منصور العمري
خرجت من دوما بريف دمشق صور مفجعة لضحايا الهجوم الكيماوي الذي شنه الأسد، مساء 7 من نيسان 2108، والذي قتل 190 وأصاب مئات، بينهم عديد من الأطفال والنساء. فجعت هذه الصور السوريين، وأشعلت غضبهم المحق تجاه العالم بأسره، وتقاعسه الذي يرقى إلى حد التواطؤ. أظهر العالم تعاطفًا مع ضحايا هذا الهجوم الكارثي بينما أنكرته إيران وروسيا ونظام الأسد الذي ارتكبه. ربما يتعرض نظام الأسد وقواته العسكرية لضربات عقابية سريعة على جريمته هذه، ومحاكمات فيما بعد.
ما لفت نظري من بين الصور الواردة من دوما أيضًا، كانت صور أطفال ونساء وعائلات بأكملها محتجزين كرهائن لدى “جيش الإسلام” إحدى الجماعات العسكرية التي تقاتل نظام الأسد، والتي سيستغلها إعلام الأسد ونظامه الخاطف الأكبر، خارج سياق تجريم فعل أخذ الرهائن، بل إلى أبعد حدود لإظهار “إجرام الثورة السورية”، وإثبات نظريته أن ليس هناك ثورة محقة طالبت بالكرامة للجميع والحرية، بل حراك مجرمين وإرهابيين.
بالتأكيد لم يكن الاختطاف وأخذ الرهائن أحد مطالب الثورة السورية، وكل من مارس هذه الانتهاكات والجرائم، أساء لضحايا هذه الجرائم أولًا، وللشعب السوري ومطالبه المحقة، وقدّم خدمات “جليلة” لبروباغاندا نظام الأسد أصل الشرور وقدوة المجرمين في سوريا.
بمن فيهم جبهة النصرة وداعش، الجهات التي لم تبق على صحفي أو أجنبي إلا اختطفته، وباعته لجهات إرهابية أخرى أو تلقت ثمنه من دول أوروبية. ما أدى إلى توقف الصحفيين الغربيين عن الدخول إلى مناطق سوريا المحررة من نظام الأسد، فحرمت السوريين من تغطية الإعلام المستقل والغربي لمآسيهم وقضاياهم، التغطية التي كانت حاسمة في تشكيل الرأي العام الغربي في دعم القضية المحقة للشعب السوري.
تُعرف الرهينة على أنها أي شخص يُحتجز ويُهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه، من أجل إكراه طرف على القيام أو الامتناع عن القيام بفعل معين كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة.
استخدم نظام الأسد أخذ الرهائن سياسة ممنهجة، إذ مارست أجهزة المخابرات اختطاف المواطنين، دون مذكرات اعتقال قضائية أو حتى التعريف عن أنفسهم، ومن ثم أطلقت سراحهم بعد تلقيها أموال الرشاوى. كما أنها اعتقلت أقارب من تعتبرهم مطلوبين، من أمهات وأبناء وبنات وإخوة وأخوات، مع أطفالهم الرضع في كثير من الحالات، للضغط على “المطلوبين” من أجل تسليم أنفسهم.
بالمقابل مارس “جيش الإسلام” هذه الجريمة منذ أواخر عام 2013، حين اقتحم مدينة عدرا العمالية واختطف نساء وأطفالًا ومدنيين، ونكل بهم بوضعهم في أقفاص لاستخدامهم كدروع بشرية، وغير ذلك من الانتهاكات التي تعرضوا لها.
موافقة السوريين أو حتى صمتهم إزاء هذه الجريمة الذي ثاروا على مثلها، هو فشل أخلاقي، وليس إلا خدمة لمرتكبي هذه الجرائم وعلى رأسهم نظام الأسد. يجب محاسبة قيادات “جيش الإسلام” المسؤولين عن خطف هؤلاء النساء والأطفال. كما ينبغي تحريك ملفات قضائية دولية ضد الدول التي كانت تدعم جيش الإسلام، بتهمة تمويل أخذ رهائن من بينهم أطفال ونساء وعائلات بأكملها. جيش الإسلام الخاطف، هو ذاته المسؤول عن اختفاء أيقونات الثورة السورية وحقوق الإنسان، رزان زيتونة وسميرة خليل وناظم حمادي ووائل الحمادة، الذين اشتركوا بالمصير مع أهالي دوما ضحايا إجرام الأسد وبراميله وضرباته الكيماوية.
يعتبر أخذ الرهائن انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، واتفاقيات جنيف، والمادة 3 المشتركة وبروتوكولاتها الإضافية.
حتى في الشرع الإسلامي الذي يتقلده “جيش الإسلام” اسمًا، يُعتبر خطف الأبرياء “بغيًا” وخروجًا على الحدود الشرعية والنصوص القرآنية فـ “لا تزر وازرة وزر أخرى”.
أما من الناحية الأخلاقية، فمن أجبن ممن يعتدي على الضعفاء، من النساء والأطفال، مدججًا بسلاحه، متنمرًا على العزّل!
ربما يتذرع البعض بأن الثورة على الشيطان ومواجهته تتطلب أن تتحول إلى شيطان مثله، لكن ما الفائدة من ذلك إن تحولت إلى ما ثرت عليه!
–