داريا تكسر سياسة «الجوع أو الركوع» .. اقتصاد الحصار خلال عامين من الحملات العسكرية المستمرة

  • 2014/11/09
  • 11:15 م

عنب بلدي – العدد 142 – الأحد 9/11/2014

محمد حسام حلمي – عبد الرحمن مالك

اعتمد نظام الأسد في إخضاع المدن الخارجة عن سيطرته على سياسة الحصار وحرمان أبنائها من لقمة العيش، تطبيقًا لمعادلته المتبعة «الجوع أو الركوع»، تزامنًا مع إقحام أعتى أسلحته المدمرة في معارك كسر الإرادات ضد قوات المعارضة، وأماكن تواجدها، في حين عمد المحاصرون إلى ابتكار وسائل جديدة للحفاظ على مدخراتهم، والبدء بمشاريع تنموية تساهم في إنتاج احتياجاتهم ذاتيًا.

داريا المدينة التي تبعد عن قلب العاصمة دمشق حوالي 10 كيلومترات، إحدى تلك المدن التي أراد نظام الأسد إخضاعها لسيطرته بعد تحريرها من قبل الجيش الحر قبل سنتين، فطوقها نهاية عام 2012 مجبرًا 250 ألف نسمة على النزوح، في حين بقي قرابة 6 آلاف منهم، بينهم مقاتلون في الجيش الحر وناشطون ومدنيون.

ارتفاع الأسعار وسحب السيولة النقدية

مع منع نظام الأسد دخول مقومات الحياة الأساسية كالمواد الغذائية والأدوية، وضعف القوة الشرائية للمحاصرين بسبب تفشي البطالة، فلا عمل ولا مصادر للكسب، بدأت الأوضاع الاقتصادية بعد عدة أشهر تزداد سوءًا وأصبح الغذاء الوحيد في المدينة وجبة الأرز واليقطين التي كان يقدمها المكتب الإغاثي التابع للمجلس المحلي. وبدأت أسعار المواد التموينية ترتفع، وانتشرت ظاهرة الاحتكار بشكل كبير حيث وصل سعر كيلو الأرز أو البرغل إلى 3000 ليرة، بينما ارتفع سعر كيلو السكر إلى 5000 ليرة، مقارنة بتسعيرة تتراوح في دمشق بين 100 إلى 150 ليرة فقط، للمادتين الأساسيتين.

واستغل الأسد الحصار، وعمد إلى سحب السيولة النقدية الموجودة في المدينة عن طريق بيع السجائر على سبيل المثال، حيث كان الدخان يدخل عن طريق سماسرة متعاملين مع النظام، ووصل سعر العلبة الواحدة إلى 6000 ليرة ما يعني أنها بلغت قرابة 10 أضعاف، ونتيجة قلة السيولة النقدية بدأ البعض بمبادلة ما بقي لديهم من مواد غذائية على علب السجائر.

 

اندثار صناعة المفروشات

تشتهر المدينة بصناعة المفروشات، وتعتبر مهنة النجارة الأكثر حضورًا في النشاط الصناعي، إذ كان يعمل بها قرابة 10 آلاف عامل، وتنتشر محال المفروشات في المدينة على جانبي شارع الثورة، السوق الأكبر في المدينة، والذي يغذي العاصمة دمشق وريفها، إضافة إلى بعض المحافظات السورية.

وشهدت هذه الصناعة عدة انتكاسات خلال الثورة كان آخرها بداية الحصار قبل سنتين، إذ تعرضت العديد من الورش للتدمير والحرق والسرقة، كما حرق عدد من مستودعات الأخشاب جراء القصف، والتي تقدر قيمتها بملايين الليرات السورية.

إثر ذلك تحول آلاف العمال في المهنة إلى عاطلين عن العمل، وتوقفت حركة النقل إلى خارج المدينة، ليصاب شريان المدينة الصناعي والتجاري بالشلل التام.

 

مشاريع تنموية لكسر الحصار

الأمر الذي دفع بالعديد من الناشطين والأهالي إلى الانتقال لمرحلة جديدة، للتأقلم مع الحصار عبر القيام بتنفيذ عدد من مشاريع إنمائية، تحقق الاكتفاء الذاتي وتضمن الأمن الغذائي والحفاظ على حياة الناس وحمايتهم من خطر الموت جوعًا.

ونفذ المجلس المحلي لمدينة داريا عدة مشاريع زراعية، بعد مضي عام كامل على الحصار، فقد زرعت عشرات الدونمات داخل المدينة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر بمحاصيل استراتيجية كالقمح والشعير اللازمة لصناعة مادة الخبز.

كما زرعت عدد من المحاصيل الصيفية والشتوية كالسبانخ والسلق والجرجير والفجل والخس والفول، بأيدي مقاتلي الكتائب حسب توزعهم على الجبهات، في محاولة لمنع المدينة من السقوط جوعًا.

ومن المشاريع الإنمائية التي قام بها الناشطون داخل المدينة هي افتتاح ورشة للخياطة بإشراف مكتب الخدمات، وتهدف الورشة لتلبية جزء من حاجة المحاصرين للملابس وإصلاحها، حيث ذكر مدير مكتب الخدمات في المجلس المحلي أبو شحادة في تصريح سابق لعنب بلدي أن «الخدمات التي تقدمها الورشة مجانية، وكل التكاليف يتحملها مكتب الخدمات».

أما بالنسبة لمادة المازوت والتي تعتبر عصب الحياة داخل المدينة مع قطع التيار الكهربائي بشكل كامل، فقد اعتمد الأهالي على سياسة التقنين والترشيد باستخدامها، عبر تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية لساعات محدودة، وتوفير الجزء الأكبر للمشاريع الزراعية واستخراج المياه من الآبار وتوزيعها.

 

هدنة المعضمية تخفف الضغط

استمرت هذه الحالة حتى إبرام هدنة مدينة المعضمية المجاورة مع النظام بداية العام الجاري، إذ كانت «بوابة الفرج» للحصار بحسب بعض مقاتلي المدينة، فقد انخفضت الأسعار وبدأت المواد الغذائية بالدخول عن طريق مدينة المعضمية.

ورغم أن أسعار المواد الغذائية مرتفعة مقارنة بدمشق وريفها، لكنها مقبولة في ظل الحصار حيث وصل سعر كيلو البندورة في المدينة إلى قرابة 100 ليرة، بينما كان يباع داخل العاصمة دمشق بـ 40 ليرة.

إلا أن الحالة الاقتصادية لم تستقر، حيث أغلقت قوات الأسد المعبر الوحيد الذي يدخل إلى مدينة المعضمية عدة مرات ومنعت دخول المواد التموينية إليها، للضغط على الأهالي وإغلاق الطريق الواصل بين المدينتين، حتى كان لها ذلك في 20 تشرين الأول المنصرم.

دمار البنية التحتية

لم يكتف نظام الأسد بمنع سكان المدينة من العودة إليها وحرمان المحاصرين فيها من إدخال المواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية فحسب، بل عمد إلى استهداف أحيائها بالبراميل المتفجرة وتخريب البينة التحتية، إضافة إلى تدمير قسم كبير من أبنيتها.

وهذا ما أكدته دراسة قام بها قسم الدراسات في المجلس المحلي لمدينة داريا في وقت سابق حول نسب الدمار في البنى التحتية والأبنية السكنية في المدينة، وكانت على النحو التالي:

 

وتعد هذه الإحصائيات أولية، إذ يصعب تحديد نسبة الدمار بسبب القصف والاشتباكات وحملات الاقتحام المتكررة من قبل قوات الأسد، ما يعني أن إعادة الأعمار، في حال توقفت المعارك، ستبدأ من لا شيء.

مقالات متعلقة

اقتصاد

المزيد من اقتصاد