هل سمعتم بولد تزوج في الصف السادس؟

  • 2018/04/08
  • 12:20 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

نشرت جريدة عنب بلدي، في موقعها الإلكتروني، خبرًا طريفًا مفاده أن ايمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الشاب (ما غيره)، أصدر قرارًا يقضي بتخفيض سن التعليم الإلزامي في فرنسا إلى ثلاث سنوات، يعني، وبلا أدنى شك، سيذهب الولد في أول سنة دراسية، مرتديًا الحفوضة! ولأن الولد، في هذه السن، يكون إنسانًا مزاجيًا، ولأن الضرب والزجر ممنوعان في المدارس الفرنسية، فإنه ليس بمستبعد أن يترك أستاذَه يتكلم في موضوع ما، ويفتح الباب ويخرج، قائلًا للجميع:

– أنا بطّلت من المدرسة، وجميلتكم على تبعي.

أعاد هذا القرار الطريف إلى ذاكرتي سلسلة من الوقائع المتعلقة بالسن القانونية للتعليم الإلزامي في مناطقنا الشمالية.. ففي سنة 1959، على أيامي أنا، كانت سن التسجيل في الصف الأول الابتدائي سبع سنوات، وهي سن مقبولة من الناحية الفيزيولوجية، والاجتماعية، وحتى المنطقية، ولكنّ مشاكل كثيرة كانت تدخل على الخط، فتؤثر سلبيًا على العملية التعليمية، منها تسجيل الولد المكتوم، فقد يأتي إلى المدرسة ولد عمره في الهوية سبع سنوات، ولكن أباه لم يسجله في النفوس حتى مرت ثلاث أو أربع سنوات على ولادته، وكان ثمة عادة شائعة في بلادنا، هي أن الأب الذي تختطف المنية أحد أطفاله، لا يذهب إلى دائرة النفوس ليبلغهم بوفاته ويطالبهم بشطب اسمه من السجلات، بل ينتظر سنة أو سنتين حتى تحبل أم العيال، ثم تلد، فإذا كان المولود ذكرًا، مثل أخيه الراحل، يسميه على اسمه، ولا يحتاج الأمر أن يبلغ دائرة النفوس، لأن الولد الذي يحمل هذا الاسم مسجل من قبل… وحينما يبلغ صاحبنا سن السابعة يأتي إلى الصف الأول وعمره الحقيقي إحدى عشرة سنة. يضاف إلى هذا كله أن الأولاد الذكور يتفاوتون في سرعة النمو، وبلوغ مبلغ الرجال، فبعضهم يبلغها في سن 14 وبعضهم الآخر في الـ 16. ولعل السادة القراء يشككون بصحة كلامي إذا قلت إن رجلًا طيبًا محترمًا (لن أذكر اسمه خشية من الإساءة) كان زميلًا لنا في الصف السادس في سنة 1964، وكان متزوجًا على سنة الله ورسوله، وكنا نتخاطب فيما بيننا بالاسم المجرد: خطيب، فيصل، مروان، جعفر، نهاد.. إلخ، وأما هو فكان يعرف بـ “أبو فلان”!

وكان يقود العملية التعليمية في هذه المنطقة النائية رجل صغير الجسم، بسام الوجه، أليف، ابن عائلة محترمة، اسمه “مصطفى العم”، أنا أرى، الآن، أنه أهم من ماكرون، لأن التعليم في فرنسا سنة 2018 يقوده جهاز (إداري/ فني) ضخم، وعريق، ولا يهم الفرنسيين إن كان رئيس الدولة ماكرون أو جسكار ديستان، بينما كانت العملية التعليمية في ناحية معرتمصرين الخمسينيات والستينيات أصعب من تكسير الحجارة الصلدة، إذ عدا عن تفاوت أعمار الأولاد، كانت هناك مشكلة “التسرب”، أي امتناع الأهل عن إرسال أولادهم، وبناتهم على وجه الخصوص إلى المدرسة، وكان الأستاذ مصطفى العم، رحمه الله، قادرًا على إقناع أكثر الأهالي تشددًا بضرورة إرسال أبنائهم إلى المدرسة، ومتمكنًا من إقناعهم بأهمية العلم مستقبلًا، فتأمل!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي