عنب بلدي – درعا
فتح التدهور الكبير في المستوى المعيشي للسوريين بمناطق سيطرة المعارضة الباب أمام عمل العشرات من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية، ورغم محدودية الدعم الذي تقدمه، إلا أنها نجحت على مدار السنوات الماضية في تقديم المساعدة للآلاف من المحتاجين خاصة في المناطق الحدودية.
لم ينسحب نشاط المنظمات الإغاثية على مناطق سيطرة النظام السوري، والتي يعتبرها تعمل لصالح “العصابات الإرهابية”، وهو ما وضع العاملين فيها على قوائم المطلوبين لأجهزته الأمنية، ليقتصر العمل في مناطق سيطرته على المنظمات التابعة لمؤسساته، والتي تحظى بإشراف مباشر منه، ما انعكس سلبًا على حجم المساعدات ومستحقيها.
تنحصر سيطرة قوات الأسد في محافظة درعا بثلاث مدن رئيسية يقطنها مئات آلاف الأهالي النازحين، ويقتصر عمل المنظمات الإغاثية فيها بحسب المعلومات التي حصلت عليها عنب بلدي على ثلاث جهات رئيسية، هي الهلال “الأحمر العربي السوري” و”جمعية البر والخدمات الاجتماعية” و”الكنيسة البطريركية الأرثوذكسية”.
وتقدم هذه الجهات الثلاث الإغاثة بإشراف كامل من مؤسسات النظام السوري.
“الهلال الأحمر” وسيط المياه والكهرباء
لم يعد دور “الهلال الأحمر” في درعا مقتصرًا على الدعم الطبي، وباتت فرقه اليوم تعمل في المجال الإغاثي والتوعوي، وتلعب كذلك دور الوسيط في العلاقة بين مؤسسات النظام والمعارضة على صعيدي المياه والكهرباء، كما تنفذ فرقه مشاريع محدودة في مناطق سيطرة المعارضة.
لكن ذلك لم يمنع مجلس محافظة درعا التابع للمعارضة من إصدار بيان في شباط الماضي، حذر فيه كل من يتعامل مع “الهلال الأحمر” و”الصليب الأحمر” من “الملاحقة القضائية والثورية”، مبررًا ذلك بأن هذا التعامل “تسييس” من قبل النظام وإعادة تأهيله “بعدما فقد شرعيته الأرض”، بحسب ما جاء في البيان.
ونتيجة ذلك باتت المنظمة تعمل بشكل واسع داخل مناطق سيطرة قوات الأسد فقط، وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن “الهلال الأحمر” في درعا إلى حجم عمل إغاثي كبير.
وخلال الربع الأول من 2018، وُزعت 43417 سلة غذائية و31981 كيس طحين و2413 قطعة معلبات و4731 سلة صحية، ضمن مراكزه الثلاثة في مدن درعا والصنمين وإزرع، وجميع هذه المساعدات مدعومة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والصليب الأحمر الألماني وبرنامج الأغذية العالمي، وفق ما قالت مصادر عاملة في المنظمة لعنب بلدي.
“جمعية البر” أقدم المصادر
إلى جانب ما سبق، تمثل “جمعية البر والخدمات الاجتماعية” المصدر الثاني لإغاثة النازحين في درعا، وهي واحدة من أعرق وأقدم الجمعيات الخيرية في المحافظة.
تأسست عام 1959 على يد الشيخ عبد العزيز أبازيد، أحد أبرز وجهاء درعا حينها، وتهدف إلى مساعدة المحتاجين والمعاقين، وتعتمد في تمويلها على دعم أهالي المحافظة والمغتربين.
ويقتصر عمل الجمعية اليوم على مناطق سيطرة قوات الأسد بحكم موقعها بحي المطار في درعا المحطة، وتشرف شهريًا على توزيع المساعدات الإغاثية بحسب دفاتر وقوائم مسجلة لديها تضم النازحين والمهجرين والمحتاجين.
ويُعتبر برنامج الأغذية العالمي، بالإضافة لـ “الهلال الأحمر”، من داعمي هذه الجمعية، التي يقتصر دورها على إعداد القوائم ودراستها وتوزيع المساعدات.
هيئات مسيحية بتمويل كبير
“الكنيسة البطريركية الأرثوذكسية” هي الجهة الثالثة والأكبر في العمل الإغاثي داخل مناطق سيطرة قوات الأسد في درعا، ودخلت المجال بعد انطلاق الثورة السورية، ولم يسجل لها أي نشاط من هذا النوع سابقًا.
وبحسب ما قالت مصادر مطلعة لعنب بلدي، فالكنيسة تحظى بتمويل “كبير” من جهات وهيئات مسيحية في أوروبا، الأمر الذي حولها من جهة دينية إلى جهة إغاثية في الغالب.
وتقع الكنيسة في حي شمال الخط في درعا المحطة، وفيها حاليًا أكثر من 100 موظف وعامل، يعملون على إعداد قوائم المحتاجين وإجراء الزيارات الميدانية وتوزيع المساعدات الغذائية والصحية والإغاثية، كما أسهم التمويل الكبير الذي حصلت عليه الكنيسة بتمكينها من تقديم مساعدات مختلفة.
وبادرت الكنيسة بعد الأشهر الأولى من إعلان اتفاقية “تخفيف التوتر” في جنوب سوريا، تموز العام الماضي، إلى إجراء صيانة لعشرات المنازل في حي السحاري الأكثر تعرضًا للقصف خلال الأشهر التي سبقت إعلان الاتفاقية.
كما رممت الفرن الاحتياطي في حي السبيل، علمًا أنه يتبع لمؤسسات النظام الحكومية، بالإضافة لذلك وسعت الكنيسة دعمها للمجال الطبي، لتتكفل بالمئات من العمليات الجراحية وتكاليف علاج المرضى المحتاجين، كما افتتحت قبل أشهر مركزًا للعلاج الفيزيائي للمصابين.
ويتركز عملها بشكل رئيسي على أحياء درعا المحطة، بالإضافة لمدينة إزرع، ذات الغالبية المسيحية.
وتقدر مصادر عنب بلدي عدد المسجلين على قوائم المساعدات في مناطق سيطرة قوات الأسد بأكثر من 35 ألف عائلة، لكن النجاح الذي حققته هذه المنظمات لم يخل من تدخلات أجهزة الأسد العسكرية والأمنية فيه.
وفشلت المنظمات في السنوات الماضية بمنع مقاتلي قوات الأسد والمحسوبين عليه من الحصول على دعم إغاثي شأنهم كأي من المحتاجين، رغم درايتهم بأن ما يُقدّم من دعم يُباع في الأسواق، كما يقول ناشطو المدينة.
كما أن قوات الأسد تفرض المنظمات عليهم تخصيص قوائم مساعدات لذوي القتلى والمصابين من قواته، وتضع لهم الأولوية في الحصول على المساعدات على حساب بقية المواطنين.