«الغربة وجع.. والصاحب وطن» .. العائلات السورية تتجمع وفق القرابة في الأراضي اللبنانية
يواجه اللاجئون السوريون وسط آلام التهجير من بلدهم وسوء أحوالهم المادية والمعيشية، صعوبة في التعايش والتكيف مع المجتمع اللبناني، ما حمل كثيرًا منهم على قصد بلداتٍ لبنانيةٍ دون غيرها، لوجود أقربائهم وأبناء مدنهم الأصل، وذلك بحثًا عن الاستقرار والصحبة الطيبة وطلبًا للراحة النفسية والأنس بـ «ابن البلد» ضمن تكتلاتٍ سكنيةٍ، تصنع بحسب تعبير بعضهم «وطنًا مؤقتًا».
«إحساس الغربة مؤلمٌ والبعد عن الوطن محزن، إلا أن وجودنا بين الأقرباء والأصدقاء يعطينا دعمًا كبيرًا»، بهذه الكلمات افتتح أبو راشد المحلل، المخبري، حديثه لعنب بلدي، مشيرًا إلى الأسباب التي تقلل من آلام اللجوء والابتعاد عن البلد والأهل، إذ يجد في بلدة تعلبايا الصغيرة التي قصدها مئاتٌ من أهالي مدينته داريا «راحة نفسية» فقدها إثر خروجه من سوريا.
ويتابع أبو راشد «عندما أرى أحدًا من أبناء داريا نسلم على بعضنا سلامًا حارًا»، موضحًا الدور الذي يلعبه أبناء المدينة الواحدة في التخفيف عن بعضهم، في ظل تقصير المجتمعات العربية التي «لا ترحمنا وتعاملنا كالغرباء».
أبو فارس «المختار» كما اعتاد أصحابه أن يلقبوه، أفاد أن شوارع تعلبايا تكتظ وسط النهار بأهالي داريا وسياراتهم، كما أن كثيرًا من المحال التجارية والمطاعم وصالونات الحلاقة افتتحت في أحيائها «ما يجعلني أشعر أني في مدينتي داريا إلى حدٍ ما»، وهو السبب الذي دفعه للسكن في البلدة.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر أبو فارس أن «الاجتماعات العفوية» التي يقوم بها اللاجئون إثر صلاة الجمعة أو صلوات التراويح في كل رمضان «هي إحياءٌ للطقوس والتقاليد الشعبية التي كنا نعيشها في مدينتنا»، بينما لا يقوم اللبنانيون أنفسهم بها.
طول فترة اللجوء وضجره كان «دافعًا للاستقرار والتأقلم» لدى بعض كبار السن، بحسب سامر أحد شباب مدينة حمص اللاجئ إلى بلدة سعد نايل اللبنانية، إذ يقول «يخرج جدي للمشي والتعرف على جيراننا، بعد أن كان رافضًا لذلك بحجة العودة القريبة إلى الوطن» حتى طال الأمر عليه، وكذلك بالنسبة للنساء والرجال في عائلته «فقد حذوا حذو جدي، وبدأوا يعايشون الواقع ويتأقلمون مع الجيران».
أما عبد الرحمن ابن معضمية الشام اللاجئ إلى بلدة الصويرة، فيطلق على البلدة اسم «معضمية لبنان»، وأفاد عنب بلدي أن سكان مدينته المهجرين يقصدون هذه البلدة بسبب القرابة والمصاهرة السابقة بينهما.
وأضاف أنه على الرغم من إمكانياتهم المتواضعة فإن أهل البلدة «لا يرفضون استقبال اللاجئين الجدد إلى حين تدبر أمورهم، ما يشعرهم بالأمان وحنان الوطن في غربتهم».
بدورها فاطمة، الطالبة المدرسية وابنة الريف الدمشقي، قالت إنه «من الجيّد أن يكون المرء محاطًا بأناسٍ يعرفهم سابقًا في الغربة الموحشة، ليشعر بالأمان والسكينة في حضن مُحب».
أما أسماء، مدرسة اللغة الإنكليزية، فقد وصلت لبنان منذ عامٍ ونصف، قالت إنها لم تشعر بالراحة التي شعرت بها رفيقاتها، حيث تعتقد أن وجودها بقرب عائلاتٍ على معرفة سابقةٍ بها «يأسر حريتك ويشعرك بأنك محطّ مراقبةٍ للجميع في ظل هذه الظروف الصعبة»، ما يدفعها إلى محاولة تغيير سكنها لتنتقل إلى مكانٍ «آلام الغربة فيه خيرٌ من سوء الظن الذي يلحق بي».
وبحسب علي، الناشط اللبناني في مجال إغاثة اللاجئين السوريين، فقد لاحظ تجمع العائلات السورية «على أساسٍ مناطقيٍ نسبيًا، الحماصنة والديارنة والدرعاوية كلٌ يقطن البلدة التي تضم أكبر عددٍ سكانٍ من منطقته».
وأكد أن الدافع لهذه العلاقات هو «محاولة الاستقرار ومساندة بعضهم في محنتهم الراهنة»، مضيفًا أن اللاجئين أخذوا يتفهمون الفوارق بين المجتمعين السوري واللبناني ويتعايشون معها.
وكانت المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة أعلنت شهر نيسان الماضي أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان تخطى مليون لاجئ نصفهم من الأطفال، ينتظر معظمهم انتهاء الأزمة السورية للرجوع والعيش باستقرارٍ دائمٍ على أرض الوطن وبين الأهل والأقارب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :