طالبات الإعلام في سوريا.. قبول على مضض
عنب بلدي – نور عبد النور
على طرق السفر بين دمشق وإدلب، قضت الشابة علا ساعات محفوفة بالمخاطر خلال الأعوام الستة الماضية، مدفوعةً بحلم أجّلت الحرب تحقيقه وحاربه المحيط الاجتماعي بكل ما أوتي من صلابة.
“لدي رسالة وأحبّ الشهرة والقيادة وأن أكون سيدة بارزة في المجتمع”، تشرح علا، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الكامل لدواع أمنية، الأسباب التي دفعتها لاختيار اختصاص الإعلام على الرغم من معارضة عائلتها لقرارها.
استطاعت علا عام 2012 وعقب حصولها على شهادة الثانوية العامة، أن تتحدى “العادات والتقاليد” التي كانت تحكم قرار العائلة حيالها، وانتقلت إلى دمشق، حيث بدأت حياتها العلمية والمهنية في ذلك الوقت، إذ اضطرت للعمل من أجل تأمين مصاريف دراستها في كلية الإعلام.
ورغم أنها استطاعت أن تثبت لكل من حولها قدرتها على مواجهة الظروف الصعبة، وإصرارها على مواصلة الحلم الذي بدأته، لم تكن تتخيل أنها ستدخل تلك المعركة مجددًا في وقت لاحق، وفي ظروف أسوأ بعد عامين.
في كلية الإعلام بدمشق، كانت عشرات الفتيات تشاطرن علا التحدي، وهو ما هون عليها ما تعرضت له من ضغوط اجتماعية، كما بدا الوضع في دمشق أكثر تقبلًا نسبيًا لانخراط الفتيات في اختصاصات من هذا النوع.
الفتيات نصف طلاب الإعلام
وتشكل الفتيات نسبة تصل إلى 50% من إجمالي طلاب كلية الإعلام في دمشق، النسبة التي عززها تراجع أعداد الذكور في سوريا بشكل عام إثر الحرب وتزايد عدد المهاجرين منذ عام 2011.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد منذ عام 1987، ظل قسم الإعلام في كلية الآداب بجامعة دمشق المنبر اليتيم الذي يصدر صحفيين وإعلاميين في سوريا، والذي تحول إلى كلية بأقسام أربعة، عام 2010، في محاولة لمواكبة التطور الإعلامي الحاصل في العالم.
بعد انطلاق الثورة في العام 2011 وانقسام البلاد إلى مناطق سيطرة متعددة، بقيت الجامعات في المدن الرئيسية تحت سيطرة النظام السوري، وحُرم معارضوه أو القاطنون في المناطق الخارجة عن سيطرته من متابعة دراستهم، قبل أن تعيد “الحكومات المؤقتة” في الشمال السوري افتتاح بعض الأقسام الجامعية بإمكانيات متواضعة.
وفي العام 2015 تم افتتاح قسم الإعلام في كلية “أوكسفورد” بإدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، تلاه في عام 2016 افتتاح معهدي الإعلام في جامعتي حلب “الحرة”.
محاولة لكسر الصور النمطية
الصحفية رهام الأسعد، وهي خريجة قسم الصحافة بجامعة دمشق عام 2010، تقول إن نسب الإناث اللاتي يتجهن إلى هذا الاختصاص بدأت بالارتفاع بعد عام 2000 نتيجة التغييرات الاجتماعية التي رافقت تلك الفترة، والانفتاح بشكل أكبر على التعليم.
ورغم ذلك لا تنكر رهام أنها واجهت خلال دراستها الكثير من الأصوات التي عارضتها، بحجة أن الصحافة “تتطلب اختلاطًا أكبر بين الذكور والإناث، وأن أوساط عملها ليست مريحة بما يكفي للأنثى”.
الصحفية أضافت أن “المجتمع ينظر للفتاة التي تدرس الإعلام أنها تسعى للظهور التلفزيوني، بما يحمل ذلك من صورة نمطية عن الإعلام ككل، وعن المذيعة التي يتعامل معها الكثيرون على أساس الشكل، خاصة أن المذيعات المحجبات لم يكنّ مرغوبات للتوظيف سابقًا في وسائل الإعلام”.
لكن رهام، التي حظيت بدعم والدها لمواجهة المجتمع ومحاولة كسر القوالب النمطية، ظلّت لفترة طويلة عقب تخرجها بعيدة عن العمل الإعلامي، نتيجة “لقلة فرص العمل ووعورة وسط الإعلام السوري قبل الثورة”.
عادت رهام بعد خروجها من سوريا عام 2015 إلى العمل في مجال اختصاصها، واستطاعت أن تستفيد من “الفرص المناسبة” التي توفرت لها، كما شهد العام ذاته خروج علا من دمشق تحت ضغط التشديد الأمني وعادت إلى إدلب لتبدأ “من نقطة الصفر”.
التحقت علا فور عودتها بجامعة “أوكسفورد” التي كانت قد افتتحت مؤخرًا قسم الإعلام، وبدأت من السنة الأولى بعد أن كانت وصلت إلى السنة الثالثة في جامعة دمشق، لكنها رغم ذلك تعاملت مع الأمر على أنه “أمل جديد”.
“كنت الطالبة الوحيدة في القسم وكان زملائي جميعهم من الذكور خلال السنتين الأولى والثانية”، تقول علا لعنب بلدي، وتتابع “وجدت البداية صعبة لكني تجاوزتها بدعم زملائي وأساتذتي، حتى عائلتي قدّمت لي الدعم”.
في هذه المرحلة كانت علا تتعرض لانتقادات كثيرة من الشابات في مثل سنها لكونها تدرس في قسم جميع طلابه من الذكور، ولاختيارها اختصاص “الإذاعة والتلفزيون”، لكن القسم استقبل مزيدًا من الفتيات في العام الثالث لافتتاحه، وبذلك حظيت علا بأولى زميلاتها.
ولا يختلف الحال كثيرًا فيما يخص معهدي “تقانة الإعلام” في جامعتي حلب وإدلب، إذ لا يتجاوز عدد الفتيات في المعهدين 50 طالبة، كما امتنعت جامعة إدلب خلال العام الأول لافتتاح معهد الإعلام عن استقبال الفتيات فيه، وفق قرار صادر عن رئاسة الجامعة عام 2016، ليتم التخلي عنه بداية العام الدراسي الحالي.
ترى علا أنها استطاعت خلال فترة دراستها للإعلام أن تغير وجهة نظر الكثيرين حيال ربط دراسة الفتاة للإعلام وتخليها عن الالتزام الديني أو الاجتماعي، كما يؤكد الأستاذ في معاهد الإعلام، أحمد عاصي، أن دراسة الفتاة لهذا الاختصاص أضحت ضرورة، من منطلق أن الكثير من المواضيع تحتاج وجهة النظر الأنثوية وبالتحديد ما يتعلق بقضايا المرأة والطفل.
ويعتبر عاصي أن قبول المجتمع للإعلاميات في الوقت الحالي “جيّد”، ويؤكد كلامه وجود مئات الناشطات الصحفيات اللاتي انطلقن في العمل الإعلامي عقب الثورة السورية، من منطلق الخدمة الإنسانية، والرغبة الحثيثة في المشاركة بعملية التأثير الإعلامي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :