عنب بلدي – صبا الكاتب
حمل اللاجئون السوريون في أثناء رحلة لجوئهم عادات وحقوقًا وقوانين من بلادهم، لكنهم اصطدموا بحظرها في بلدان القارة العجوز قانونيًا واجتماعيًا، ليصبح ملف تعدد الزوجات مثلًا من أكثر المواضيع إشكالية لدى من تزوجوا أكثر من امرأة قبل لجوئهم.
ورغم أنه يبدو في الظاهر ملفًا هامشيًا، لكنه يشي بكثير من التخبط الذي يسيطر على أسلوب عمل سلطات الهجرة، والذي ينعكس على اللاجئين بالتأكيد.
“لا أحد ممن يأتون إلى هنا له الحق في أن يضع قيمه الثقافية أو معتقداته الدينية فوق قانوننا”، هكذا أبدى وزير العدل الألماني، هايكو ماس، في 2016، رغبته بإلغاء الاعتراف بمبدأ تعدد الزوجات، وحتى بين الحالات الفريدة التي بدأت عندما وصل لاجئ سوري مع زوجتيه وأطفالهم، عام 2015، بصورة منفردة إلى ألمانيا، ثم تجمع الزوجتان والزوج في ولاية بينيبرغ الواقعة شمالي ألمانيا.
تلاها اسثناء من قبل سلطات الولاية نفسها لرجل سوري جلب زوجته الأولى وأطفاله الأربعة من زوجته الثانية إلى ألمانيا، دون والدتهم التي كانت مقيمة في اليونان، وسمح لها، في كانون الثاني الماضي، بالقدوم إلى البلاد والانضمام لزوجها وأطفالها.
غض نظر عن بعض الحالات.. فقط
تسمح معظم الدول العربية بالتعدد ويحق فيها للرجل الزواج من أربع، بموجب الشريعة الإسلامية، بعكس ألمانيا التي تحظره قانونيًا وتعتبره جرمًا يعاقب عليه.
محمود عفارة، الذي يعمل في مكتب استشارة قانونية للاجئين في ألمانيا، أوضح لعنب بلدي أن العقوبات بشأن الزواج من أكثر من امرأة قد تصل إلى حد سحب حق اللجوء، أو رفع الحد الضريبي على المواطن العادي.
ويدرس الادعاء العام الألماني، في نيسان الحالي، إمكانية رفع دعوى قضائية ضد إدارة المنطقة التي استثنت الحالتين، بعد أن تسلمت 30 طلبًا لإقامة دعوى ضد إدارتها المحلية تتهمها بأنها تشجع تعدد الزوجات.
وبررت الولاية قبولها بلم الشمل، أن قراراتها “لا تشكل قاعدة عامة ولا يتم دعم تعدد الزوجات، لكنه يقع خارج إمكانياتها القانونية في التأثير على الحقوق الخاصة بالزواج في دول أخرى”، فالأمر يتعلق بالمقام الأول، وفقًا للمتحدث باسم الولاية، أوليفر كارستينس، بـ “وضع ورفاهية الأطفال”.
وأكد عفارة أن تلك الاستثناءات لا تكاد تذكر بالنسبة لموجة اللجوء، كما لا تعتبر موافقة قانونية على وجود أكثر من زوجة، بل مجرد “غص نظر فقط” من الولاية.
والأمر يرتبط بالموظف المسؤول عن الملف، والذي قال عفارة إن بإمكانه حتى تجاوز القانون دون الرجوع للمسؤول الأعلى منه رتبة.
أما في حال قدوم الرجل مع أكثر من زوجة، يعترف القانون الألماني بزوجة واحدة قانونيًا، بينما تعامل الأخريات كـ “صديقات” لا يمتلكن حقوق الزوجة حتى لو كان له منهن أولاد.
المرأة ليست نصف المجتمع الألماني.. بل كله
تعتبر المرأة في المجتمع الألماني “مقدسة”، وتمثل كل المجتمع، وفقًا لعفارة، وحتى القانون يعطيها حقوقًا كالرجل بل ربما يحميها أكثر منه، فعلى سبيل المثال يسجَّل الأطفال في حال عدم وجود زواج قانوني على اسم والدتهم التي تتكفل بهم وتلاحَق قانونيًا عنهم.
وهذا يعزز نظرة المجتمع السلبية للتعدد، ورفضه لذلك، حتى في حال اعتبارها (الزوجة الثانية) “صديقة”، إذ تستطيع الزوجة الأولى رفع دعوى على شريك حياتها عند عدم رضاها عن تصرفات زوجها مع “صديقة” له.
كمجتمع ألماني، أوضح الخبير بشؤون اللاجئين، أنه لا يدقق ولا يهمه موضوع الإعانات التي تمنح للاجئين، لأنه يرى أن اللاجئ سوف يتعلم اللغة لاحقًا ويصبح عضوًا منتجًا هناك أو في بلده.
أما “الآوسلندر”، أو الألمان من أصول أجنبية، فهم من يعطون تقييمات واحتجاجات على الدعم المقدم للاجئين ويعتبرون أنه يؤخذ من الضرائب المستقطعة من رواتبهم الشهرية.
خوف من المستقبل من الطرفين
تنتشر حاليًا مخاوف في المجتمع الألماني من تعميم القرار في الولاية المذكورة، خاصة في المجتمع ذي الأغلبية المسيحية.
ويعتزم رئيس الوزراء، ماركوس زودر، في نيسان الحالي، تقديم مبادرة تشريعية لمجلس الولايات لحظر الاعتراف القانوني بأكثر من زوجة بشكل صارم أكثر في ألمانيا.
ويعد تثبيت عقد الزواج للمرة الأولى في ألمانيا أمرًا “طويلًا ومعقدًا” حتى للألمان أنفسهم، ما يثير التساؤل حول مدى تقبل واعتراف ألمانيا بعادات الأجانب الغريبة، ومنها تعدد الزوجات.
ويراود اللاجئين في الفترة الحالية قلق بشأن لم شمل ذويهم، وكان وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، المتشدد في مجال الهجرة واللاجئين، قال في خطابه بعد تسلم منصبه، إنه لن يتم السماح لأكثر من ألف شخص بدخول ألمانيا شهريًا عن طريق لم الشمل.
لم الشمل يدفع ببعض اللاجئين للعودة
وتزداد أعداد اللاجئين الذين يغادرون ألمانيا إلى تركيا، رغم امتلاكم إقامات سارية، بحسب بحث مشترك أجراه برنامج “بانوراما” التابع للمحطة التلفزيونية الأولى “ARD” بالتعاون مع مجموعة “فونك” الإعلامية، ونشر في 12 من نيسان.
وقال أحد المهربين إنه يعيد يوميًا ما يصل إلى 50 لاجئًا إلى تركيا، معظمهم لاجئون سوريون لديهم تصريحات إقامة سارية في ألمانيا.
في حين أكد مهرب آخر، أنه يعيد إلى تركيا لاجئين أكثر من اللاجئين الذين ينقلهم من تركيا إلى أوروبا.
وأرجع البحث سبب عودة اللاجئين إلى تركيا إلى صعوبة لم شمل عائلاتهم.
وفي تصريح للبرنامج قال ممثل المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة في ألمانيا، دومينيك بارتس، إنه سمع عن مثل هذه الحالات “الفردية”، ولكنه لا يستطيع تقدير عدد هؤلاء اللاجئين الذين يفضلون العودة إلى تركيا بشكل غير شرعي على البقاء في ألمانيا بإقامة سارية المفعول.
ورأى ممثل المفوضية أن هذه التقارير تؤكد أن ألمانيا لا تولي الأهمية اللازمة لمبدأ الحفاظ على الأسرة.
حقائق عن الأجانب والألمان
بلغ عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية في 2017 حوالي 699 ألف شخص، واحتلوا بذلك ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد بعد الأتراك والبولنديين.
23% من عدد سكان ألمانيا البالغ 82 مليونًا ينحدرون من خلفيات مهاجرة، أي الأجانب وحاملو الجنسية الألمانية من الأصول المهاجرة.
تعيش النسبة الأكبر من الأجانب في الولايات الغنية: معظمها في بافاريا ثم شمال الراين، وتليها بادن-فورتمبورغ.
(المصدر: مكتب الإحصاء الاتحادي)