الإيجارات بين قانون العرض والطلب وحيتان السوق
يشكل قانون العرض والطلب المعيار الأساسي في تحديد سعر أي سلعة في السوق، وأي اختلال في العلاقة ما بين العرض والطلب، ينعكس خللًا في السعر التوازني للسلعة. فعندما يزداد الطلب مع محدودية العرض، ترتفع الأسعار بمنطق وقوانين السوق التي يجيد البعض التلاعب بها.
شهدت سوق العقارات في المناطق الآمنة نسبيًا، في سوريا، ازديادًا ملحوظًا في الطلب على استئجار الشقق والبيوت، وترجع هذه الزيادة في الطلب إلى نزوح الكثير من أبناء المناطق المنكوبة مثل حمص وإدلب وغيرها. وقد أدى هذا الارتفاع في الطلب إلى ارتفاع حاد وجنوني في أسعار الإيجارات، إذ تجاوزت في بعض المناطق ضعف ما كانت عليه قبل بضعة أشهر، خاصة في بعض أحياء حلب ودمشق.
ولكن، هل يعود ارتفاع الأسعار إلى قوانين السوق أم إلى قوانين الاستغلال والجشع؟
في تحقيق نشره موقع “الاقتصادي”، في 28 حزيران الماضي، حول إيجارات المنازل في دمشق، بدا واضحًا أن الاستغلال والابتزاز هما السمة المسيطرة على عقود الإيجار الجديدة. فمالكو الشقق السكنية وأصحاب المكاتب العقارية يسعون إلى تأجيرها لفترات قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وبأسعار مرتفعة. فمثلاً، في منطقة المزة (جنوب غربي دمشق) يبلغ وسطي إيجار شقة من غرفتين سوبر ديلوكس على الأتوستراد بين 500 و600 ألف ليرة سورية سنويًا (أي 50 ألف ليرة شهريًا). أما في منطقة المهاجرين، فوصل الإبجار إلى 750 ألف ليرة سنويًا.
عقد لثلاثة أشهر فقط يعكس الإدراك التام لأصحاب العقارات لظروف المستأجر وعدم قدرته على الالتزام بدفع الإيجار الشهري لفترةٍ طويلة، فهو قادم من مناطق منكوبة وقد ترك وراءه كل ما يملك بين أيدي الشبيحة ليتم بيعه في سوق المسروقات.
عقود كهذه وبأسعار خيالية، تقوم على الربح السريع ومبدأ “اضرب واهرب”، فصاحب العقار ليس مجبرًا على الالتزام بعقد لمدة سنة، وهو مدرك تمامًا أن المستأجر ليس قادرًا على الاستئجار لعام كامل نظرًا لظروفه. أما صاحب العقار أو صاحب المكتب العقاري، فيدرك الظروف الحالية وما يجري من أحداث، إلا أنهما، في كثير من الأحيان، لا يفهمانها إلا فرصة ذهبية لجمع المزيد من المال، في وقت تجمدت فيه الأسواق نتيجة ظروف أمنية واقتصادية تمر بها سوريا.
فما الذي يعنيه استغلال حاجة الناس في مثل هذه الظروف؟
أبناء المناطق المنكوبة الذين أعلنوا ولاءهم المطلق للوطن وكرامته وحريته، وقدموا كل ما يملكون وضحوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل حرية السوريين، باتوا يعيشون بين فكي قذائف النظام وأنياب حيتان السوق الذين لم تعرف قلوبهم ونفوسهم سوى الجشع والطمع. كما أن الجزء الأكبر من هذه الإيجارات يدفعه الناشطون ولجان الإغاثة المنتشرة في كل مكان، بمنح وتبرعات يقدمها السوريون في الداخل والخارج. وهذا يشكل عبئًا متزايدًا على لجان الإغاثة التي تعاني الكثير نتيجة نقص الموارد والتبرعات، مما يتطلب المزيد من الدعم لهذه اللجان لتكون قادرة على أداء المهمة التي تعهدت بها بأفضل ما يمكن.
ومع ذلك، ينبغي ألا ننسى الجانب المشرق من الصورة. فمقابل هذه الحيتان، تسبح كثير من الأسماك الصغيرة التي قد تكون قليلة العدد، ولكنها كبيرة وكثيرة بإنسانيتها وحبها لوطنها. فهؤلاء الذين فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم ليستضيفوا من أجبرتهم الظروف على مغادرة بيتوتهم، وبالمجان حتى ولو كانوا بحاجة لإيجار البيت. هؤلاء لا يعرفون قوانين السوق وبعيدون عن منطق الربح والخسارة، فهم يعملون وفقًا لقوانين الإنسانية والوطنية، وهم رابحون في كل الأحوال.
علينا جميعًا أن نكون أسماكًا صغيرة نسبح معًا في سرب واحد، وإلا ستلتهمنا أسماك القرش وحيتان السوق واحدًا تلو الآخر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :