عنب بلدي – درعا
أدت سيطرة فصائل المعارضة على مساحات واسعة من محافظة درعا إلى خروج العديد من المديريات الخدمية الرسمية عن عملها، ما أحدث فراغًا لم تتمكن هيئات المعارضة من سده، وتوسع بشكل يومي وأصبح من الصعب ردمه.
ومن بين الجهات الخدمية التي خرجت مديرية النقل، التي تولت سابقًا مهام عدة أبرزها تنظيم عملية شراء وبيع السيارات، سواء الخاصة منها أو العامة والتابعة لمؤسسات الدولة، ليغدو السوق اليوم عشوائيًا، وتظهر إلى الواجهة أنواع مختلفة من السيارات تم تصنيفها اعتمادًا على التجارة الرائجة في المنطقة.
تنقسم السيارات الموجودة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في درعا إلى ثلاثة أقسام رئيسية، بحسب هشام الحلقي، أحد تجار السيارات في ريف درعا.
وأوضح لعنب بلدي أن النوع النظامي هو الأول، وهي السيارات التي يتم ترسيمها وتجديدها لدى مؤسسات النظام السوري، ويكون كرت السيارة باسم صاحبها أو يحمل وكالة بها.
أصحاب هذه الفئة من السيارات كانوا مالكيها الأصليين قبل أحداث الثورة السورية، أو اشتروها من المالكين أو من ينوب عنهم، وسجلوها بشكل رسمي في مديرية النقل.
ويلزم هذا الأمر البائع والشاري التوجه إلى مناطق سيطرة قوات الأسد، وهو أمر غير متاح لدى الكثيرين، ما أدى إلى ظهور الفئة الثانية من السيارات، وهي بحسب التاجر ما يتم بيعه من خلال مالك السيارة، لكن لا يتم ترسيمها بشكل نظامي بسبب مخاوف البائع أو الشاري أو كليهما من دخول مناطق سيطرة الأسد.
وتتم عملية البيع في الفئة الثانية ضمن المناطق الخاضعة للمعارضة وتكتب الأوراق دون تبديل الملكية لدى مديرية النقل.
وبحسب الحلقي، تُعرف هذه الفئة من السيارات بمصطلح “المحروق النظامي”، ويقصد فيه أن السيارة بيعت من مالكها الحقيقي، لكن بإجراءات غير قانونية وغير صحيحة.
ويأتي إلى جانب هذا المصطلح ما يُسمى بـ “المحروق غير النظامي”، بحسب التاجر، الذي أضاف أن هذا النوع منتشر بشكل أكبر، عندما يتم بيع سيارة على المفتاح، دون معرفة مالكها الحقيقي أو كيفية وصولها إلى محافظة درعا.
ولا تحمل هذه السيارات أي لوحات أو أوراق، ويعتقد التاجر أن المصدر الأساسي لها في أغلب الأحيان السرقة، أو أن أصحابها اضطروا لكسر اللوحات لأسباب أمنية.
ويلجأ كثيرٌ من المشترين إلى “المحروق غير النظامي”، نتيجة انخفاض سعر هذا النوع من السيارات ووفرتها مقارنة بالفئتين السابقتين.
خطان للحصول على السيارات
وانتشرت في محافظة درعا أنواع مختلفة من السيارات من مصادر متعددة، وأوضح التاجر أن المئات وربما أكثر من السيارات وصلت من العراق، في فترة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مناطق واسعة بين العراق وسوريا.
واستغل العديد من التجار الفجوة الكبيرة في أسعار السيارات بين الدولتين، بالإضافة إلى غياب الحدود حينها، ما دفعهم إلى إنشاء تجارة جديدة تعتمد على نقل السيارات العراقية وبيعها في الداخل السوري، وهو ما ساعد على وصول المئات منها إلى جنوبي سوريا، لتُضاف إلى ما كان يصل مع النازحين من المحافظات الأخرى، من سيارات لا يُعرف مالكوها الحقيقيون.
وتشكل درعا سوقًا لتصريف السيارات المسروقة من محافظة السويداء بشكل خاص، واستغل ضباط النظام المتورطون بعمليات “تعفيش” هذه الفوضى، لاستغلال هذه السوق في تصريف ما يسرق من سيارات في مناطق سيطرة قوات الأسد.
“شبح” الكيا ريو
وأدى ظهور فئة “المحروق”، وغياب تنظيم عمليات البيع والشراء، إلى فوضى في قطاع النقل على المستوى الأمني، وانتشرت ظاهرة السرقة أو شراء المسروق وما يتبعها من خلافات على المالك الحقيقي، بالإضافة لاستخدام هذه الفئة في عمليات الاغتيال، التي تُقيد ضد مجهول نتيجة عدم القدرة على معرفة مالك السيارة منفذة عملية الاغتيال.
واستدعى ذلك مجلس محافظة درعا التابع للمعارضة إلى إطلاق مشروع لتطبيق نظام لوحات مرورية للسيارات، وذلك في أواخر 2015، إلا أن العملية اصطدمت بعقبات كثيرة، أبرزها غياب القدرة على فرض الترسيم الإلزامي على جميع السيارات، وغياب التعاون بين مديرية النقل التي افتتحها مجلس المحافظة وحواجز فصائل المعارضة المنتشرة على الطرقات.
بالإضافة إلى غياب الدعم اللازم لتوفير هيكلية مرورية كاملة تضبط كامل المنطقة الجنوبية، ليراوح المشروع مكانه لأكثر من عامين، ويتحول إلى خطة مستقبلية يطمح مجلس المحافظة لتنفيذها لاحقًا.
وأطلق ناشطون في محافظة درعا قبل عدة سنوات، مصطلح “شبح الكيا ريو” للإشارة إلى نوعية من السيارات التي نفذت عشرات عمليات الاغتيال، سجل معظمها ضد مجهول، نتيجة غياب القدرة على التعرف على أصحابها.