محور ممانعة جديد… من غير شرّ!

  • 2018/04/08
  • 1:12 م
عمر قدور

عمر قدور

عمر قدور – الحياة

رسخت القمة الأخيرة التي جمعت بوتين وأردوغان وروحاني ما يبدو أنه محور ممانعة جديد. فالهدف المشترك للقادة الثلاثة هو التخلص من الوجود الأميركي في سورية، ومن ثم العمل على فرض التصور الروسي للحل بمساعدة تركيا قبل نظيرتها الإيرانية. وسيكون من التسرع وصف التحالف الجديد بأنه لحظي أو عابر، فأطرافه الثلاثة لا ينقصها إدراك ما يعنيه التصدي للوجود الأميركي وآثار الانسحاب الأميركي على عموم المنطقة لا على سورية وحدها.

مع القمة الثلاثية في أنقرة، دشّن الرئيسان بوتين وأردوغان مشروعاً نووياً تركياً بتقنيات روسية، وأعلنا الإسراع في تسليم أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسي S 400، وأيضاً الاعتماد على تركيا كممر لتصدير الغاز الروسي بدل خط الأنابيب الأوكراني. هذه الحزمة من المشاريع الضخمة، عسكرياً واقتصادياً، تفيد بأن التحالف الروسي – التركي يأخذ منحى استراتيجياً مشابهاً للتحالف الروسي – الإيراني، من دون أن يتأثر أحدهما بالآخر كما يرغب أو يتمنى البعض.

قبيل القمة، تعرضت قوات التحالف الدولي في منبج لحادثي اعتداء، في سابقة تأتي للمصادفة مع التصويب التركي على منبج، وتكرار الإعلان عن أنها ستكون الهدف التالي بعد عفرين. وإذا أتت التهديدات التركية بذريعة إحباط المشروع الكردي، الأمر الذي له أنصار كثر في الداخل بخاصة لدى الحركة القومية، فليس خافياً أن رأس الحربة التركي يعمل أيضاً لمصلحة موسكو وطهران من جهة دفع القوات الأميركية إلى المغادرة. الهمّ الأساسي لدى القوى الثلاث، كلّ منها وفق حساباتها، هو التخلص من الوجود الأميركي، وهذا قد لا يستتبع سريعاً انفجار التناقضات البينية حتى مع وجود تنافس إيراني – تركي.

من دون أوهام حول القوة الأميركية، لدى المحور الجديد إمكان التسبب في مشكلات للقوات الأميركية الموجودة في سورية. لطهران تجربة سابقة من اللعب مع الأميركيينن إثر غزو العراق، والتنظيمات المتطرفة بما فيها «داعش» لديها استعداد دائم للثأر، وأنقرة اكتسبت خبرة لا يُستهان بها في تفاصيل الشأن السوري، وفي كيفية استثمار التناقضات الموجودة فيه. الميليشيات الكردية التي عملت تحت مظلة التحالف، ليست في أحسن أحوالها بعد خسارة معقلها في عفرين، وكذلك هو تحالفها مع واشنطن التي وقفت متفرجة حينذاك، واليوم لا يوجد أي ضمان يخص المستقبل مع إعلان ترامب رغبته في الانسحاب.

لقد جرى تظهير القمة الثلاثية الأخيرة بوصفها قمة النصر للمحور الجديد. أردوغان تمكن من اجتياح عفرين، ورجالات بوتين وروحاني اقتحموا الغوطة الشرقية. نصران يُحسبان لبوتين وأردوغان أولاً، إلا أن لطهران حصة وهي تحكم سيطرتها على الأرض في دمشق ومحيطها، وتعمل بدأب وصمت على تغيير الواقع الديموغرافي فيهما. أما تنويه روحاني بضرورة عودة عفرين إلى سلطة الأسد فهو يشير إلى حجم الطموح الإيراني، وربما بعض التذمّر من الإجراءات الروسية لتقسيم النفوذ، إلا أن لحظة تضارب المصالح ليست قريبة، ولا يُتوقع الوصول إليها قبل أن تنهي أنقرة مهمتها على أكمل وجه.

ما أنجزه أردوغان حتى الآن هو دفع الفصائل المدعومة تركياً إلى معارك أخرى غير المعركة التي يُفترض أنها وجدت لأجلها، فهذه الفصائل كفّت عن قتال قوات الأسد وحلفائه، وانسحبت من مناطق شاسعة وفق تفاهمات مسار آستانة، بينما تكفّلت موسكو وطهران بطحن الفصائل الخارجة عن تلك التفاهمات. واحدة من النتائج الكارثية لمعركة الغوطة هي ترحيل مقاتليها إلى مناطق النفوذ التركي، حيث يُنتظر أن يجرى العمل على استثمارهم أيضاً في معارك من هذا القبيل، وحيث يُلوَّح بإمكان توطين مهجَّري الغوطة المدنيين في عفرين، وتحويلهم من مهجَّرين إلى محتلين.

يحدث هذا بالتوازي مع تغيّر الخطاب التركي حول الحل في سورية، وتركيزه أسوة بنظيره الروسي على وحدة الأراضي السورية، وعلى أن يكون الحل بإدارة سورية، الأمر الذي يُؤوَّل بمثابة قبول ببقاء بشار. من جهة أخرى، يحدث هذا بالتوازي مع تصعيد تركي تجاه الغرب كله، والمستهدف ضمناً هو قيم الديموقراطية الغربية، كتغطية لإعادة التموضع وفق التحالف الجديد. وإذا تجاوزنا المصالح الآنية المباشرة لدول المحور، لا تصعب ملاحظة كون المحور مناسباً جداً للطموح الأردوغاني من حيث بعده من المعايير الديموقراطية.

لا ينسى أردوغان في ثنايا ذلك كله توجيه الانتقادات إلى إسرائيل، بما يطابق الخطاب الممانع المعهود ولا يخرج عن عدّته، وبالتأكيد ليس مزايدة على نظيره الإيراني.

الغرب لا يبدي تشبثاً بتركيا أو محاولة لاستعادتها، والاشتباك في الملف السوري لا يتعدى تهديد الغرب بفتح المنافذ ليتدفق منها اللاجئون، وهذا ما تتم تسويته بين الحين والآخر إما بتخصيص معونات جديدة من الاتحاد الأوروبي للاجئين المقيمين في تركيا، أو من خلال الصمت على استفزازات أردوغان. حلف الناتو الذي لم يساند تركيا حين أزمتها مع موسكو بسبب إسقاط طائرة روسية، لا يُظهر القلق من التقارب بين موسكو وأنقرة على الصعيد العسكري، والعلاقة التقليدية بين الحلف والجيش التركي قد تكون في أدنى مستوياتها مع حملات التطهير التي طاولت الأخير على خلفية المحاولة الانقلابية.

المناخ السائد في الغرب عموماً يتجنب المواجهة، حتى مع إدراك فشل سياسة الاحتواء المتبعة إزاء طموحات موسكو، وأيضاً مع إدراك ضعف الاتفاق النووي مع طهران وتحفزّها لامتلاك وتطوير أصناف الأسلحة التقليدية وغير التقليدية المختلفة. موجة اليمين الشعبوي التي صعدت في السنوات الأخيرة أقرب إلى الصداقة مع نموذج بوتين على رغم الإقرار بمساوئه، أو بسبب مساوئه تحديداً. هذه الموجة لا تخفي عداءها لأي مُثُل عالمية جامعة، ووجود محور يقوم بالأعمال القذرة أمر مرحّب به بشرط ألا يعكّر صفو أصحابها بلاجئين جدد.

حتى إدارة ترامب، مع وجود صقور على رأسي مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، لا يبدو أنها في صدد انتهاج سياسة مواجهة، أو أن المحور الجديد يثير غضبها، باستثناء ما تعلنه عن عزمها التصدي للنفوذ الإيراني. لن يصف ترامب المحور الجديد بمحور الشر على غرار الوصف الذي أطلقه جورج بوش عام 2002، وربما ينسى مستشاره الجديد للأمن القومي أنه قد أطلق حينذاك تعبير «ما وراء محور الشر». هو محور ممانعة من طرف واحد، وحيث لا قوة مقابلة تتحمل مسؤولية وصفه بما يستحق.

مقالات متعلقة

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية