عنب بلدي – محمد حمص
يقبل الجنوب السوري على أزمة في أسعار الخبز، بعد إيقاف الجهة المانحة لشراء مادة الطحين دعمها تدريجيًا.
وأعلنت منظمة “فاب” الأمريكية، منتصف آذار الماضي التوقف عن دعم مادة الطحين مع نهاية عام 2018 الحالي في جنوبي سوريا بعد حوالي خمس سنوات من دعمها للمادة التي تعتبر عصب الحياة في درعا.
وأبلغت المنظمة “وحدة التنسيق والدعم” (ACU)، المعروفة بـ “وتد” في الجنوب، المعنية بتوزيع الطحين بانتهاء المنحة المقدمة، دون أن تذكر أسبابًا أخرى لتوقفها.
وأوضحت “ACU” أن منظمة “فاب” أبلغتها من خلال رسالة قالت فيها “تود الجهة المانحة لمشروع فاب إبلاغكم أنه لن يتم تجديد المنحة، ومن المقرر أن ينتهي المشروع مع نهاية 2018”.
بدوره أوضح معاون وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أن المنظمة ستخفض الكميات في البداية تدريجيًا حتى تتوقف في نهاية العام، ما يعني أنه على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة درعا والقنيطرة أن يعتمدوا على أنفسهم في تأمين مادة القمح وبالتالي مادة الطحين.
كيف يدخل الطحين إلى الجنوب
يدخل الطحين المدعوم من الأردن إلى الجنوب السوري، ويعمل على المشروع أربعة شركاء، حسبما قال مصدر مطلع لعنب بلدي، طلب عدم على ذكر اسمه.
وبحسب المصدر، تمنح منظمة “فاب” الأمريكية القيمة المالية، للشريك الإقليمي في الأردن ممثلًا بـ “البرنامج الإقليمي السوري” (كيمونكس)، والذي يسلم بدوره الطحين إلى مستودعات “وحدة تنسيق الدعم”.
وتشرف “ACU”على إدخال الطحين إلى الأراضي السورية من الأردن، ثم تقوم بتوزيعه وتسليمه إلى المجالس المحلية، وفق مذكرة تفاهم يوقع عليها الشريكان.
وتعمل المجالس المحلية للمدن والبلدات في محافظة درعا على تسليم الطحين إلى المخابز، بمذكرة تفاهم أخرى تشمل وصول التسليم والاستلام والتوثيق.
ويوقع جميع الشركاء على المذكرة القاضية بطريقة التوزيع والنسبة بين البلدات حسب التوزع السكاني لكل بلدة أو مدينة، وفي المذكرة ثلاثة أعضاء هم المسؤولون والمخولون بالتوثيق.
أول ملامح للأزمة
مع توقف الدعم التدريجي بدأت ملامح الأزمة بالظهور، وذلك بارتفاع أسعار مادة الخبز من 100 ليرة سورية (للربطة الواحدة) إلى 125 ليرة سورية، ومن المتوقع أن يشهد السوق ارتفاعات متوالية للأسعار مع مرور الوقت.
وأوضح مراسل عنب بلدي في درعا أن السكان بدأوا باللجوء، مع انخفاض كمية الخبز في السوق، إلى السوق السوداء، التي تصل فيها أسعار الخبز إلى 300 ليرة سورية.
وقال المصدر، المطلع على سير العملية الإنتاجية للخبز في درعا، إن المنظمة المانحة تغطي 30% من احتياجات السكان، ما يضطر المجلس المحلي إلى شراء القمح وطحنه والإسهام في زيادة نسبة الطحين المدعوم حتى تصل إلى %50 حتى 60% من الحاجة السكانية.
رغيف الخبز يصل سعره من ست إلى سبع ليرات سورية، وتضطر المجالس المحلية إلى رفع سعره في بعض الأحيان لتغطية التكلفة.
وفي تصريح لرئيس المجلس المحلي في مدينة درعا، محمد المسالمة، قال فيه لعنب بلدي إن “ACU” بدأت بتخفيض كمية الطحين على درعا بعد موجة النزوح التي حصلت فيها.
وكانت حصة الطحين فيها آنذاك 17 طنًا بشكل أسبوعي، إلا أنها خفضت إلى 11 طنًا أسبوعيًا.
وبحسب المسالمة، فإن المجلس طالب بزيادة الحصة دون أي استجابة، مضيفًا أن المنظمة المانحة تخفض الحصة من نصف طن إلى طن أسبوعيًا، وأصبحت حصة درعا تسعة أطنان بعد القرار الذي اتخذته المؤسسة المانحة.
حلول ممكنة.. لكن مكلفة
تعمل المنظمات والمؤسسات المعنية في جنوبي سوريا على إيجاد حل للأزمة، وما ستخلفه من ارتفاع الأسعار على المواطنين، في ظل تدهور الحالة المعيشية وارتفاع معدلات البطالة في المنطقة وتدني دخل الفرد.
وبحسب رئيس المجلس المحلي في درعا، فإن مجلس محافظة درعا وعد بالوقوف على المشكلة وإيجاد بدائل عن المنحة المقدمة من “فاب”، سواء بإيجاد منح أخرى من منظمات أو التحول إلى الاكتفاء الذاتي بالإنتاج المحلي من القمح.
وذكر المسالمة أن المحافظة يمكن أن تعتمد بنسبة 100% على الإنتاج المحلي، ولكن بالتالي سترتفع التكلفة على المواطن.
وقال معاون وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، عبد الحكيم المصري، إن القمح المزروع في حوران من النوع القاسي الذي يصعب طحنه مضيفًا أن المحافظة لا تنتج القمح الطري.
وبحسب المصري، تمت زراعة قمح طري حاليًا كتجربة لتأمين البذار للعام المقبل، ومن الممكن أن تؤمّن الحقول المزروعة من القمح الطري في العام الحالي من 40 إلى 50 طنًا، بحسب الإنتاج.
وأضاف أن هذه النوعية من القمح تحتاج إلى الزراعة في مناطق جديدة غير المناطق التي يزرع فيها القمح القاسي، كونه يحتاج إلى كميات أكبر من المياه.
وبحسب المصري، فإن المحافظة يوجد فيها مطحنة واحدة إلا أنها لا تكفي، إذ لا تؤدي المطاحن الخاصة الغرض المطلوب، ويرى أنه في حال تأمين مطحنتين إضافةً إلى المطحنة الموجودة ستلبي حاجة المحافظة.
ولكن الاعتماد الذاتي على الإنتاج المحلي سيؤدي إلى ارتفاع في سعر الخبز وقد يصل إلى الضعف أو أكثر، ما يشكل عبئًا جديدًا على المواطنين، حسبما يرى المصري.
وتحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا من 24 إلى 25 ألف طن من الطحين سنويًا بشكل تقريبي.
حكومة النظام تدخل على الخط
يعتبر محصول القمح لهذا العام في درعا جيدًا نسبيًا، بحسب ما ذكر المصدر لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن أولوية الفلاحين هي بيع المحصول.
ويؤدي ضعف الإمكانيات للمجالس المحلية وتأخير الشراء من الحكومة المؤقتة إلى دخول التجار في مزايدات السوق السوداء لشرائه من الفلاحين، ثم بيعه لحكومة النظام السوري، الذي رفع تسعيرة القمح من 145 ليرة سورية إلى 175 ليرة، هذا الموسم.
وبحسب المصدر، تحاول حكومة النظام شراء أكبر كمية من القمح حتى يتراجع ضخ المجالس المحلية و”الحكومة المؤقتة” في المناطق الخارجة عن سيطرتها، وبالتالي تمسك حكومة النظام السوري الملف.
واقع القمح في محافظة درعا
تمثل المساحة المزروعة في محافظة درعا 181 ألف دونم زراعي، بحسب تقدير “وحدة تنسيق الدعم” (ACU) في المناطق التي تستطيع الوصول إليها.
ووصلت المساحة المزروعة بمادة القمح في درعا من المساحة المشمولة بالتقييم إلى 138 ألف دونم زراعي أي ما يزيد على 90% من إجمالي المساحة المقدرة.
ويشكل القمح القاسي من المساحة المزروعة بالقمح 99% حسب تقييم عام 2017.
وشمل القمح القاسي المزروع تسعة أصناف، وكانت نسبة الصنف “شام3” تزيد على النصف تقريبًا وهو قمح مقاوم للجفاف ويمتاز بتأقلم واسع في المناطق البيئية المختلفة.
تلاه في التصنيف الزراعي للمادة “دوما1” الذي يشكل 18% من المساحة المزروعة بالقمح، والذي اعتمد على المساحة المزروعة بعليًا ويمتاز بتحمل الجفاف والتأقلم الواسع في البيئات السورية المختلفة.
وتشكل نسبة زراعة القمح غير المدعوم النسبة الأكبر، إذ تقدر نسبته حوالي 90% من إجمالي الإنتاج المحلي بالمحافظة.
ويشمل الدعم القروض الميسرة ودعم البذار والسماد.
وهذا ما تؤكده منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) عبر موقعها، فـ “بالرغم من أن الإنتاج الزراعي لا يزال ممكنًا في أنحاء كثيرة من سوريا، إلا أن الكثير من المزارعين لا يستطيعون الوصول إلى المدخلات، التي كانت مدعومة في الماضي، والتي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، أو تحمل تكاليفها”.
ويؤدي الإنتاج المحدود والمكلف الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما يؤثر بدرجة خطيرة على ثلاثة أرباع السوريين، الذين يعيشون حاليًا تحت خط الفقر ومعظمهم من المزارعين، بحسب تقدير “فاو”.