علّق صديق سوري على صورة القمة الثلاثية التركية- الروسية- الإيرانية في أنقرة أول من أمس بالقول: إنهم رؤساء الجمهورية العربية السورية. إنها السخرية السوداء لما آلت إليه بلاد الشام من انعدام الوزن لحاكمها وللمعارضة معاً.
مضت سنوات، وتحديداً منذ التدخل الروسي في أيلول (سبتمبر) 2015، على توزع القرار السوري بين الزعماء الثلاثة. هم يديرون المعارك على أرضها. وهم يديرون التنافس الدولي والإقليمي على النفوذ فيها ويقتطعون الأرض أو يوزعون تشكيلات السوريين السياسية والطائفية والعسكرية، ومن ضمنها النظام وقواته، على البقع الجغرافية، وفقاً لمصالحهم الإقليمية والدولية. يتقدم أحدهم على حساب الآخر مرة، ثم يلتقون لتنظيم التنافس، أو للاتفاق على المناورة المقبلة في العلاقة مع بقية المجتمع الدولي العاجز، تارة باللجوء إلى صيغة أستانا وأخرى بالعودة إلى صيغة «جنيف»، وثالثة لخوض معارك جديدة في منطقة أخرى، ثم رابعة لأجل تنظيم هدنة من أجل خداع الذين بحت أصواتهم من الصراخ اعتراضاً على الانتهاكات الصارخة والجرائم «ضد الإنسانية».
وكان ينقص أن يضاف إلى فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني في الصورة، دونالد ترامب، لولا أن الأخير «يهدد» برغبته في سحب القوات الأميركية من المناطق التي تتواجد فيها في شرق وشمال شرقي سورية، ويتأرجح بين إبقائها بناء لنصائح ومتطلبات جنرالاته، وبين البدء بخروجها قريباً بحجة اقتراب انتهاء مهمتها التخلص من «داعش». ومع أن ترامب قبل أول من أمس، بعد اجتماع لمجلس الأمن القومي الأميركي، تمديد وجود هذه القوات لفترة أطول، على أمل أن تنسحب في تاريخ قريب، فإن ساكن البيت الأبيض لا يتوقف عن افتعال المفاجآت لخصومه الدوليين ولرجال إدارته على السواء. إلا أن جنرالات المؤسسة الأميركية ليسوا جاهزين لانسحاب كهذا، في وقت دخلوا في تنازع مع تركيا على المناطق الكردية التي يدعمونها، بعد أن استعادت أنقرة سيطرتها على عفرين غرباً، وتتهيأ للتوجه شرقاً نحو منبج، لوصل مناطق نفوذها الشرقية في الشريط الحدودي الموازي للأراضي التركية، بالجزء الغربي من الشريط.
«الرئيس الرابع للجمهورية العربية السورية»، ترامب، ليس مستعجلاً على اقتسام الكعكة السورية، أو على الأقل، على تكريس هذا الاقتسام القائم على الأرض. فالتدقيق بخريطة توزع القوى العسكرية الخارجية يكشف أن اكتمال مناطق النفوذ الأربع يتقدم خلال المرحلة المقبلة كالآتي:
– وسط سورية لخليط القوات الروسية والإيرانية وقوات النظام من حدود ريف دمشق مع محافظة درعا جنوباً حتى حلب شمالاً، ومن الساحل والحدود مع لبنان غرباً نحو نهر الفرات شرقاً.
– جنوباً لخليط النفوذ الأميركي مع جزء من «الجيش السوري الحر». وتشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وصولاً إلى الحدود مع الأردن وجزء من الحدود مع العراق.
– شرقاً لـ «قوات سورية الديموقراطية» وبقايا «جيش سورية الجديد» (الموجود على مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية) والقوات الأميركية التي ثبتت قواعد لها هناك، من الضفة الشرقية للفرات والرقة ودير الزور الغنية بالنفط والغاز، وصولاً حتى الحدود مع العراق.
– شمالاً لمزيج القوات التركية وجزء من «الجيش السوري الحر». وتمتد من الغرب على الشريط الموازي مع تركيا، من ريف حلب الغربي والشمالي وعفرين وصولاً حتى الحسكة والحدود مع العراق أيضاً، شرقاً.
تثبيت هذه الخريطة قد يشعل حروباً جديدة. والحؤول دون اكتمالها قد يطلق معارك لا تنتهي.
وقد تكون قمة أنقرة انعقدت من أجل إيجاد المخارج لتمدد الجانب التركي شمالاً. فطهران تخشى من أن يتمايز أردوغان المتقلب، عنها سياسياً، بعد أن يحكم السيطرة على الشريط الذي يحاذي جزءاً كبيراً من البقعة الجغرافية للنفوذ الأميركي. ولذلك طالب روحاني بتسليم عفرين إلى الجيش السوري.
ينقص اكتمال نصاب الرؤساء الأربعة للجمهورية العربية السورية، بانضمام ترامب إلى الثلاثي، الكثير. فواشنطن تريد اقتسام الكعكة من دون التسليم بالحصة الإيرانية لأنها لا تشمل ضمانات لأمن إسرائيل، ولأن الوقت لم يحن بعد من أجل اتفاق سلة مع موسكو. ولذلك يتأرجح ترامب بين نظرية إضعاف روسيا من طريق «تركها تنتصر» لتقع في فوضى الطموحات الإيرانية والاندفاع التركي، (من هنا اتجاهه نحو الانسحاب)، وبين رغبة جنرالاته في إبقاء قواتهم إلى أن يحين الحل السياسي.
أما انتهاء قمة أنقرة إلى دعوة الدول الغربية إلى المساهمة في إعادة إعمار سورية، وحديث روحاني عن انتهاء الحرب، فهي قمة «البلف». «إعادة إعمار» بعض الأحياء تجري فعلاً في بعض المناطق، لتكريس التغيير الديموغرافي فيها، وتنفيع شركات روسية، وأخرى لبطانة النظام ومقاولين لبنانيين…