قمة ثلاثية لتعفيش سوريا

  • 2018/04/08
  • 12:26 ص

إبراهيم العلوش

عقدت الدول الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، قمة في أنقرة بتاريخ 4 من نيسان 2018، وتباحثت في الطرق التي يتوجب عليها فيها تعفيش سوريا واقتسامها، ومحاولة الاتفاق على تعفيش التركة الأمريكية في الجزيرة السورية، والتي قد تتخلى عنها حسب تصريحات ترامب.

اللافت أن شبيحة نظام الأسد لم يسمح لهم، ولا لبشار الأسد نفسه، بحضور القمة، فقد صاروا جزءًا من التعفيشة الدولية، وراحوا يقضون الوقت، ويتسلون بتعفيش أثاث الغوطة ونوافذ غرفها، وما تبقى من ثياب وأدوات في بيوت الغوطة تحت شعار “أرواحكم لكم، وأموالكم لنا”، وهذه موجة جديدة من الشعارات التي ابتدأت بشعار “الأسد أو نحرق البلد”. وهم اليوم بعد كل التخريب الذي قادوه، ورغم مظاهر الاسترجال، يبدون قلقين وبانتظار من يعفّشهم في المدى القريب، بعدما مهدوا لتسليم سوريا، ووضعها تحت التنافس الإيراني والروسي والتركي.

الدول الثلاث تحاول الاتفاق على تقاسم الفوسفات والغاز والبترول والعقارات والموانئ والأراضي. وتوجّه الرئيس الإيراني بالشكر إلى كل الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين الذين هجّرهم النظام، بالتعاون مع الحرس الثوري وحزب الله والروس، وهو سعيد بالاستيلاء على أملاكهم التي صدر فيها المرسوم الجمهوري رقم عشرة لعام 2018، من رئيس الشبيحة للاستيلاء على أملاك أهل الغوطة، وعلى أملاك المهجّرين والنازحين، وتسليمها للميليشيات الأجنبية، الإيرانية والعراقية واللبنانية، بهدف تشكيل مجتمع متجانس، كما صرح بشار الأسد، وهذا يعتبر أكبر تعفيش قانوني لأملاك السوريين.

بدأ التعفيش في سوريا منذ بدء الثورة، حين اعتقل النظام الثوار السلميين والناشطين، وموزعي الورود على الجيش، وقتلهم في المعتقلات، ليبدأ تعفيش المدن والقرى، بعد تهجير أهاليها المروعين بالمذابح الجماعية، في حمص وفي غيرها من المدن التي اجتاحها الشبيحة، وأسسوا أوائل أسواق التعفيش في طرطوس وفي اللاذقية وتحت مسمى طائفي “أسواق السُنّة”.

اليوم تركت الدول للنظام وشبيحته تعفيش البيوت، وهي تنشغل بتعفيش الأقاليم والخرائط، تحت شعارات متفرقة مثل مقاومة الإرهاب، وحماية المقدسات والتصدي للمؤامرة المريخية.

أما الصحافة الروسية، فقد استهلت القمة التعفيشية بقولها: حان وقت القطاف!

والمسؤولون الروس أعلنوا وبشكل رسمي، على لسان نائب رئيس مجلس الوزراء، عن عزمهم التعويض عن خسائرهم بالاستيلاء على الغاز والفوسفات والثروات السورية الكثيرة، كما أكد المسؤول الروسي، الذي وصف سوريا بأنها بلد ثري، وقادر على دفع ثمن الصواريخ، والقنابل التي تم إطلاقها طوال السنوات الماضية، ناهيك عن الاستيلاء على الميناء البحري في طرطوس ومطار حميميم لمدة نصف قرن مقبل.

الإيرانيون أعلنوا في مؤتمراتهم أن لهم الحق باسترداد 22 مليار دولار قاموا بصرفها على حماية نظام الأسد، وبدأوا بالضغط على النظام لتوقيع اتفاقات تغطي خسائرهم، مطالبين بجزء من الفوسفات، وبأراضٍ في محيط دمشق، وبميناء بترولي على البحر المتوسط، أسوة بما عفّشه الروس، ناهيك عن مطالبات الحرس الثوري الإيراني بإشراك شركاته بعقود إعادة الإعمار، التي قد تبدأ بعد تثبيت بشار الأسد حاكمًا أبديًا لسوريا.

المسؤولون الأتراك تخلوا عن الأهداف التي رفعوها في مساندة ثورة السوريين لإسقاط النظام الأسدي، وانضموا إلى هذا الحلف، وقد احتلوا عفرين وقراها، وكل ما يهمهم هو مطاردة البي كي كي وقواته التي خرجت من تركيا، وانضمت إلى التحالف الغربي في تعفيش ثلث الجغرافيا السورية، لبناء دولة تمتد من الجزيرة العليا حتى شاطئ المتوسط، في محاولة صريحة لتهجير السكان العرب من المدن والقرى العربية، بحجة الحاجة لأملاكهم لبناء دولة قومية، ذات منفذ بحري، يتولى قيادتها القائد الملهم عبد الله أوجلان، ربيب حافظ الأسد وأجهزة مخابراته.

قمة التعفيش الثلاثية تنظر بقلق أيضًا الى التحالف الغربي، وتخشى أن يقوم هذا التحالف بتعفيشها هي أيضًا، أو بتعفيش ما حصلت عليه من الخريطة السورية، ومن العقود، والاتفاقية التي تكتبها بنفسها، وتجعل النظام يوقّع عليها، وهي تخشى من التمدد الغربي من الجزيرة إلى التنف إلى درعا، وما الهجوم على مطار حميميم في نهاية العام الماضي، وتدمير عدد من الطائرات فيه، إلا مؤشر على احتمال قيام الغرب بإفشال التعفيش الروسي.

الغرب أيضًا ضرب المواقع الإيرانية عدة مرات، وضرب قوافل حزب الله الذي يدير ما تعفشه إيران في سوريا، وينظم عمليات الاستيلاء على الأراضي والمدن والقرى السورية المعفشة، منذ أن استولى على مدينة القصير، وعفشها بشعاراته الطائفية.

سوريا اليوم تقع تحت التعفيش الداخلي على أيدي شبيحة بشار الأسد، وتحت التعفيش الخارجي الذي تترأسه الدول الثلاث صاحبة القمة التي عقدت في أنقرة، ناهيك عن التعفيش الذي يقوم به التحالف الغربي والبي كي كي وداعش وتنظيم القاعدة، فالجميع يعتقدون أن سوريا أضحت أرضًا بلا شعب، ويمكن تعفيشها وإعادة تصنيعها على هواهم، والتهجير هو سلاح تلك القوى ضد الشعب السوري.

ولكن السوري الذي يساق من مدينة الى أخرى، ومن بلد الى آخر، لا يذوب ولا يختفي، فالسوريون صاروا في كل مكان، وفي كل دولة، وفي كل وسائل الإعلام، وفي كل المنظمات الدولية، وهم ليسوا أصفارًا ولا يمكن تهميشهم حتى في الدول التي سجنتهم في مخيمات، أو أسكنتهم الصحاري البعيدة، وهذا ما صار يقلق دول التعفيش الثلاث، ناهيك عن جعل الشبيحة أكثر توترًا وأكثر قلقًا، وهم يحتفلون بانتصاراتهم ويعفشون ما تبقى من البيوت.

ليس من صالح دول التعفيش أن تستمر الحرب، فهي تريد أن تهنأ بما تنهبه، وما اغتصبته من نفوذ، وأن تنهي مصاريف وتكاليف الحرب، وأن تكتب ما تشاء من دساتير، ومن اتفاقات لتضمن مسروقاتها، ولكنها غير قادرة على ذلك، ليس لأن العالم يعترض، بل لأن السوريين، ورغم خسائرهم الفادحة، لا يزالون يرفضون التنازل عن حقوقهم، وعن ثورتهم التي دفعوا ثمنها غاليًا من أرواحهم ومن أملاكهم، ولن يعودوا إلى القبول بأجهزة المخابرات التي تدير دولة الأسد الفاشلة، والتي بدأت بالتداعي منذ أن رفع السوريون أول شعار للحرية: حرية للأبد غصبًا عنك يا أسد!

ملاحظة أخيرة: القمة التعفيشية المقبلة ستكون في طهران، عاصمة السلام والميليشيات والحقد الطائفي، وبلد الخامنئي وقاسم سليماني!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي