لا تقصفوا القصر الجمهوري!

  • 2018/04/15
  • 12:18 ص

إبراهيم العلوش

تجتمع الأساطيل وتنادي بعضها بعضًا، باتجاه الساحل السوري، وتتهيأ الصواريخ والطائرات، وتخرج المدفعية من مرابضها، وهي تعاين السمت المتجه إلى سوريا… كل العالم يجرّب أسلحته، واستراتيجياته، وهو يتدرب فوق السوريين ويكمل مهمة النظام في تدمير سوريا، وتأتي القوات بدعوة مباشرة من نظام الأسد، أومن غير دعوة مباشرة.

وفي هذه اللحظات الفاصلة نتوجه بنداء إلى كل القوى، وإلى كل الدول.. ألا تقصفوا القصر الجمهوري بدمشق.

لا نريد أن تقوم قذائفكم الجوية، والأرضية، بتدمير القصر الجمهوري.

ليس لأن فيه أسرارًا حكومية أو أسرارًا عسكرية، أو أسرارًا تاريخية، فحافظ الأسد الذي بناه، لم يكن يؤمن إلا بنفسه، ولم يكن يأبه لا للتاريخ، ولا للجغرافيا، ولا للمزاعم الحضارية.

وليس لأن فيه أعمالًا فنية وتاريخية ثمينة، فالكثير من الفنانين، الذين اصطفى حافظ الأسد وابنه لوحاتهم، ما يزالون موجودين، وهجروا الفن إلى التشبيح والسهر في الكباريهات التي تشهد نهضة غير مسبوقة، وتكاد أن تسابق فنون عصر النهضة الأوروبية في ازدهارها.

وليس لأن فيه مسبحة إسلامية، أو أيقونة مسيحية فيها أسرار ربانية، ولا يمكن السماح بتدميرها، فرجال الدين المسلمين والمسيحيين من أنصار النظام يضعون أرجلهم في المرويات، وفي القواعد الأخلاقية، ويتبارون في القيمة مع الكباريهات التي هجرت ريف دمشق إلى حارات دمشق القديمة.

وليس لأن القصر الجمهوري أضحى منتدى للمفكرين، وملتقى للندوات الحوارية، الفكرية، والسياسية، والتاريخية، التي ترسم مستقبل البلاد، وتتأكد من استمرارية نموها وازدهارها.. لا أبدًا وحاشا لله!

وليس لأن الناشطين السلميين، وأصحاب الرأي المعارضين، تم توقيفهم في القصر الجمهوري حفاظًا على حياتهم، وعلى أفكارهم الخلّاقة، من بعض الممارسات الشريرة لأجهزة المخابرات المستكلبة على الناس، ومن بعض الطائفيين الذين يريدون حرق الأخضر، واليابس، وتصفية “منجزات الحركة التصحيحية” في هذا البلد!

لا نريد الحفاظ على القصر الجمهوري حرصًا على حياة بشار الكيماوي، ولا على مستشاريه الذين يزفرون السارين والأحقاد.

ولا نريد الحفاظ على القصر الجمهوري من أجل أن نجعل منه متحفًا فنيًا، وثوريًا، يؤرخ للشهداء، ولضحايا الاستبداد، ويجعل القصر الجمهوري هذا، متحفًا وطنيًا نابضًا بالحياة، ودافعًا للأجيال القادمة، من أجل نهضة البلاد، ونشر روح التعاون، والابتكار من أجل رقي بلادنا السورية.

ولا نريد هذا القصر قلعة لآل مخلوف، من بعد آل الأسد، وتحت شعار نستثمر أموالكم من أجل أن نبقى فوق رؤوسكم.

ولا نريد هذا القصر من أجل الحفاظ على هيبة آل طلاس، والتعويض عليهم بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدوها، وهم يعارضون آل الأسد، وسعيهم لدى الجهات الدولية لاستبدال عائلة الأسد، بعائلة مصطفى طلاس، صاحب النياشين، والمؤلفات، والتواقيع التي أهلكت عشرات ألوف الشبان السوريين في المعتقلات منذ الثمانينيات.

ولا نريد هذا القصر الجمهوري، من أجل أن يسكن فيه قاسم سليماني، صاحب الفضل والخيرات الطائفية، والحواجز، وطرق التهجير والتعذيب المبتكرة.

ولا نريد هذا القصر من أجل تكريم لجنة المصالحة الروسية، والمضطرة للسكن في مطار حميميم، وهي مشغولة بمصالحة البلد بالقذائف، وبالصواريخ، وبالبيانات المزينة بطلّة “ماتازوف”… الأيقونة الروسية التي تلخص العصرين السوفياتي والبوتيني، وبأبهى حللهما القمعية.

نريد هذا القصر الجمهوري من أجل ألا نتكبد خسائر إعادة إنشاء واحد جديد.

فلدينا ألوف المتسابقين لشغل وظيفة بشار الأسد، متسابقون وطنيون، وثوريون، إسلاميون، وعلمانيون، عصاميون يعتمدون على أنفسهم، وينمون عبقرياتهم، وتعاونيون ترشحهم دول وأحلاف غربية وشرقية، ولديهم أساليب أكثر تطورًا من أساليب بشار الأسد، ولديهم بهارات وطنية، وبهارات دينية بنكهات طائفية متعددة، وهم يطلون على وسائل الإعلام مبتسمين بعمق، متوعدين الإخوة المشاهدين بانبلاج فجر عبقرياهم، وفرادتهم في التكتيك والمناورة، وبقدرتهم على الاستثمار بمن استشهد من أقاربهم، أو من معارفهم، هم يتقنون دور الضحية، ودور المظلوم، ريثما يتسنى لهم ممارسة الظلم، والتضحية بالآخرين.

نريد هذا القصر الجمهوري للبيوض الاستبدادية التي تتفقس في أوساط القادة والمنظرين والعسكر من أنصار الاستثمار في الثورة، وهم يرفعون شعار الثورة، ولا يؤمنون بها في قرارة أنفسهم المتورمة، ويحيون الشهداء، ولكنهم في دواخل أنفسهم يعتبرونهم مجرد مخدوعين، ووسيلة لهم، يصلون بها إلى المال، وإلى السلطة القادمة إليهم لا محالة.

ينادون بالروح الجماعية، وبالعمل المشترك، وبالتضحية، وهم لا يريدون الآخرين إلا كمنافقين، وكشبيحة لهم على قياس شبيحة الأسد.

فهؤلاء نسخ جديدة من شبيحة بشار الأسد، وبلون مختلف، ولا يؤمنون إلا بأنفسهم، ولا يقبلون إلا بعبقرياتهم الفريدة، التي تبتلع القوانين، والقيم، وتحطم روح العمل الجماعي. وهم كفيلون بالحصول على المساعدات الدولية، من أجل بناء قصر جمهوري جديد خاص بهم، ولا يقبلون بأحد غيرهم حتى تقرر الجهة التي تدعمهم بتصفير وجودهم.

هؤلاء سيبنون مجدهم وقصورهم على حساب مدارس أبنائنا، وعلى حساب بيوتنا المهدمة، وعلى حساب دماء شهدائنا، إنهم راقصو الحرب البارعون، الذين يتنقلون كل يوم من مدينة الى أخرى، ومن قيادة فصيل، أو حزب، أو جمعية، أو مركز، إلى قيادة أخرى. ويتاجرون بالأفكار، وبالفتاوى، وبالمذاهب، وبالسلاح، وبالمواد الغذائية، وبالتحالفات التي تضع أعناق أبنائنا على حافة حراب المستعمرين والغزاة الجدد.

نريدكم أن تتركوا لنا هذا القصر الجمهوري، ليتنعم فيه أشباه بشار الأسد، ومن أجل أن نرتاح قليلًا من مناوراتهم، ومن أورامهم، علّنا نستطيع أن نتنفس قليلًا، قبل أن نبدأ جولتنا الجديدة للقضاء عليهم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي