أطفال حولتهم الحرب إلى “لقطاء”

  • 2018/04/15
  • 10:16 ص

طفل بلا مأوى يعزف الموسيقى في الشوارع بالقرب من جامعة دمشق. (gulfnews)

عنب بلدي – حلا إبراهيم

“طفل في الثالثة من العمر تقريبًا يرتدي قميصًا أحمر و(شورت)”، هذا ما قاله الشرطي بسام، لرئيس القلم في قسم القنوات بالعاصمة دمشق، عندما أبلغه بضرورة تعميم برقية، بوجود طفل تائه أحضره المارة إلى القسم.

كانت هذه بداية رحلة “محمد”، كما عرّف عن نفسه للشرطة، لكنه لم يكن يدري بعد اسم أبيه أو أمه، ما جعله في نظر المجتمع والقانون “لقيطًا”، بعد تحويله إلى مركز الرعاية.

وألقت سنوات الحرب بثقلها على السوريين جميعًا، لكنها حملت الأطفال أوزارًا ليس لهم ذنب فيها، فكانوا يدفعون ثمن التهجير والنزوح إلى مناطق غريبة، بعيدة عن مسقط رأسهم.

من تائه إلى لقيط

ازدادت أعداد الأطفال مجهولي النسب في سوريا، وهم ليسوا بالضرورة “أبناء زنا”، كما يفسر الناس هذه الكلمة، فقد فرضت الحرب أوضاعًا غير مألوفة على كثير من السوريين، وخاصة في المناطق التي شهدت صراعات.

وكانت آخر إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية بداية عام 2018 عن تجاوز عدد الأطفال مجهولي النسب المسجلين 300 طفل.

إلا أن هذه الأرقام ليست دقيقة، خاصة مع عمليات النزوح الجماعي بسبب الأعمال العسكرية، وما تسببه من تشتت للعائلات في مناطق تحكمها قوى متصارعة.

ففي حلب مثلًا، أحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) 324 طفلًا غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم.

وأحيل الأطفال إلى بيوت مؤقتة آمنة، بينما تسعى “يونيسف” مع شركائها من المنظمات المحلية غير الحكومية لاقتفاء أثر الأبوين، أو أقرب الأقارب الباقين على قيد الحياة، أو أفراد الأسرة الممتدة، بحسب تقرير نشرته المنظمة عام 2017، على خلفية المعارك في أحياء حلب الشرقية، التي انتهت بسيطرة النظام السوري عليها في كانون الأول 2016.

وهذا ما أشار إليه القاضي الشرعي الأول، محمود المعراوي، عندما تكلم عن وجود أطفال تائهين منعهم صغر سنهم، أو علة فيهم، من الإفصاح عن نسبهم، كما نوه إلى وجود أطفال ولدوا نتيجة أعمال اغتصاب.

تغيير في القوانين السورية

كذلك أكدت رئيسة منظمة شؤون الأسرة، هديل الأسمر، أن الأزمة أسفرت عن أطفال انفصلوا عن آبائهم، مشيرة إلى إعداد مشروع قانون جديد بإلغاء كلمة “لقيط” وتسمية الطفل الذي لا يعرف والداه “مجهول النسب”، وذلك لوقعها الاجتماعي والنفسي السيئ على الطفل، وخاصة عندما يكبر وينخرط في المجتمع، بحسب ما قالت الأسمر لصحيفة “الوطن” المحلية.

في حين بقي أطفال بصفة “مجهولي النسب” وإن كانوا في رعاية أمهاتهم، لعجز الأمهات عن إثبات زواجهن أو نسب الطفل إلى أبيه، بسبب مقتل الأب خلال المعارك أو في مكان يصعب تثبيت الحالات المدنية فيه لأسباب أمنية.

وناقش مجلس الشعب السوري، عام 2017، مشروع قانون يقضي بتنظيم أمور “مجهولي النسب”، وفرض عقوبات جنحية ومالية على كل شخص يمتنع عن تسليمهم.

ويفرض مشروع القانون، الذي تقدمت به وزارة الأسرة والمرأة للمجلس، عقوبة بالحبس من ثلاث إلى ست سنوات، على كل من يخفي معلومات أو يمتنع عن تسليم الأطفال “مجهولي النسب”.

كما فرض غرامة مالية تصل إلى 400 ألف على كل من تقصد إخفاء معلومات تتعلق بالطفل، بهدف عدم تعرف والديه أو أحدهما أو أصوله عليه.

أحكام اللقيط في القانون السوري

عرف قانون الأحوال الشخصية السوري “اللقيط” بأنه مولود حي نبذه أهله خوفًا من الفقر أو فرارًا من تهمة الزنا.

ويأخذ اللقيط حكم مجهول النسب، ويقيد في الأحوال المدنية في موضع خاص، ويختار أمين السجل المدني اسمًا ولقبًا له، ويسمي له أبًا غير معين، ولكن تبقى كلمة “مجهول النسب” ملازمة له في سجله المدني.

بحسب القانون يحال الطفل إلى مركز رعاية، حيث تتم كفالته وتعليمه، ويعامل معاملة اليتيم، إلى أن يتم الثامنة عشرة من عمره، بعدها يغادر مركز الرعاية، إلى الوجهة التي يشاء، إذ ينتهي دور مركز الرعاية.

وأجاز القانون للأسر أن تكفل أطفالًا من مركز الرعاية، بموجب قرار من وزير الشؤون الاجتماعية، لكن بشرط ألا يكون هناك تبنٍّ، إذ تقوم بعض الأسر وبشكل مخالف للقانون بتزوير السجلات المدنية، وإعطاء الطفل نسبتهم، ليصبح ابنهم قانونًا، ورغم ذلك يعتبر “تغيير نسبة” وليس “تغيير نسب” وبالتالي لا يخول الطفل أن يرث من هذه العائلة.

ويعتبر بحكم “اللقيط” بموجب المرسوم التشريعي رقم 26 لعام 2007 الخاص بالأحوال المدنية، الطفل مجهول النسب ولا يوجد من يعيله، والطفل الذي يضل الطريق ولا يملك المقدرة للإرشاد عن ذويه لصغر سنه أو ضعفه العقلي أو لأنه أصم أبكم.

أثر كلمة “لقيط” على نفسية الطفل

يشرح الاختصاصي النفسي أحمد شيخاني لعنب بلدي كيف يؤثر إيداع الأطفال مجهولي النسب في مراكز الرعاية سلبًا على نفسيتهم، إذ إنه عند وجود خمسة أطفال أو أكثر أحيانًا مع أم بديلة واحدة، غالبًا يكون التأهيل غير كافٍ، ويضيف “الأسرة ليست فقط أمًا، بل الأسرة أب وأم وعلاقات اجتماعية، فمن الصعب تعويض هذا النقص الذي يشعر به الطفل من غياب كل ذلك”.

ويؤكد شيخاني أن الطفل يكون متأثرًا بظروف الحرب، فمن الممكن أن يكون اكتسب ميولًا عدوانية وبالتالي يحتاج لرعاية خاصة، كما أن وجود هؤلاء الأطفال في مراكز الرعاية لن يوفر لهم العناية النفسية الكافية، والتي ستنعكس آثارها على الطفل مدى حياته، وغالبًا سيتحول إلى شخص عدواني.

وعن الحلول المقترحة لتلافي جنوح الطفل مجهول النسب، يقول شيخاني إن “الكفالة المتجسدة في دفع مبلغ من المال إلى دور الرعاية أمر جيد ولكنه غير كاف في حالة أطفال سوريا المتأثرين بظروف الحرب، فالعلاقات الآمنة هي أقوى عامل لمساعدته على تجاوز الخبرات الصعبة، إضافة إلى حملات مجتمعية لتعزيز سلوك الكفالة في المجتمع”.

رغم ذلك، يبقى تأمين حياة طبيعية لهؤلاء الأطفال ضمن أسر تؤمّن لهم كل الظروف الصحية حلمًا، في مجتمع يعامل يتيم الحرب ومجهول نسب الحرب على أنه “لقيط”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع