عنب بلدي – رهام الأسعد
باعتبارها الممثل للمجتمعات المحلية، عكست المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة السورية جانبًا من الديمقراطية التي نادى بها السوريون، حين تشكلت بانتخابات شارك فيها أهالي تلك المناطق، مواجهة تحديات إثبات الذات والقيام بدور فعّال في ظل غياب حكومة حقيقية ترعى هذه المجالس، ليكون مصيرها في نهاية المطاف مصير الأهالي أنفسهم، حين شملتهم اتفاقيات “المصالحة” التي أفضت بهم إلى التهجير القسري.
من مجلس مدينة داريا إلى مجلس حمص وحلب والزبداني ووادي بردى، التبست مهام المجالس المحلية “المهجرّة” تبعًا للتغيير الجغرافي الذي فُرض عليها، فوقعت في دوامة بين اكتساب شرعية جديدة على أرض ليست أرضها، وبين الحاجة القصوى لعملها من أجل تنظيم أمور المهجرين، الذين كانوا تحت إدارتها سابقًا.
من مجالس إلى لجان.. بحثًا عن “الشرعية”
مهدت المجالس المحلية في المناطق التي طالها التهجير، ومنها داريا وحمص وحلب الشرقية، الطريق أمام 17 مجلسًا محليًا هُجّر، مؤخرًا، من بلدات ومدن الغوطة الشرقية، والتي لا تزال تعيد ترتيب أوراقها في مناطق الشمال، التي وصلتها مؤخرًا.
المهندس محمد مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية” في سوريا، المحسوبة على المعارضة، قال إن المجالس المحلية في مناطق المعارضة السورية استطاعت أن تثبت نفسها خلال السنوات السبع الماضية رغم التحديات التي واجهت عملها، حتى أصبحت جسمًا منافسًا للجسم العسكري، حين نجحت في تقديم الخدمات العامة للمواطنين، خاصة في قطاعي التعليم والصحة.
وفي ضوء ذلك، رأى شربجي أنه من واجب تلك المجالس، التي انتخبت من قبل الأهالي، أن تستمر في عملها حتى في المناطق التي هُجرت إليها، ولكن بصيغة جديدة وبتسمية مختلفة، من شأنها الحفاظ على قانونية وشرعية تلك المجالس.
فالمجالس المحلية المهجرة فقدت جزءًا كبيرًا من شرعيتها وشروط تأسيسها، وهو “الجغرافيا” مع الحفاظ على شرط “الديموغرافيا” فقط، وللحفاظ على قانونيتها يجب أن تتحول من مجالس إلى لجان، كما هو الحال مع مجلس مدينة داريا، الذي استمر في عمله بعد التهجير إلى محافظة إدلب تحت اسم “لجنة خدمات أهالي داريا”.
وعن المهام التي يجب على تلك اللجان الاضطلاع بها، قال شربجي إنها تشمل تقديم جميع الخدمات التي كانت تقدمها سابقًا، في قطاع التعليم والصحة والسجل المدني والسجل العقاري، باستثناء القطاعات الخدمية المتعلقة بالكهرباء والماء والإنشاءات وتخديم الطرقات والشوارع، والتي تبقى من مهام المجلس المحلي المستضيف.
وأضاف، “عمل تلك اللجان ضروري ويجب أن يكون مكملًا لعمل المجالس المحلية في المناطق المستضيفة، كون هذه اللجان تملك جميع بيانات المهجرين”.
واستشهد المهندس مظهر شربجي بتجربة المجلس المحلي لمدينة داريا، الذي حل نفسه، في تشرين الثاني 2016، وتحول إلى لجنة “توافقية” تُسيّر شؤون أهالي داريا في إدلب، عقب التهجير القسري الذي فرض على أهالي المدينة في آب 2016.
وضمّت اللجنة حينها سبعة أعضاء، كل واحدٍ منهم ينوب عن منطقة، يتوزع فيها أهالي داريا ضمن ريف إدلب.
وحدد محمد حبيب، أحد أعضاء اللجنة، مهمتها بالاطلاع على مستلزمات الأهالي ومتابعة احتياجاتهم، إضافة إلى تنظيم قوائم بأعداد العائلات وأسمائهم، وأماكن توزعهم، لافتًا في حديث سابق لعنب بلدي إلى أن عمل اللجنة يركز فقط على تسيير أمور الأهالي، ولكنها لا تمثل مجلسًا جديدًا، “إذ لم نستلم من المجلس المحلي السابق سوى سيارة، والمستودع الذي احتوى على بعض السلل الإغاثية والبطانيات، إضافة إلى مبلغٍ ماليٍ وزع على الأهالي الذين خرجوا مؤخرًا”.
مجالس الغوطة الشرقية تعيد ترتيب أوراقها
تسعى الحكومة السورية المؤقتة إلى إعادة ترتيب عمل مجالس الغوطة الشرقية المحلية في المناطق التي هُجّرت إليها في الشمال السوري، وذلك بالتنسيق مع مجالس ريف حلب ومحافظة إدلب وريف حماة.
وفي وقت منحت فيه الأولوية إلى تأمين استقرار العائلات المهجرة، وضع مصير مجالس الغوطة في مرحلة تتبع مرحلة الاستقرار، رغم وجود سيناريوهات عدة تحكم عملها المستقبلي تحت إشراف مجلس محافظة ريف دمشق، الذي كانت خاضعة له قبل التهجير.
وتعليقًا على ذلك، تحدثت عنب بلدي إلى رئيس مجلس المحافظة، المهندس مصطفى سقر، الذي قال إن مجلسه يدرس مع الحكومة المؤقتة كيفية تفعيل عمل مجالس الغوطة الشرقية، مشيرًا إلى أن هناك أكثر من آلية مطروحة.
ومن بين هذه الآليات، الإبقاء على مسمى المجالس المحلية بنفس هيكليتها، وقال سقر إن من شأن ذلك تحميل أعضاء تلك المجالس أعباء إضافية، كونها تحتاج إجراءات إدارية والتزامات مالية ولوجستية “قد لا نكون قادرين على تغطيتها”، على حد قوله.
وأضاف أن من بين المقترحات أن تتحول مجالس الغوطة المحلية إلى لجان مرتبطة بشكل مباشر بمجلس محافظة ريف دمشق، الذي سيبقى قائمًا في مناطق التهجير بالشمال السوري، على أن تتوزع تلك اللجان على المناطق الجغرافية التي استقر فيها أهالي الغوطة، أو تحمل اسم بلدات ومدن الغوطة بحيث يتبع الأهالي تلقائيًا إلى المجلس الذي يحمل اسم منطقتهم.
المهندس مصطفى سقر قال إنه يميل إلى أن تبقى المجالس المحلية للغوطة الشرقية المهجرة على نفس مسماها رغم الأعباء التي ستتحملها، مشيرًا إلى أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حول مصيرها بعد.
وعن الفروقات بين مسمى اللجنة ومسمى المجلس المحلي، أضاف سقر أنها تتجسد في أن اللجنة غالبًا ما تتشكل بالتعيين والتكليف وليس بالانتخاب كما هو حال المجلس، الذي يتمتع بشخصية اعتبارية لا تتمتع بها اللجنة كونه منتخبًا من قبل الأهالي أنفسهم.
كما أن المجلس المحلي غالبًا ما يكون مستقلًا ماديًا ويملك صلاحيات ومهام أكبر من اللجنة، ما يجعل أعباءه أكبر أيضًا، حسبما قال.
وختم سقر بقوله “إننا نسعى إلى تنظيم أمور أهالي الغوطة المهجرين، بحيث لا يشكلون عبئًا على المجالس المحلية المقيمة (المستضيفة)، وذلك بتحديد جهات خاصة يتبعون لها مباشرة”.
وتعتبر المجالس المحلية أحد أهم مفرزات الثورة السورية، وتدير المناطق المحررة في سوريا منذ قرابة سبع سنوات، وتعنى بتأمين طلبات الأهالي، كما تحاول تأمين البنى التحتية في المناطق المحررة، على اعتبارها بديلًا عن حكومة النظام ودوائره في تلك المناطق، محاولة سد الفراغ الذي تركه غياب مؤسسات النظام السوري.