووكالة سبوتنك الروسية، فقد صرح بشار الأسد لوفد من المحتلين الروس في 15 من نيسان، بأنه يحتاج إلى 15 سنة على الأقل من أجل أن ينعش سوريا، فالسنوات السبع الماضية لم تنعش نهمه للقتل ولا للتدمير، ولم ترضه أعداد المهجرين والمختطفين بعد.
كتبت مختلف الصحف محللة، ما حاجة النظام إلى ضرب الكيماوي على الغوطة الشرقية ما دام أنه انتصر فيها وخرج مقاتلوها؟ ومن بين التحليلات كتبت صحيفة أتلانتك الأمريكية أن بشار ضرب الكيماوي بعد حالة الغضب التي انتابت أهالي المختطفين الذين شعروا بالخديعة، وهم من مؤيدي النظام من أبناء طائفته، ومن الواثقين بحربه المجنونة ضد الشعب السوري، وقد يكون الهجوم الكيماوي الأخير تعبيرًا عن السطوة والاستجابة لحالة الغضب المنتشرة بين ذوي المفقودين.
ولكن ما دام هذا النظام موجودًا، فإن المزيد من الأمهات سيصرخن غاضبات “وين ولادنا بدنا ولادنا”، وخلال الـ 15 سنة التي يطلبها بشار لإنعاش سوريا سيجد الشعب السوري نفسه بلا شباب، وأولهم الشباب من أبناء المؤيدين للنظام، والمنخرطين في حروبه العبثية ضد معارضيه. وكأني بجوقات الشبيحة يهتفون، وهم يحولون الهتافات الحزينة والغاضبة للأمهات، ويعيدون تصنيعها كتمجيد وتأليه لبشار الأسد قائد سوريا إلى الخراب، والموت، واليتم، والترمل!
ولكن دوي الهتافات والمطالبات سيظل يملأ سوريا “وين ولادنا.. بدنا ولادنا!”، حتى يصل إلى غايته، وحتى يجد المنتظرون ذويهم المفقودين، أحياء أو أمواتًا، وحتى يضعون حدًا لهذا الدمار الذي يقوده بشار الأسد وشبيحته.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :