عنب بلدي – العدد 142 – الأحد 9/11/2014
لن ينسى أهالي داريا يوم الخميس 8 تشرين الثاني 2012، حين بدأت قوات الأسد مهاجمة المنطقة الشرقية، منفذة إعدامات ميدانية بحق شباب المنطقة، بالإضافة إلى حرق ممتلكاتهم، لتنتهي الحملة بوضع حاجزين وسط المدينة.
قام الجيش الحر بعدها بضرب الحاجزين يوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2012 وتمركز على مداخل المدينة، وفي المقابل بدأ النظام بحملة شرسة عبر عدة محاور، ليبدأ أهالي داريا بالنزوح حتى لا يتكرر مشهد مجزرة داريا الكبرى.
معاناة الداخل والخارج
وخلال سنتين توزع أهالي المدينة البالغ عددهم قرابة 250 ألف نسمة بين نازحين في البلدات المجاورة، أو محاصرين من كل الجهات وعددهم 6 آلاف مدني، إضافة إلى ناشطين ومقاتلين في الجيش الحر.
أبو عمار أحد النازحين تنقل بين بلدات الريف الغربي يقول لعنب بلدي «لم نتلق من الأهالي المناطق التي نزحنا إليها ما كنا نتوقع، فقد أطل بعضهم بوجه بغيض وكانوا يسبون ويشتمون ويلقون بالإهانات على النساء والرجال والأطفال، كيف أتيتم إلينا.. ارجعوا إلى مدينتكم».
ليقع النازحون بين كماشتين، قبضة نظام الأسد وبعض سكان البلدات المستضيفة، بالإضافة تعطل أعمالهم وصعوبة في تأمين مستلزمات حياتهم من الطعام والأدوية والمحروقات.
وفي إحصائية ينقلها لعنب بلدي أبو أحمد، المدير السابق للمكتب الإغاثي، حول أوضاع النازحين في الخارج، يقول: «هناك أكثر من 2900 طفل ما استطاع أحد أن يؤمن لهم الدواء، وأكثر من 2400 عاجز مصاب بأمراض مزمنة بحاجة لدواء دائم، و500 امرأة تعاني من المرض و19 ألف عائلة، أي ما يقارب 128 ألف نسمة، تم تسجيلهم من قبل لجان الإغاثة الخارجية، وصل الدعم إلى جزء منهم، وهناك الكثير لم نستطع تأمين ما يلزمهم من متطلبات الحياة أما عدد النازحين فيقدر بحوالي 230 ألف نسمة».
الأسد يشن حملات عقيمة
داخل داريا قصة «صمود» أخرى كما ينقل ناشطو المدينة، إذ شنت قوات الأسد عدة حملات بأعداد كبيرة من الجنود والآليات الثقيلة؛ ورغم أن الجيش الحر يعاني من نقص الخبرة والذخيرة والعتاد، إلا أنه تمكن من إيقاف تقدم القوات المهاجمة، وقتل 6 من قادة للأسد على تخوم المدينة.
يقول النقيب أبو جمال، القائد العام للواء شهداء الإسلام المقاتل في المدينة، أنه «بالرغم من كون داريا محاطة بالقطع العسكرية إلا أن المدينة استطاعت أن تصمد في وجه هذه الحملة الشرسة، وبعد شهر شباط عام 2013 لم يخسر الجيش الحر أي نقطة داخل المدينة».
ابتكار أساليب بديلة
أما التحدي الأكبر داخل المدينة بعد هدوء الجبهات، فهو الحصار الخانق الذي استنفذ مدخرات الأهالي والجيش الحر، كما توقف الفرن عن إنتاج الخبز، وعمد مطبخ الإغاثة إلى تخصيص وجبة واحدة من «الشوربة» والماء استمرت لأشهر.
بعد ذلك بدأ المجلس المحلي وبعض الكتائب بزراعة مساحات من الأراضي للاكتفاء ذاتيًا وابتكار أساليب تعوّض غياب مقومات الحياة الأساسية، وسط ارتفاع خيالي في أسعار المواد التموينية.
ضغط للقبول بالهدنة
وبعد هدنة المعضمية مطلع العام شهد الوضع الإغاثي تحسننا داخل المدينة، لكن برزت تحديات أخرى منها ضغوط النظام على سكان المدينة لإبرام اتفاقية وفق الشروط التي تناسبه، تزامنًا مع حملات للقصف العنيف من البراميل المتفجرة، إضافة لضغوط كبيرة يمارسها بعض النازحون بسبب الظروف الصعبة التي يعانون.
القوى العاملة في المدينة قامت باستقبال لجنة وساطة من قبل نظام الأسد، ثم أرسلت لجنة تمثلها لمفاوضة الأسد في دمشق مطلع أيلول الماضي، لكن المفاوضات توقفت بسبب تعنت النظام على انسحاب مقاتلي المدينة منها، وعدم قبوله بشروط اللجنة وأبرزها إخراج المعتقلين.
يقول النقيب أبو جمال «كان الضغط علينا للقبول بالهدنة بسبب الحصار وظروف النازحين خارج المدينة، إلا أننا قمنا بحملات توعية داخل المدينة لمخاطر الهدنة، وعملنا على زيادة الدعم للنازحين و نجحنا بتجاوز هذه المرحلة ولله الحمد».
شح في الدعم
وعانت القوى العاملة في المدينة أيضًا من نقص الدعم اللازم، إذ يقول أبو محمد مدير مكتب العلاقات العامة في المجلس المحلي لمدينة داريا «شهدت السنة الثانية من الحملة خمودًا في الدعم بسبب سياسات الدول الخارجية التي تريد حصر الدعم في أقنية محددة… استطعنا من التأقلم مع الوضع وقمنا بعدة مشاريع باحثين عن مصادر جديدة للدعم».
«صمود ثورة»
وبعد سنتين نظم المجلس المحلي في المدينة وبعض الناشطين، حملة «داريا صمود ثورة»، نظف خلالها مكتب الخدمات طرق المدينة من الردم وشظايا البراميل والصواريخ، بمساعدة بعض الإعلاميين والمقاتلين، في حين عمدت آليات المكتب إلى خلع الأشجار المتضررة بالقصف وزراعة بديل عنها.
كما رسم ناشطون أعلام الثورة السورية على جدران المدينة، إضافة إلى طلاء بعض الأرصفة، مصممين على إبقاء الأمل الذي تمثله داريا للثورة.