جريدة عنب بلدي – العدد 22 – الأحد – 1-7-2012
• سماح هدايا
كانوا قلّة ضعيفة، وفجّروا ثورتهم ضد الظلم. يواجهون جموع الصامتين والشّبيحة، وكانوا أبطالًا وكانت أحلامهم عظيمة. ماتوا قتلًا وتعذيبًا وهربًا، قبل أن تتحقق أحلامهم، لكنّها ظلّت أقوى من القتل والتشويه والإبادة والتشريد والترويع. ولأجل بطولتهم ونصرة الحق؛ لا يمكن أن نكتفي بعد كل ما كان بأشلاء حلم؟. لا. ليس بمقدور مكونات القهر والفجيعة والشتات وقسوة الظروف، أن تسرق منا أحلامهم التي أودعوها أمانة لدينا، فهي مضمومة بأحلامنا التي تقاسم أحلامهم رحابة السماء الواسعة.
ولأنّنا أمام صورة متناقضة شديدة التّباين، فيها من يحلم ويقاوم ليظلّ ممسكًا بالأحلام الكبيرة. وفيها من يتكاسل ويتسلّى بحلم صغير ضيق على هامش تلك الأحلام الكبيرة؛ فلابدّ من سبر الواقع بعمق وإيجابيّة وتفهّم الظروف المختلفة لرؤى الثائرين الأبطال والمعارضين والمكتفين بالثرثرة أو الفرجة؛ لكي نشحذ الإرادة بقوّة التغيير والغد، فيشتد عزم المقاومة، ويقوى اليقين بأن من يصنع التاريخ ليس إلا أصحاب العقول الكبيرة وذوي القلوب الواثقة الجريئة التي توقد إيمانها وفعلها بنور الأحلام العظيمة، لكي تقطع ظلمة الدرب بإرادة جبارة.
فليس القهر اليومي بقادر على كسرنا، ولا حرب الإبادة ستلغينا؛ ولن يكون بوسع البؤس في أماكن النزوح ومخيمات الشتات، أو الحيرة والفوضى في سجون الغربة، أن يوقف قطار الحريّة المنطلق نحو آفاق الغد. وليس بالأمر السهل، أيضًا، بعد عظيم التضحيات إحساس الإنسان السوري أنّ العالم كلّه قد تخلى عنه. وأنّ النظام الإرهابي يستمر في قتله وتعذيبه، بينما أطياف من المعارضة الملتمعة مشغولون عنه بقضايا أخرى، نواتها الطموحات الشخصيّة.
بالطّبع لا تقوم الدول المنكوبة على كثير المناظرات وغزير الجدل وعديد الحوارات. ولا تقوم بالخلافات واستمرار التقاتل الشخصي والاكتفاء بالنوم من أجل استجلاب الأحلام. تقوم بالنهضة والاستيقاظ، بقوة النضال والكفاح العملي الجاد، وبالعقل التشاركي وصدق الرؤية وبالوفاء الوطني. هناك مصائب وويلات كثيرة؛ لكنّها تجارب ودروس يجب أن تحرّرنا من تبعات المصائب وأهوال الاستبداد. وطريق النصر، لا يأتي إلا بالنضال. لا السوط ولا السيف ولا المدفع يستطيع قمع الشعوب أثناء تحرّرها. الإيمان بالحق والجهاد في سبيله هما قوة المناعة والمنعة.
عندما يستيقظ إنساننا على البؤس والقهر في الداخل وفي المخيم والشتات؛ فأمامه حلّان: إمّا أن يستسلم ويعود ذليلًا كسيرًا. أو يكون ظالمًا يبطش بالضعفاء والمنكوبين، ويستغل حاجاتهم الأساسيّة، وإمّا أن يتحوّل إلى ثائر حر جريء زاهد في مكاسب الحياة الدنيا. ويسأل المشككون والخائفون ماذا بعد؟ الجواب: «واقعنا ليس أمرًا سهلًا. لكن ليس أمام شعبنا الذي اختار قدره إلا النضال والتعاون والتوحّد، وحتى لو ناضلنا بسواعدنا نحن فقط، يمكن أن ننتصر ونسقط نظام الإرهاب المجرم المدعوم محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، ما دمنا متوافقين على رؤية وطنية واحدة في جبهة ثورية ناضجة. وسيظل الشعب يقاوم رغم النوائب وتدمير الأحياء وإبادة البشر، ورغم التهجير والتشريد. وستكون قوافل الشهداء والضحايا وآلاف الخيم ظلًا للكفاح الثوري تظلّل الأحرار بالأمل والثقة. ولن تتكسّر الأحلام السورية الكبرى على جدار سجن الموت في الداخل أو سجن الاغتراب في الخارج، مادام الهدف واحدًا والعمل متفقًا عليه وسيادة الوطن والشعب هما الأولوية».
هناك محنة أخلاقية في الواقع المحيط بالثورة السورية. داخلًا وخارجًا. سوريّا وعربيًّا ودوليًّا. فمفهوم المصالح يطغى، على منظومة المبادئ. ولعلّ الأشد إيذاءً في المشهد السوري شدة التباين: فهناك فجائع ودماء، وهناك صامتون أمام مشهد الدماء، وهناك استهانة بالدم. وفي كل هذا لا يجد المنكوبون سوى الركام وأقبيةً تزدحم بالهاربين. أو سقف خيمة
لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع وهذه المفاهيم إلى ما لانهاية. لابد من العمل على التغيير الجذري. وتفجير الثورة على الواقع بكلّ واجهاته التي تتسم بالرجعية والتخاذل والنفعيّة والعبثيّة والانفعاليّة؛ لكي يتحوّل الفعل السوري كلّه إلى قوة حقيقيّة داعمة للثورة وإغاثة متواصلة مدروسة وعاجلة لمنكوبيها: عسكريًا وسياسيًا واجتماعيًّا وفكريًا وإنسانيًّا. وعدم التورط بعواطف مرحليّة، يسببها الإرهاب الممنهج لعصابة آل الأسد. ويسببها العقل التقسيمي والفوقي والتشبيحي والاستغلالي الذي أوجده نظام الإرهاب في أطياف المجتمع السوري داخلًا وخارجًا. الثورة تحملها رؤوس الأحرار والشرفاء والشجعان والبنّاؤون.