سوريون يعاقَبون في تركيا بسبب الزواج

  • 2018/04/22
  • 10:11 ص

فتاة سورية، 13 عامًا، تعمل في إحدى الورش في مرسين في تركيا(groene)

عنب بلدي – صبا الكاتب

“سافرت ابنتي فاطمة (16 عامًا( مع زوجها إلى تركيا، لكن وبعد ولادتها، سجن زوجها بدعوى الاغتصاب لأنها قاصر”، هكذا بدأت سلمى الشهابي، والدة فاطمة، سرد قصتها لعنب بلدي، بعد حبس زوج ابنتها منذ أكثر من أربعة أشهر في سجن الأجانب في تركيا.

فاطمة واحدة من السوريات اللواتي حملن معهن آثار عادات وقوانين تسمح بالزواج المبكر في سوريا، لكنهن اصطدمن بمخالفة ذلك لقوانين بلاد اللجوء ومنها تركيا، التي تحرم ذلك بل وتعتبره جريمة، فحلت بعد ذلك الآثار السلبية لهذا الزواج على العائلة بأسرها.

“زوجي معتقل منذ أربع سنوات في سجون النظام، ولا نعلم عنه شيئًا”، بدأت والدة فاطمة تبرير تزويج ابنتها بغياب المعيل في عائلتها المكونة من خمسة أفراد، والتي تعيش في منطقة الباب بريف حلب الشرقي، الخاضع سابقًا لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، فكانت الحياة تستحيل في ذلك الوضع دون رجل، وفق تعبير الشهابي.

ولم تخفِ الوالدة دور العادات والتقاليد في المنطقة، التي لا تمانع تزويج القاصرات، ليدفعها ذلك إلى القبول بعقد قران ابنتها شرعيًا في سن الـ 14.

لكن وبعد حمل فاطمة واشتداد القصف وصعوبة ولادتها في سوريا، اضطرت إلى السفر مع زوجها إلى تركيا، على أمل العودة مع الطفل الجديد لاحقًا إلى الباب.

الاختصاصية الاجتماعية، سلام حاجي طاهر، العاملة في منظمة “أطباء بلا حدود”، تحدثت لعنب بلدي عن تزايد قدوم حالات مثل فاطمة إلى مراكزهم في تركيا، ليس بغرض الاستشارة بل لمعرفة وضعهم القانوني في تركيا وما يترتب عليهن.

وأوضحت أن هذه الحالات بدأت بالتراجع في سوريا قبل العام 2011، لكنها عادت لتزداد بعد الحرب، خاصة مع لجوء السوريين إلى تركيا واضطرار كثير من العائلات إلى نزول بناتها للعمل والاحتكاك مع الرجال، فالأسلم، بحسب قولهم، في هذا الوضع تزويج الفتاة وتحميل زوجها مسؤوليتها.

كما أن اختلاف المجتمع له أثر كبير، فآلية تفكير كثير من الآباء والأمهات الذين راجعوا الاختصاصية ترتكز على أساس أنهم أصبحوا في مجتمع أوروبي منفتح يحمل عادات يعتقدون أنها مضرة بالأبناء، الذين لم يعتادوا عليها في سوريا، ما يدفع الآباء إلى حماية الفتيات مما يصفونه بـ “الانحراف والوقوع في الخطأ”، عن طريق تزويجهن.

وأسهم انخفاض متوسط سن الزواج بين السوريين بهذه الظاهرة، ففي تركيا يفلت الشباب السوريون من التجنيد الإجباري، وبالتالي يمكنهم البدء بالاعتماد على أنفسهم، ولو مرحليًا، من ناحية المصروف في سن مبكرة.

مقولة “البنت آخرتها لبيت زوجها”، لم تجدها الاختصاصية تغيرت حتى بعد وصول اللاجئين إلى تركيا، فالفتاة بقيت عدة سنوات بعيدًا عن مقاعد الدراسة، وبعد توهم الكثيرين أن إقامتهم في البلد الجديد لن تطول، لكن الحرب استمرت عدة سنوات، تاركة الفتاة حبيسة المنزل.

آثار سلبية لا بد منها

آثار هذا النوع من الزيجات كثيرة من الناحية الاجتماعية، وأولها نسبة “الطلاق الكبيرة”، التي تنشأ من شعور الفتاة بعد زواجها أنها فقدت استقلاليتها وعائلتها وبيتها، خاصة أن كثيرات منهن يقمن حاليًا ببيت عائلات أزواجهن.

كما أن الفتيات في الوقت الحالي يعشن في صراع بين التربية القديمة التي نشأن عليها والمحبذة لزواج الصغيرات، والواقع الآن ضمن مجتمعات اللجوء.

أما عن انتشار هذه الحالات، فلاحظت الاختصاصية وجودها خاصة بين الفئات البسيطة من السوريين، وكذلك بين شريحة لا تعلم بالقانون ونتائجه، إلا أنه بالتوعية بالقانون وآثار هذا الزواج الاجتماعي والقانوني، يُتوقع تقلص الظاهرة.

بين القانون السوري والتركي

“كنت أعلم بالقانون التركي لكن لم يخطر على بالي أن يطبق على اللاجئين السوريين”، هذا ما قالته الشهابي عن معرفتها بالقوانين في تركيا، مؤكدة أنه في كل مرة كانت تأتي إلى المشفى للاطمئنان على صحة ابنتها، كانت تتعرض للتحقيق ويغلق الأمر، لكن وبعد ولادتها ومع غياب أوراق عقد زواج ابنتها الشرعي بسبب القصف، اختلف الوضع وسجن صهرها (زوج ابنتها).

تنص “المادة 16” من قانون الأحوال الشخصية السوري على أن سن الأهلية للفتاة هو 17 مع موافقة ولي أمرها، إلا أن المادة “رقم 18” تترك الباب مفتوحًا وتقول “إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إتمامه الـ 15، أو المراهقة بعد إتمامها الـ 13، وطلبا الزواج بإذن من القاضي، يحق لهم ذلك إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما”.

عنب بلدي ترجمت القانون التركي المدني، وتنص المادة “رقم 124” على أنه “لا يحق للشاب أو الفتاة الزواج قبل أن يتموا سن الـ 17 تمامًا، لكن يجوز للقاضي أن يسمح بزواج الفتاة أو الشاب في حال إتمامهم سن الـ 16، في ظروف استثنائية ولسبب مهم، كما يجب قبل اتخاذ القرار الاستماع إلى ولي الأمر من أم أو أب أو من في مكانهما”.

ويعتبر غير ذلك “استثمارًا جنسيًا”، يعاقب الشاب عليه في القانون التركي، وقد يمتد إلى ولي أمر الفتاة وتصل فترة السجن من ستة أشهر إلى سنتين، أما في حال تصريح الفتاة أنها أجبرت على الزواج وثبت ذلك فعلًا، فقد تصل العقوبة للسجن 16 عامًا.

أما الإجراءات بالنسبة للاجئين السوريين في تركيا فأوضح لنا المثقِّف الصحي والقانوني في أحد المستوصفات التركية الحكومية، أحمد شاكر، أن هناك “عذرًا” يشمل الفتيات السوريات اللواتي تتراوح أعمارهم بين الـ 16 و17، فبعض الحالات التي شهدها، وافق القاضي على تثبيت زواجهن، كوجود وثائق تثبت ذلك أو لتقديره أن الفتاة أهل للزواج.

لكن من تقل أعمارهم عن 15 عامًا، فينصحهم شاكر بمتابعة أمورهم بالمشافي الخاصة، نظرًا للمساءلة القانونية التي من المؤكد أنها ستلاحقهم، ويسجن إثرها الزوج وولي الأمر، بل وتعدى ذلك في بعض الحالات التي لاحظها بتهديد الشاب بالترحيل من البلاد.

تعرضت والدة فاطمة إلى الاحتيال بعد دفعها مبالغ مالية كبيرة إلى محامٍ وعد بإنهاء القضية ولم يحرك ساكنًا، فتحول زوج ابنتها من سند في الحياة ومعيل، إلى شخص زاد أعباء العائلة المادية والمعنوية.

يبلغ عدد الفتيات في تركيا اللواتي أعمارهن بين 10 و18 سنة، 311 ألفًا و12 سورية، وفق آخر إحصائية لدائرة الهجرة صدرت مطلع نيسان الحالي.

ارتفع معدل زواج القاصرات في تركيا في 2017 إلى 26%، بعد أن كان في العام الذي سبقه 12%، وفقًا لتصريحات مبعوث الأمم المتحدة التربوي العالمي، غوردون براون، وفق نقرير نشره موقع ” marksist ” التركي.

وضمن تحقيق نشره موقع “حرييت” مطلع 2018، أظهر ولادة 35 قاصرة سورية في مشفى سليمان القانوني وحده في اسطنبول، خلال أول خمسة أشهر من 2017.

وفي تقرير لمنظمة “آفاد”، أظهرت دراسة أجريت في 2013، فرقًا كبيرًا في السن بين الأزواج السوريين، كما بينت انخفاضًا في عمر الأمهات اللواتي وصل سن بعضهن في الحمل ما بين 13-14 سنة.

واحتلت السوريات المرتبة الأولى في نسبة الزوجات الأجنبيات المثبت عقدهن لعام 2017 في تركيا بنسبة 19.4% من مجموع زيجات الأجانب البالغة 20 ألفًا و972، وفق دراسة لمديرية الشؤون التركية صدرت في آذار2018.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع