جريدة عنب بلدي – العدد 22 – الأحد – 1-7-2012
• العتيق – حُمص
لو طرحنا سؤالًا بسيطًا على أنفسنا: ما الذي نريده اليوم ؟
لا أحد سيختلف عن الإجابة بالقول: نريد تحرير سوريا من هذا الطاغية المجرم الذي يكاد يحيل البلد إلى جحيم حقيقي، نريد أن نزيح هذا الكابوس، الذي طال خمسين عامًا، عن حياتنا ..
ولو تساءلنا: ما الذي كنا نريده منذ عام ونصف ؟
الإجابة كانت ستختلف قليلًا، نريد الحرية والديمقراطية لبناء وطن حقيقي، لا أن نكتفي بجغرافيا تسمى الوطن. وسيتابع آخرون بأن هذا البناء لن يكون ممكنًا إلا بإزاحة الأسد وعصابته عن سدة الحكم في سوريا. وهذا يعني أننا لم نخرج عن دائرة السؤال الأول تقريبًا.
هل هناك مشكلة فيما سبق؟ تقريبًا لا .. لكن هناك عقبة في إمكانية تحقيق هذا الأمل (لا أقصد أمل إسقاط النظام، فهذا بات محتّمًا، بل أمل بناء وطن قائم على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية)
هذه العقبة تتمثل في إسقاط المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية التي ساهم الأسدان في تعزيزها (ولا أقول إيجادها فهي كانت سائدة منذ قرون!) وتحصّنا في داخلها، كما تحصّن بها قبلهما عشرات الملوك والمستبدين مع اختلاف في الشكل ودرجة القهر والاستبداد.
إن أسلوب الحكم وقيمه ليست منفصلة عن أسلوب حياة المجتمع وقيمه، فالشورى قبل أن تكون نظامًا سياسيًا تجلى لعدة عقود زاهية في تاريخنا كان سلوكًا حضاريًا وطابعًا أخلاقيًا في المجتمع الأول.
فقبل أن يوضع المسلمون في موقف اختيار خليفتهم الأول أو الثاني، وقبل مشهد «إن رأيتم مني عوجا فقومني»، و «وليتكم ولست بخيركم»، كان المجتمع قد تربى على قيم الشورى ونظامها الاجتماعي، وأصحبت سمة عامةً فيه.
فسورة الشورى وآياتها نزلت في مكة، في مجتمع لم يقم بعدُ نظامه السياسي، وعندها تدفقت توجيهاته عليه الصلاة والسلام للمجتمع الناشئ «إذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه»، «ما استشار قومٌ قط إلا هدوا لأفضل ما بحضرتهم»، «ما ندم من استشار» .. وفي سيرته العملية فقد نقل ابن ماجه بسند صحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يستشير الناس فيما «يهمهم»، يجمعهم إلى الصلاة، وأنه استشار يوم المسير إلى بدر، وفي الأسرى، ويوم الخروج إلى أحد، وفي حادثة الإفك … والمواقف أكثر من أن تعد، إلى أن قال أبا هريرة : ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله.
هذا هو المجتمع الذي يمارس الشورى في يومه وليلته، ويعيشها كأسلوب حياة يومي، يعالج فيه مشاكله وتحدياته، وبذا يكون المجتمع قادرًا على فرز سلطة سياسية تتبع نظامًا شورويًا حقيقيًا، سواء بأدوات الديمقراطية التي نعرفها اليوم (مؤسسات تشريعية وقضائية وتنفيذية ، الفصل بين السلطات، دعوة الناس لاختيار ممثليهم …) أو بوسائل أخرى ..
وما الشورى في صميمها إلا سؤال، يطرحه المرء على نفسه وعلى الآخرين، إنها تساؤل حول الخيار الأكثر مناسبة وملاءمة، وتحقيقًا للمطلوب. وهي بإعتبارها سؤالًا يطرح على النفس، يعني إعادة النظر في كل ما نراه جوابًا وحيدًا أو بديهيًا، ومن حيث هي تساؤل يطرح على الآخرين يعني الإنفتاح على آراء الآخرين إيمانًا باحتمال صوابها، وسماعها وتقليبها في العقل.
وتشكل هذه المفردات خبز الحياة اليومية للفرد الشوروي، المتسائل دومًا، المنفتح على الآراء، وهي صورة أزعم أنها تكاد تغيب بشكل شبه كلي عن حياتنا، رغم ضرورة العمل على تحقيقها واقعًا معاشًا من جديد.
في الأسابيع القليلة القادمة سنكون أمام استحقاق اجتماعي يشكل رُهابا حقيقيًا للكثيرين، أقصد نتائج الامتحانات الثانوية والتفكير في: ماهي الدراسة المستقبلية، وهذا سيكون اختبارًا حقيقيًا في ما إذا كنا قد تطبعنا بالأخلاق التي ننادي بها، أم سندعي خبرتنا في الحياة وحنكتنا لنفرض بها خياراتنا على الأبناء؟