روسيا تُفضّل الضربات الاسرائيلية
لم تكن الأصوات الإيرانية هي الأعلى نبرة قبل الضربة الأميركية-البريطانية-الفرنسية على مواقع النظام الأسبوع الماضي (رداً على استهدافه المدنيين بأسلحة كيماوية)، بل تلك الروسية. والحقيقة أن اللهجة الروسية في الحديث عن الضربة بلغت مستوى عالياً جداً، إن كان لناحية اتهام واشنطن بمحاولة تحوير التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية لإبعاد الشبهة عن المعارضة، أم لجهة اعتبارها استهدافاً لشرعية النظام وقدراته العسكرية.
الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أوضّحت هذه الرؤية في تعليقها على الضربة. الضربات استهدفت النظام نفسه، وقد تُمهّد للعودة الى مفهوم “ضرورة رحيل الأسد” وفكرة “الربيع العربي” (وبالتالي الى المؤامرة الغربية ضد الحكومات العربية). كما أنها، ومن وجهة النظر الدبلوماسية، “لم تستهدف موقعاً جغرافياً على الأرض فحسب، بل استهدفت القوانين الدولية ومنظومة العلاقات الدولية بشكل كامل”، وفقاً لزاخاروفا. بكلام آخر، تُهدد مثل هذه الضربات النظام السوري وشرعيته، ومعه هيبة موسكو ودورها في المحافل الدولية.
في مقابل هذه الضجة الاعلامية الروسية الأخيرة حيال الضربات الأخيرة، التزمت موسكو الصمت حيال القصف الاسرائيلي المتواصل. لماذا؟ وما الفارق بين الضربات الاسرائيلية والغربية؟
أولاً، لم يستهدف الإسرائيليون البنية التحتية للنظام من منشآت وقدرات عسكرية، كما فعل القصف الغربي، بل تتركز ضرباتهم على منع الوجود العسكري الدائم لإيران وميليشياتها، ووقف شحنات سلاح خارج اطار الحرب السورية.
تبدو مثل هذه العمليات أقرب إلى المنطق الروسي لجهة أن النشاط الإيراني ومحاولات التوسع على الأراضي السورية، تُساهم في تآكل النظام. بيد أن ما يُشاع عن رغبة روسية في اعادة تأهيل مؤسسات الدولة السورية، لا يتطابق مع خطط ايران لديمومة الميليشيات الطائفية وانشاء قواعد دائمة على الأراضي السورية. موسكو تُريد العودة إلى مرحلة ما قبل عام 2011، لا تحويل سوريا إلى لبنان آخر تفقد فيه الدولة قرار الحرب والسلم لمصلحة طهران.
ثانياً، العلاقة بين اسرائيل وروسيا تطورت ايجاباً خلال السنوات الماضية، إذ زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تل أبيب مرتين، في حين حلّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضيفاً في موسكو أكثر من مرة. الصحافة تتحدث عن كيمياء بين الرجلين، إحدى علاماتها ليونة بوتين في التعاطي مع المصالح الاسرائيلية في سوريا. يغض النظر عنها طالما لا تستهدف قواته ولا مؤسسات النظام ومنشآته الخاصة، على الأقل بما يؤثر في مسار المعركة.
وهذه مصلحة اسرائيلية أيضاً، إذ تريد تل أبيب أيضاً العودة إلى ما قبل عام 2011، لجهة الهدوء شمالاً وسيطرة النظام السوري وضمانه أمن الجولان، والأهم احتكاره السلاح وتحمّله حصراً مسؤولية السلم على الحدود. ذاك أن وجود الميليشيات الشيعية والقوات الايرانية يعني حكماً استخدام الساحة السورية في أي مواجهة اقليمية.
ثالثاً، لدى روسيا علاقات أوسع وأهم من أن تُربط بالمحور الإيراني بالمنطقة. لعبت موسكو دوراً في التنسيق بين أطراف مختلفة، حتى بين طهران والرياض (من أجل خفض انتاج النفط)، وتُوازن بين اسرائيل وإيران في الساحة السورية. لذا فإن من مصلحة روسيا تحييد سوريا حيث قواعدها الدائمة، كساحة للنزاع بين طهران وخصومها، وبخاصة أن بين الفئة الأخيرة من تطمع موسكو بتحويلهم الى زبائن لسلاحها.
حالياً، تبقى المشاركة الإيرانية في الحرب السورية ضرورية، لا بل أساسية لتقدم قوات النظام بدعم جوي روسي، لذا فإن غض النظر عن اتساع الوجود الايراني في سوريا قرار استراتيجي. لكن من المرجح أن يتبدل هذا الواقع اثر انتفاء هذه الحاجة، سيما لو أخذنا في الاعتبار الطبيعة الأمنية للنظام في سوريا، والحسابات الروسية المختلفة استراتيجياً.
ذاك أن تل أبيب أقرب إلى موسكو في رؤيتها لمستقبل سوريا، من ايران: عودة نظام السطوة الأمنية تضمن الحدود الشمالية والمصالح الروسية في آن، بخلاف “الساحة” حيث الميليشيات والاحتمالات المفتوحة. ولهذا السبب تحديداً، يُفضّل الروس الضربات الاسرائيلية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :